تأثير ملحوظ:

تزايد دور الإعلام الناطق بالعربية في الدول الأوروبية

08 December 2016


منذ أن ظهرت تجربة إذاعة "بي بي سي" العربية، التي انطلقت عام 1938 كأول إذاعة غربية ناطقة بالعربية، وراديو "مونت كارلو"، تبلور ذلك النمط الجديد الموجه من قبل الإعلام الغربي إلى المنطقة العربية، وفَتَحَ آفاقًا إعلامية جديدة امتدت لتشمل وسائل الإعلام المرئية، وتسابقت العديد من الشبكات الإعلامية الغربية إلى بث قنوات للمنطقة ناطقة بلغاتها، مثل قناة "بي بي سي عربية"، و"دويتش فيليه"، و"فرانس 24".

وقد تعددت أهداف إطلاق ذلك النوع من الإعلام الموجه لدول المنطقة، ليشمل البعد الثقافي الهادف إلى التقارب مع دول المنطقة، وتحسين صورتها في العالم العربي، والبعد السياسي الهادف إلى الترويج لسياسات هذه الدول، وتهيئة الرأي العام العربي لقبولها بل وتأييدها أيضًا. 

جهود فردية:

وعلى الرغم من تبني بعض الدول الغربية لهذا النمط من الإعلام الموجه، فإن الساحة قد اتسعت مؤخرًا لتشمل جهات خاصة، وجهودًا فردية تكافلية لإطلاق إعلام عربي في الخارج، بهدف استيعاب الوافدين الجدد من العرب، والمساعدة في إدماج المتواجدين منذ سنوات، فظهر في السويد -على سبيل المثال- تليفزيون "نبض الأوريسند"، وهو أول قناة ناطقة بالعربية في الدول الإسكندنافية.

كما ظهرت شبكة "الكومبس"، وهى إحدى أكبر المؤسسات الإعلامية الناطقة بالعربية في السويد، ليُضاف هذا النمط من الإعلام الموجه بتمويل خاص إلى الإعلام الموجه الذي تبنته بعض الدول الغربية لاستيعاب لاجئيها من العرب، وعلى رأسها ألمانيا التي برزت جهودها في هذا الإطار.

مجال مفتوح:

إدراكًا للدور الحيوي الذي يمارسه الإعلام في جسر الهوة بين الثقافات والتقريب بين وجهات النظر المختلفة، عملت الدول الغربية على تبني نموذج الإعلام الموجه للعالم العربي، من خلال وسائل إعلام ناطقة بالعربية، وذلك منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كان أولها إذاعة "بي بي سي" العربية التي أنشئت لمواجهة دعوات الشيوعية الموجهة للمنطقة، والعمل على عرقلة مشروعها في الدول العربية، وتوالت التجارب بعد ذلك من خلال إذاعة "مونت كارلو"، والإذاعة "الهولندية"، فيما مثلت أحداث 11 سبتمبر 2001 منعطفًا مهمًّا في إطلاق العديد من موجات وسائل الإعلام الموجه للمنطقة؛ حيث ظهرت -على سبيل المثال- قناة "الحرة" الأمريكية، وإذاعة "راديو سوا"، ومجلة "هاي" الأمريكية، وغيرها.

وقد سعت وسائل الإعلام الموجهة للمنطقة العربية في مجملها إلى تحسين صورة الدول التي أطلقتها في المنطقة، والترويج لسياستها خاصة تجاه القضايا التي تحظى باهتمام خاص من دولها، وقد أظهر ذلك النمطُ من الإعلام الموجه قدرًا كبيرًا من التسييس في تغطيته لأحداث المنطقة، وجعل من السهل الوصول إلى حكم مفاده أن أغلب الإعلام الموجه للمنطقة هو إعلام انتقائي في الأساس، يركز على الأحداث التي تخدم مصالحه في المنطقة، ويتغافل عن الأحداث التي من شأنها فتح مساحات للاختلاف مع المتلقي.

ومع التسليم بأن الإعلام الموجه من قبل الدول الغربية يهدف إلى خدمة مصالحها في الأساس، إلا أن ظهور وسائل إعلام ناطقة باللغة العربية في داخل الدول الغربية، لخدمة الجاليات العربية هناك، يُعد خطوةً مهمةً في ظل تدفق موجات من اللاجئين العرب إلى أوروبا بعد تصاعد حدة الأزمات الإقليمية في المنطقة، وزيادة الحاجة إلى تعريف هؤلاء بتقاليد المجتمعات الجديدة التي يتوقع أن تستضيفهم، سواء بشكل دائم أو مؤقت، والعمل على إدماجهم في هذه المجتمعات بشكل سريع، من أجل تجنب أية مشكلات محتملة قد يفرضها أى تأخير في هذا السياق.

وتبرز في هذا الإطار تجربة مجموعة من الشباب العربي في السويد، التي تعتبر إحدى أبرز الدول الأوروبية التي تبدي اهتمامًا خاصًا بالإعلام الموجه للعرب، خاصة في ظل وجود نحو 400 ألف شخص من الناطقين باللغة العربية، حسب بعض التقديرات التي تشير أيضًا إلى أن السويد استقبلت نحو 16 ألف سوري، بعد تصاعد حدة الأزمة السورية، التي مثلت أحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية في الأعوام الخمسة الأخيرة.

وقد حرصت تلك المجموعة، التي قامت في عام 2012 بإنشاء مؤسسة إعلامية باسم "شبكة كومبس" التي تعني باللغة السويدية "الصديق"، على تسهيل عملية إدماج العرب داخل المجتمع السويدي، من خلال تقديم محتوى إعلامي يهتم في المقام الأول بتعريف العربي بحقوقه كلاجئ أو مقيم أو مواطن حصل على الجنسية السويدية، وتقديم معلومات حول طرق التعايش داخل هذا المجتمع والقوانين التي تحكم العلاقات بين أفراده، إلى جانب تقديم خدمات تضامنية على غرار توفير الغذاء والملابس وأماكن للإقامة.

وفي تجربة مماثلة لـ"الكومبس" تبرز محاولة أخرى لشباب من سوريا والأراضي الفلسطينية والسويد والدنمارك عملوا على إنشاء صحيفة شهرية تحت اسم "نبض الأوريسند"، توزع 10 آلاف نسخة مجانًا في جنوب السويد في مدن هلسنبوري ومالمو ويستاد وسندسفال وكالمار، إلى جانب قناة تلفزيونية تحمل الاسم نفسه، فيما تجدر الإشارة إلى أن للإعلام السويدي الناطق بالعربية تاريخًا يسبق مشكلة تصاعد موجات اللاجئين العرب إلى البلاد، وذلك من خلال صحيفة تحمل عنوان "Arab nyheter" أُنشئت عام 2004، وهي صحيفة حكومية رسمية اهتمت بالجالية العربية في السويد، إلى جانب تخصيص ساعات من البث الإذاعي على الإذاعة السويدية "Sveriges Radio" لمدة نصف ساعة يوميًّا بهدف بث الأنباء باللغة العربية.

وعلى الرغم من أن تجربة وجود وسائل إعلام ناطقة بالعربية في الداخل الأوروبي قد تبنتها ألمانيا بشكل كبير، خلال أزمة اللاجئين، حيث عملت على إنشاء قناة تلفزيونية خاصة لمخاطبة اللاجئين، وتعريفهم بعادات الشعب الألماني، وإصدار مجلات ترحيب باللغة العربية تتضمن خريطة للبلاد، وشبكات المواصلات العامة، وعناوين أهم الأماكن الحيوية؛ فإن تجربة التمويل الخاص لإعلام ناطق بالعربية في السويد تعد الأكثر حيادية، والأكثر فائدة لجمهورها المستهدف، لا سيما وأن القائمين عليه من الشباب العربي الذي انخرط مسبقًا في تجربة التوافد على مجتمعات جديدة، ولديه معرفة من قبل بالخطوات اللازمة للتكيف مع المجتمع الجديد، والاندماج فيه، وهو ما تشير إليه صفحات شبكة "كومبس" على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتضافر جهود الشباب العربي لمساعدة اللاجئين والوافدين الجدد وتوفير احتياجاتهم العاجلة. 

غياب عربي:

تطرح هذه الخطوةُ المتمثلة في وجود إعلام غربي ناطق بالعربية وموجه للمنطقة العربية بتمويل حكومي، وآخر موازٍ موجه للاجئين العرب في الدول الغربية، سواء كان بتمويل حكومي أو خاص، تساؤلات عديدة عن مشكلات التواصل الثقافي مع الغرب، فيما يخص المشكلات المرتبطة بمخاطبة الغرب بشكل عام، ومناقشة القضايا المتعلقة بالخوف من اللاجئين في المجتمعات الغربية، بما ينعكس على نمط حياتهم هناك، نتيجة تراكم صورة ذهنية سلبية للإسلام والعرب، وتوظيف وسائل الإعلام العربية لخدمة هذا الهدف.

فعلى الرغم من اهتمام الدول الغربية بالتواصل والوصول لدول المنطقة، وكذلك حرص بعض وسائل الإعلام الغربية على استيعاب الجالية العربية في أوروبا، لا سيما بعد موجات اللجوء لأوروبا خلال السنوات الخمس الماضية، من ليبيا والعراق وسوريا، فإن محاولات مماثلة من الإعلام العربي تغيب عن المشهد كليًّا، إذ لا يزال الإعلام العربي مغرقًا في المحلية، مع أن مثل هذه الخطوة تكتسب أهمية خاصة لدورها في تغيير الصورة النمطية عن العربي في الدول الغربية، وتوضيح لبس الربط بين كل ما هو إرهابي وما هو إسلامي. ومع وجود قدرات مالية لدي المستثمرين العرب، وامتلاك شخصيات عربية لأسهم في قنوات أجنبية، فإن ذلك يمكن أن يسمح بتخصيص مساحة من الهواء في هذه القنوات علي الأقل لهذا الغرض، إذ يبدو الإعلام العربي وكأنه يحدث نفسه، ويطلق الدفاعات عن الصورة الذهنية المغلوطة عن العرب في وسائل إعلام عربية لا تتحدث بلغة الغرب، ولا تصل إليه.