فرص التعاون:

كيف تتم تنمية الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط؟

27 November 2016


إعداد: أحمد الباسوسي

فتحت اكتشافات الغاز الضخمة في منطقة شرق البحر المتوسط بابًا جديدًا لضرورة البحث عن صيغ تعاونية للاستفادة منه، ليس فقط في عمليات تنمية موارد الحقول، وإنما في عمليات التصدير وتسويق الإنتاج، وهو ما سيُساهم بشكل كبير في حل أزمات الطاقة من جانب، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية لبعض دولها التي تُعاني من تراجع في الأداء الاقتصادي والمالي، لما يمكن أن يدره من دخل من شأنه معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد لتلك الدول. لكن تظل البيئة السياسية والتجارية المعقدة لكل دولة من الدول التي تتشارك في تلك الحقول حائلا دون إتمام ذلك.

وفي هذا السياق، يأتي التقرير الذي نشره في أغسطس الماضي المجلس الأطلنطي بعنوان "تنمية الموارد الهيدروكربونية في شرق المتوسط: قضية برجماتية"، حيث شارك في إعداده كل من: تشارلز إيلناس، وجون روبرتس، وهاري تيزمتراس. ويستعرض التقرير عدة مداخل لتفسير التفاعلات ذات الطبيعة السياسية والتجارية، وانعكاساتها على إمكانية التعاون في مجال تنمية وتصدير الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط.

سياقات معقدة

سلّط الباحثون الضوء -في مستهل التقرير- على السياقين التجاري والسياسي المحيطين باكتشافات الغاز وتنمية موارده في دول منطقة شرق البحر المتوسط، لا سيما مصر وقبرص وإسرائيل. فعلى الصعيد التجاري، يرى التقرير أن تنمية موارد الغاز في شرق المتوسط قد جاءت في توقيت تتسم فيه أسعار النفط والغاز بانخفاض ملحوظ يتوقع أن يستمر حتى نهاية العقد الحالي أو بعد ذلك. ويُضاف لذلك أن الغاز تحديدًا يواجه خلال العام الجاري 2016 تحديات سعريه ناتجة عن الزيادة الهائلة في كميات الغاز المسال التي سوف تدخل الأسواق التي تُعاني في الأصل من زيادة في حجم المعروض؛ حيث ستكون أسعار الغاز ما بين 4-6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.

وعلى الجانب الآخر، يؤكد التقرير أن أزمة الغاز سوف تتصاعد، لا سيما مع الاتساع المضطرد في تنمية وتوليد الطاقة اعتمادًا على المصادر المتجددة التي باتت تُقدَّم بأسعار تنافسية منخفضة نسبيًّا. ويأتي ذلك بالتزامن مع التوجه العالمي نحو كفاءة وترشيد استخدام الطاقة. وهو الأمر الذي انعكس على أداء الشركات العاملة في مجال تطوير حقول النفط في المنطقة، والتي قامت بتخفيض نفقاتها بشكل ملحوظ، علاوةً على إعادة هيكلة قطاعاتها المالية عبر إعادة تمويل البعض، وخفض البعض الآخر، إلى أن وصل الحال ببعض الشركات نحو إشهار إفلاسها.

من هذا المنطلق أكد الباحثون أن شركة "نوبل إنرجي" الأمريكية التي تعد مشاركًا أساسيًّا في عمليات تطوير الحقول في مياه كلٍّ من إسرائيل وقبرص، تُعاني من ضعف في ميزانيتها العمومية رغم إنتاجها الضخم، وهو ما يُنذر بأن العام الحالي سيكون قاسيًا على الشركة. أما شركة "إيني" الإيطالية التي تعمل في الحقول التي تقع في المياه المصرية، فإن أداءها أفضل، لكن النتائج السلبية التي حققتها خلال العام الفائت 2015 لا تزال تؤثر عليها.

وقد وجد التقرير أن الوضع السياسي المضطرب لمنطقة شرق المتوسط المحفوف بسياق من الجغرافيا السياسية بالغة التعقيد، قد أثر سلبيًّا على تنمية وتطوير الموارد الهيدروكربونية، خاصة الغاز الطبيعي، وهو ما يتضح من خلال ما يلي:

أولا- الأزمة القبرصية وما تُفرزه في تدهور العلاقات بين قبرص وتركيا تحول بشكل أساسي بين دخول غاز شرق المتوسط للسوق التركية التي تعد أحد أهم مسارات تصدير غاز المنطقة إلى البلدان الأوروبية.

ثانيًا- استمرار عدم استغلال وتنمية موارد حقل غزة مارين ذي الاحتياطيات الصغيرة نسبيًّا التي تبلغ 28 بليون متر مكعب نتيجة الواقع السياسي والعسكري الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية.

ثالثًا- تجمد الاستفادة من حقول الغاز قبالة السواحل اللبنانية، سواء نتيجة التنازع بينها وبين إسرائيل من جانب، أو حالة الشلل السياسي الداخلي في لبنان من جانب آخر.

رابعًا- الظروف الداخلية في مصر التي دفعت السلطات المصرية إلى توجيه إنتاجها من الغاز الطبيعي للاستخدام المحلي، ووقف توريد الغاز لمنشآت التسييل في كلٍّ من إدكو ودمياط، مما دفع الشركات صاحبة الحصة في تلك المنشآت بخاصة "يونيون فينوسا" و"برتيش غاز" للجوء إلى التحكيم الدولي.

اكتشافات الغاز الضخمة في شرق المتوسط

على الرغم من التزايد المضطرد في عدد حقول الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في منطقة شرق البحر المتوسط، إلا أن الباحثين قد ركزوا في تقريرهم بشكل أساسي على الحقول الأربعة الكبرى من حيث الاحتياطيات المتوقعة، والتي يأتي في مقدمتها حقل "تمارا" الذي اكتشفته إسرائيل عام 2009 باحتياطي محتمل بلغ 280 بليون متر مكعب، وأيضًا حقل "ليفياثان" باحتياطي يصل إلى 620 بليون متر مكعب، والذي اكتشفته إسرائيل أيضًا في عام 2010، علاوةً على حقل أفروديت الذي اكتشفته قبرص عام 2011 باحتياطي محتمل يعادل 128 بليون متر مكعب، وأخيرًا حقل "ظهر" الذي يُعد أحدث اكتشافات شركة إيني الإيطالية في منطقة امتياز شروق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في أغسطس من العام الفائت 2015 باحتياطي محتمل وفقًا للشركة بما يُقارب 845 بليون متر مكعب.

أما عن واقع ترسيم الحدود البحرية بين دول المنطقة، فقد قسمها التقرير وفقًا لمعايير وجود اتفاقيات ثنائية للترسيم من عدمه بين الدول المتقابلة، وهي حالات كلٍّ من: مصر وقبرص، إسرائيل وقبرص، لبنان وقبرص، وبين حدود بحرية محتملة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار مثلما في حالة مصر وقطاع غزة، لبنان وسوريا، سوريا وقبرص، وقبرص وتركيا.

أوضاع متباينة للبلدان المنتجة للغاز في المنطقة

اهتم التقرير بإلقاء مزيدٍ من الضوء على أوضاع منتجي الغاز الطبيعي الرئيسيين في المنطقة، وهم: مصر، قبرص، إسرائيل، علاوةً على الإشارة بشكل سريع إلى كلٍّ من لبنان واليونان كمنتجين محتملين في المستقبل. ففيما يخص مصر، فإن عمليات التنقيب على الغاز مستمرة بشكل دائم، ليس فقط لشركة "إيني" وحقلها الحديث "ظهر"، وإنما أيضًا للشركة الإيطالية للطاقة "إديسون" التي تقوم بعمليات كشف حاليًّا في منطقة شمال بور فؤاد بالقرب من منطقة امتياز شروق التابعة لشركة "إيني"، علاوةً على قيام الشركة الهولندية-الألمانية "شل" بالتعاون مع شركة "أباتشي" الأمريكية في الكشف عن الغاز الصخري في مصر، ما يُشكل مصادر وفيرة للغاز يمكنها أن تُحقق أولويات الأهداف المصرية، وهي كما كشف عنها التقرير تتمثل في: تعزيز إمدادات الطاقة بشكل عام، وحل أزمة الديون المتراكمة لدى شركات التنقيب، وإصلاح منظومة دعم الطاقة، وتحديث أسلوب إدارة قطاع الطاقة بشكل عام.

أما في قبرص، فيرى التقرير أن عمليات إنتاج الغاز فيها تنطوي على خاصيتين متضادتين؛ الأولى تتمثل في بطء عملية تطوير وتنمية حقل غاز أفروديت المكتشف سابقًا، أما الثانية فتسريع الخطوات القبرصية لإمكانية طرح رخصة تنقيب ثالثة، لا سيما في المنطقة المتاخمة للحدود البحرية المصرية عند حقل "ظهر" الذي قد تكون له امتدادات داخل المناطق القبرصية. ووفقًا للتقرير فإن الخطة القبرصية لتصدير الغاز تتضمن بيع الغاز القبرصي لمصر لمواجهة تحديات زيادة استهلاكها المحلي، بالإضافة إلى إمداد منشآت تسييل الغاز في إدكو، وإعادة تصديره مرة أخرى إلى البلدان الأوروبية، وذلك قبل أن تطرح قبرص فكرة إنشاء منشأة لتسييل الغاز خاصةً بها بميناء "فاسيليكوس" القبرصي، إلا أن تلك الخطوات توقفت نتيجة الأزمات الاقتصادية في أوروبا، ناهيك عن التراجع الملحوظ الذي أصاب أسعار الغاز المسال عالميًّا.

وفي هذا الإطار، طرح الباحثون البدائل المتاحة أمام قبرص في حالتي تسوية القضية القبرصية أو عدم تسويتها، حيث أكد التقرير أنه في حالة عدم التسوية فلن يكون أمام قبرص سوى تصدير الغاز من خلال الخيار البحري، لا سيما الغاز الطبيعي المضغوط العائم، أو الغاز الطبيعي المسال العائم. أما في حالة تسوية القضية القبرصية، فيمكن للجانبين الإسرائيلي والقبرصي استئناف المفاوضات مع تركيا لإنشاء خط غاز بحري ينقل الغاز المستخرج إلى أوروبا عبر تركيا.

وعلى الصعيد الإسرائيلي، يرى التقرير أن العقبة الرئيسية في إطار تنمية موارد حقول الغاز التابعة لها، تتمثل فيما أُطلق عليه حالة "عدم اليقين التنظيمي"، ويُقصد بها عملية التغيير المستمر التي تشهدها القواعد التي تنظم العلاقة بين الشركات القائمة على عمليات التطوير (المستثمرين) من جانب، والحكومة الإسرائيلية من جانب آخر، والتي باتت تهدد استمرار عمليات التنمية في حقل ليفياثان، علاوةً على عزوف شركات التنقيب العالمية عن الاستثمار في الحقول الإسرائيلية.

وقد برهن الباحثون على ذلك من خلال الإشارة إلى تراجع شركة "وود سايد" الأسترالية للبترول بعد أن كانت قريبة من توقيع اتفاق للاستثمار في حقل ليفياثان في مايو 2014، معللة ذلك بقيام إسرائيل بإحداث تغييرات جوهرية في البيئة التنظيمية والاستثمارية.

آفاق وفرص التعاون الإقليمي

يرى التقرير أن عملية الاستفادة المثلى من موارد الغاز في شرق المتوسط تتطلب قدرًا من التعاون بين كافة بلدان المنطقة. وهو ما يمكن أن يتحقق بصورة تدريجية من خلال كل كتلة على حدة. ويبدو أن هذا النمط قد بدأ في التحقق بعد القمة الثلاثية التي جمعت بين إسرائيل وقبرص واليونان في 27 يناير من العام الجاري 2016، والتي أقر فيها الأطراف الثلاثة المضي قدمًا في تعزيز التعاون في مجال تنمية موارد الغاز وتصديرها، والتي تعد مشابهة إلى حدٍّ بعيد للقمتين الثلاثيتين بين كلٍّ من مصر وقبرص واليونان في العاصمتين المصرية والقبرصية؛ حيث تم إقرار حزمة بنود بمقتضاها تم الاتفاق على انتهاج نمط تعاوني ثلاثي بهدف تنمية الموارد.

من هذا المنطق، يؤكد الباحثون أن مسألة تصدير غاز شرق المتوسط ترتبط بشكل رئيسي بطبيعة التفاعلات بين المثلث الإسرائيلي التركي القبرصي؛ حيث إن إسرائيل وتركيا قد دخلا في مفاوضات منذ عام 2014 لإنشاء خط غاز لنقل الغاز الإسرائيلي وربما القبرصي إلى تركيا، ومنها إلى البلدان الأوروبية، لكن لم يتحول الاقتراح حتى الآن إلى واقع ملموس. ولهذا يرى التقرير أن النجاح في ذلك يرتبط بشكل مباشر بتغييرين سياسيين رئيسيين هما: استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا من جانب وهو ما تم بالفعل، لما سيكون لذلك من أثر إيجابي على مفاوضات الغاز، فضلا عن تسوية الأزمة القبرصية، على اعتبار أن خط الغاز لا بد أن يمر عبر المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بقبرص، وهو الخيار الذي لا يزال العمل جاريًا عليه برغم حزمة التعثرات التي تُواجهه.

المصالح الأوروبية في غاز شرق المتوسط

أشار التقرير إلى أن المفوضية الأوروبية قد أعلنت بشكل صريح عن مصالحها في منطقة الشرق المتوسط، والتي تتمثل في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة البحر المتوسط، فضلا عن كونها تمثل مصدرًا هامًّا للموارد الهيدروكربونية للبلدان الأوروبية، ومن ثم فإنها ستسعى جاهدةً لمساعدة دول المنطقة في التعاون من أجل ضمان وصول غاز المنطقة إليها، في محاولة لتنويع المصادر التي تحصل منها على الغاز، والتي تعتمد فيها بشكل أساسي على شركة "غاز بروم" الروسية التي تضخ كميات كبيرة من الغاز إلى أوروبا بأسعار أقل نسبيًّا، ولهذا يرى الاتحاد الأوروبي إمكانية تحول بلدان منطقة شرق المتوسط إلى منافس حقيقي للغاز الروسي.

وعلى هذا النحو، فقد بدأ في اتخاذ خطوات لدعم مشروعات تلك المنطقة، وفقًا لما طرحه الباحثون الذين أكدوا أن أوروبا على استعداد تام لمساعدة قبرص في تطوير الموارد الكربونية، لا سيما في حالة تحول الغاز لعامل مساعد في المصالحة بين المجتمع القبرصي المنقسم على ذاته، كما أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لدعم وبناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من داخل حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بقبرص نحو تركيا، شريطة أن يتم حل المشكلة القبرصية، خاصةً بعد فشل محاولة الانقلاب الأخيرة التي شهدتها تركيا في يوليو المنصرم. فضلا عن إعلان الاتحاد اعتبار كل من خط أنابيب اليونان، ومشروع خط أنابيب شرق المتوسط، كمشروعات ذات مصلحة مشتركة، وبالتالي تستحق دعم الاتحاد الأوروبي من خلال توفير مصادر تمويل للقيام بالدراسات الأولية لها.

وختامًا، يرى التقرير أن الاستفادة الحقيقية من موارد الغاز في منطقة شرق المتوسط، تتطلب تبني بلدان المنطقة قدرًا من الواقعية في إدارة هذا الملف بالغ الأهمية، عبر تجاوز الخلافات السياسية، والبحث عن مناطق الاتفاق من أجل تسهيل عمليات التفاوض، لا سيما في مساري الإنتاج والتصدير، على حدٍّ سواء.

المصدر: 

Charles Ellinas, John Roberts and Harry Tzimitras, “Hydrocarbon Developments in the Eastern Mediterranean”, Atlantic Council, August 2016, Available at.