فوضى المصطلحات:

13 مفهومًا ينبغي استبعادها من حقل العلاقات الدولية

06 February 2017


إعداد: محمد عبدالله يونس ، مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية 

على مدار العقود الماضية، هيمنت عدة مصطلحات ومفاهيم على التنظير والممارسات في حقل العلاقات الدولية نبعت من خصوصية التفاعلات الدولية خلال سياقات تاريخية متباينة، بيد أن التحولات السريعة في واقع العلاقات الدولية خلال الآونة الأخيرة نسخت العديد من هذه المصطلحات، حيث باتت تفتقد للدلالة والملاءمة في وصف تعقيدات وتحولات واقع العلاقات الدولية.

في هذا الإطار، طرح ريتشارد هاس -رئيس مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة الأمريكية- قائمة بالمصطلحات والمفاهيم التي لم يعد استخدامها ملائمًا في تنظير وخطاب وممارسات العلاقات الدولية في مقاله المنشور بمجلة "الفورين بوليسي في 3 فبراير 2017، حيث أرجع هاس تقليد استخدام مفاهيم غامضة في وصف التفاعلات الدولية إلى المؤرخ والمحلل الألماني كارل فون كلاوزويتز حينما طرح مفهوم "ضباب الحرب" تعبيرًا عن عدم اليقين الذي يحيط بالعوامل الدافعة لنشوب المواجهات العسكرية بين الدول.

وعلى النقيض من وصف كلاوزويتز الدقيق للغموض وعدم اليقين الذي يكتنف تفجر الصراعات، فإن العديد من المصطلحات الشائعة في الحوارات والمناظرات والجدل حول السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لم تعد ذات دلالة في وصف ظواهر واقعية، وبات استخدامها غير ملائم لتسببها في غموض والتباس شديدَيْن للمتابعين للعلاقات الدولية وفق رؤية هاس، وتمثلت أهم هذه المفاهيم التي تجاوزها الواقع فيما يلي:

1- المواطن العالمي (Global Citizen): يروج بعض المتابعين لمصطلح "المواطن العالمي" باعتباره وصفًا للهوية والانتماء للعالم؛ إلا أن المواطنة -في حقيقة الأمر- هي مصطلح وطني وثيق الصلة بالسيادة الوطنية الثابتة للدول دون غيرها، ومن ثم لا يوجد في الواقع ما يُسمى "مواطنًا عالميًّا" بعض النظر عن تطلعات ورؤى بعض المنظرين الليبراليين. ووفقًا لريتشارد هاس، من الأفضل دعوة الأفراد لمتابعة ومعرفة الشئون العالمية بما يعزز من دورهم كمواطنين داخل دولهم، ويقود لتطوير عملية صنع السياسات، وهو ما سينعكس إيجابًا في المحصلة النهائية على حالة العالم.

2- المجتمع الدولي (International Community): يتم استدعاء هذا المصطلح كلما حدثت أزمة عالمية، مثل: الحرب الأهلية في سوريا، والأزمة النووية الكورية الشمالية، وتغير المناخ، حيث يتم دعوة المجتمع الدولي للرد وتبني إجراءات حاسمة لمواجهة هذه الإجراءات، إلا أن المجتمع الدولي -في واقع الأمر- يعبر عن كيان غير موجود في الواقع، ويتطلب وجوده التوصل لاتفاق دولي ملزم وواسع النطاق حول الإجراءات الواجب اتخاذها في مواجهة الأزمات الدولية، واستعداد كافة الدول لتحمل أعباء تنفيذ هذه الإجراءات، وهو ما لا يتحقق في الواقع بسبب التعارض في المصالح بين الدول، وسيؤدي التوقف عن استخدام هذا المفهوم لتحمل الشعوب والحكومات مسئولية أكبر في مواجهة التطورات العالمية.

3- القوة الذكية (Smart Power): في البداية كان مفهوم القوة هو المهيمن على خطاب العلاقات الدولية، ثم ظهر مفهوم "القوة الصلبة" تعبيرًا عن الأبعاد الإكراهية للقوة، وفي مرحلة لاحقة ظهر مفهوم "القوة الناعمة" بفضل اجتهادات جوزيف ناي، وأخيرًا انتشر مفهوم "القوة الذكية" كمزيج بين كافة أنماط القوة، ولكن القوة الذكية -في واقع الأمر- ليست بهذا القدر من الذكاء الموصوف في الأدبيات، إذ لا يتضمن المفهوم كيفية مزج أنماط القوة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية وآليات التوظيف المتزامن لأنماط القوة لتحقيق النتائج المبتغاة، وهو ما يزيد من غموض المفهوم واستعصاء قابليته للتطبيق.

4- حق تقرير المصير (Right to self-determination): يرجع انتشار هذا المصطلح إلى عصر التحرر من الاستعمار، والاحتلال الأجنبي لبعض الدول، مما أدى للدفاع عن حق الشعوب في استعادة دولها من الاحتلال، ولكن الواقع الراهن قد تجاوز هذه المرحلة، ولم يعد من الواضح مدى احتفاظ البعض بالحق في إعلان تأسيس دولتهم لتسبب ذلك في شيوع الحركات الانفصالية داخل الدول القائمة فعليًّا، ويرتبط ذلك بمطالبات بعض الأقاليم (مثل: الباسك، وكيبك، وكردستان)، كما أن تأسيس دول جديدة بات يتضمن تأثيرات بعيدة المدى، ليس فقط على الدولة التي تضم الأقاليم الانفصالية وإنما على دول الجوار، حيث بات تبني هذا الحق بصورة منفردة يتضمن إشكاليات معقدة مقارنةً بالفترات التاريخية السابقة.

5- محاربو الحرية (Freedom Fighters): لم يعد هذا المصطلح يتضمن ذات الدلالات اليوتوبية التي ارتبطت بظهوره أثناء فترات التحرر من الاستعمار، حيث بات يعني هذا المفهوم وجود أفراد يقومون بتوظيف العنف لفرض قضيتهم السياسية في تحدٍ للوضع الراهن، ويكاد يتطابق مضمون هذا المفهوم مع الإرهاب -وفق رؤية هاس- من جهة توظيف العنف والتدمير والقتل لخلق واقع سياسي بديل، مما يعني ضرورة نزع الشرعية عن توظيف العنف في تغيير الواقع السياسي.

6- القوى العظمى (Super Powers): ظهر هذا المفهوم في خضم الحرب الباردة لوصف كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إلا أن المفهوم تضمن قدرًا كبيرًا من المبالغة، فعلى الرغم من امتلاك كلتا الدولتين لترسانة نووية يمكنها تدمير العالم أكثر من مرة، لم يكن أي منهما "قوة عظمى" بأي حال، فلقد تعرضت الولايات المتحدة للهزيمة في فيتنام، وأخفق الاتحاد السوفيتي في السيطرة على أفغانستان، كما أن تصدع وانهيار الاتحاد السوفيتي يؤكد أنه لم يكن قوة عظمى من الأساس. وتؤكد القيود على قدرات وسياسات الولايات المتحدة في إحداث التغيير في العالم، أن القوة لا تتطابق بالضرورة مع التأثير والنفوذ، وأنها مفهوم نسبي تتفاوت فاعليته بين السياقات المختلفة.

7- ضربة جراحية (Surgical Strike): يدعو العديد من الجنرالات لتنفيذ "ضربات جراحية"، ويقصد بهذا المصطلح تنفيذ هجمات دقيقة ضد بعض الأهداف لتدميرها بأقل تكلفة وبأدني قدر من التدمير، وعلى الرغم من شيوع هذا المصطلح إلا أنه لا يعبر عن واقع العمليات العسكرية، ويتم استخدامه فقط للمجادلة بأن الخيار العسكري في بعض المواقف له فوائد تفوق التكلفة المرتبطة به، ويغفل هذا المصطلح أن الهجوم مهما كانت درجة الدقة والحرص المرتبطة به سيترتب عليه رد فعل انتقامي من الطرف الآخر، مما قد يؤدي إلى تفجر صراع ممتد ومكلف للغاية وفق كافة المقاييس، بالإضافة لضرورة حساب التداعيات غير المقصودة للهجمات التي يتم تنفيذها. 

8- الارتباط أو التعامل (Engagement): يندرج هذا المصطلح ضمن التعبيرات الدبلوماسية شائعة الاستخدام التي تعبر عن ضرورة التعامل مع قضية محددة، أو إدارة حوار حول موضوع معين مثير للجدل لا يمكن تجاهله، إلا أنه ينطوي على قدر كبير من الغموض حول كيفية التعامل مع القضية والآليات التي يتم توظيفها ومدى فاعليتها والأهداف المرتبطة بهذا "الارتباط"، وهو ما دفع ريتشارد هاس للتوصية بتجنب استخدامه.

9- التدخل البري (Boots in The Ground): يُعد استخدام هذا المصطلح شائعًا للإشارة إلى إرسال القوات الأمريكية في مهام قتالية خارج الحدود، إلا أن المهمة تظل غير واضحة، كما أن المصطلح لا يوضح هل هذا التدخل ضمن حرب تقليدية أو موقف قتالي آخر؟، بالإضافة إلى إغفاله مهام التدريب والدعم اللوجستي التي تقوم بها القوات الأمريكية في بقاع متعددة من العالم دون أن يعد ذلك تدخلا بريًّا من جانبها.

10- عملية السلام في الشرق الأوسط (Middle East peace process): يشير هذا المصطلح تقليديًّا إلى تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكن التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط عقب الثورات العربية جعلت هذا المصطلح مضللا وغير دال، حيث تعددت عمليات التسوية في الإقليم لتشمل تسوية الصراعات في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولم تعد هناك عملية سلام عامة يمكنها تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله.

11- التجارة العادلة (Fair Trade): يُعد هذا المفهوم البديل الشائع بين ناقدي التجارة الحرة من رافضي كافة اتفاقيات التجارة الحرة التي يتم التفاوض لإقرارها ولا تكون في صالح دولتهم أو تتضمن مكاسب تفضيلية للطرف الآخر، ويمثل مفهوم "التجارة العادلة" الوجه الآخر للحمائية والإغلاق في مواجهة التجارة العالمية، كما أن التجارة الحرة في حد ذاتها تضمن تحقق العدالة لأنها تسمح لأطرافها بالتفاوض والوصول لحلول وسط توافقية حول تقاسم المنافع فيما بينهم، ومن ثم ينبغي -وفقًا لهاس- تجنب استخدام مفهوم "التجارة العادلة" باعتباره نقيضًا أيديولوجيًّا للتجارة الحرة.

12- الحوار الاستراتيجي (Strategic Dialogue): تستخدم البيروقراطية هذا المصطلح لوصف الحوار رفيع المستوى وشديد الحساسية بين الحكومات في شئون الأمن القومي، إلا أن المشكلة تكمن في أنه عقب تأسيس آليات منتظمة لهذا الحوار الاستراتيجي، فإن القضايا ذات الحساسية عادةً ما يتم تجنب طرحها بسبب مشاركة عدد كبير من الأطراف في هذا الحوار، ويتم التركيز على مناقشة قضايا الأمن بصورة ضحلة وهامشية. وواقعيًّا، فإن الحوار كي يكون استراتيجيًّا ينبغي أن يتم بين القيادات العليا للدولة وفي نطاق محدود للغاية من المشاركة بعيدًا عن التغطية الإعلامية كي تنشأ سياقات مواتية لمناقشة القضايا الخلافية والحساسة بين الدولتين.

13- النظام الديمقراطي الليبرالي (Liberal Democratic Order): عادةً ما يتم توظيف هذا المصطلح من جانب الأكاديميين لوصف عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن التحولات العالمية منذ ذلك الحين جعلت المصطلح يفقد دلالته على واقع النظام الدولي، حيث إن النظام الدولي لا يعد بأي حال ليبراليًّا أو ديمقراطيًّا أو حتى نظامًا، ومن ثم يرى هاس أن استخدام هذا المصطلح لم يعد ملائمًا بأي حال للدلالة على التفاعلات الدولية.

المصدر:

RICHARD N. HAASS, 13 International Relations Buzzwords That Need to Get Taken to the Woodshed, Foreign Policy, 3 February 2017