تخطط بعض الدول المصدرة للنفط بإقليم الشرق الأوسط لزيادة إنتاجها النفطي من أجل تعظيم عوائدها وسط أزمات اقتصادية حادة تتعرض لها مع تراجع أسعار النفط إلى أقل من النصف منذ منتصف عام 2014، وبالتناقض مع اتفاق الجزائر (28 سبتمبر 2016) الذي يقضي بخفض سقف الإنتاج النفطي لدول الأوبك إلى أكثر من نصف مليون برميل يوميًّا.
ومنذ أوائل عام 2016، اتجهت دول بالإقليم -أبرزها إيران والعراق وليبيا- إلى زيادة طاقتها الإنتاجية النفطية لتستعيد نسبيًّا حصتها التصديرية من النفط بالسوق العالمية، بما سيمكنها من دفع النمو الاقتصادي بالنهاية. وعلى المدى القصير، فمجموع ما يمكن أن تضيفه الدول الثلاثة أكثر من مليون برميل يوميًّا بنهاية عام 2017.
وقد تخطو الدول الثلاثة السابقة إلى أبعد من ذلك مستقبلا طالما تمكنت من جذب الاستثمارات اللازمة لإعادة تأهيل قطاع النفط بها. ولكن على ما يبدو فإن جهودها لتنفيذ خططها برفع القدرات الإنتاجية ستبقى على المحك جراء اعتبارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في احتمال تباطؤ وتيرة الاستثمارات الأجنبية جراء تراجع أسعار النفط. ويتعلق ثانيهما، باستمرار التهديدات الجيوسياسية لصناعة النفط بالدول السابقة.
مؤشرات عديدة:
تتطلع الدول المصدرة للنفط بالشرق الأوسط -وأبرزها ليبيا والعراق وإيران- إلى رفع قدراتها الإنتاجية من النفط. ففي ليبيا، ارتفع إنتاج النفط تدريجيًّا منذ أن تمكن الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، عبر عملية "البرق الخاطف" في 11 سبتمبر 2016 بمنطقة "الهلال النفطي"، من السيطرة على أربعة موانئ ليبية، هى رأس لانوف، والسدرة، وزيتونة، ومرسى البريقة.
وفي أعقاب تسليم الحقول النفطية المرتبطة بالموانئ لمؤسسة النفط الوطنية، استعادت إحدى أهم الشركات النفطية العاملة بـ"الهلال النفطي"، وهي شركة "الخليج العربي للنفط" (أجوكو)، طاقتها الإنتاجية المعتادة، حيث تمكنت من زيادة إنتاجها إلى 320 ألف برميل يوميًّا مقابل أقل من 200 ألف سابقًا، ولترفع مستوى الإنتاج الكلي للبلاد إلى 500 ألف برميل يوميًّا، بحسب المؤسسة الوطنية للنفط.
وفي ضوء هذه التطورات، تبدو آفاق صناعة النفط الليبية الآن أكثر إيجابية، وهو ما يؤكده مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط إبان إعادة تشغيل الحقول بـ"الهلال النفطي"، حيث رجح زيادة إنتاج البلاد إلى نحو 950 ألف برميل يوميًّا بنهاية عام 2016، مقابل 290 ألف برميل يوميًّا في الشهور الأولى من عام 2016.
وفي العراق، تمكنت الحكومة، مؤخرًا، من إزاحة بعض المخاطر القوية التي أثرت على صناعة النفط بالبلاد، لا سيما في المناطق الشمالية. وكتحول إيجابي في هذا الصدد، فقد استطاعت الحكومة، بالتعاون مع التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى، هزيمة تنظيم "داعش" عسكريًّا في عدة مدن بشمال البلاد في الشهور الأولى من عام 2016، لتسيطر مجددًا على عدد من الحقول النفطية بهذه المنطقة بالتعاون مع قوات "البيشمرجة" الكردية.
هذا التقدم بالشمال ساعد على توصل الحكومة العراقية لاتفاق مع حكومة إقليم كردستان يقضي بتقاسم الطرفين تصدير 150 ألف برميل من النفط يوميًّا من بعض حقول كركوك عبر تركيا.
ومن ناحية أخرى، توصلت الحكومة، في أغسطس 2016، لاتفاق مع ثلاث شركات نفط غربية وهي "بريتش بتروليوم" البريطانية، و"شل" الأمريكية، و"لوك أويل" الروسية بضخ استثمارات بقيمة 3.6 مليارات دولار، وهو ما يؤكده نائب المدير العام لشركة "نفط الجنوب" المشرفة على عمليات النفط في المنطقة بقوله: "سيجري تشغيل العديد من المشاريع الحيوية التي اضطرت الشركات الأجنبية لإيقافها بسبب انخفاض أسعار النفط بعد الاتفاقات التي تم التوصل إليها أخيرًا لخفض الميزانيات".
ومن المرجح، بحسب المسئولين العراقيين، أن تعزز هذه الاستثمارات الإنتاج بما يتراوح بين 250 ألفًا و350 ألف برميل يوميًّا في عام 2017، بينما ينتج العراق حاليًّا نحو 4.3 ملايين برميل يوميًّا معظمها من الحقول الجنوبية.
شكل (1): إنتاج بعض أعضاء أوبك شهريًّا (مليون برميل يوميًّا)
المصدر: بيانات أوبك، التقرير الشهري، أغسطس 2016
وإبان رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران في يناير 2016، تطلعت الحكومة لمضاعفة طاقتها الإنتاجية وصادراتها بعدما أثَّرت العقوبات الغربية على صناعة النفط بشدة في السنوات الماضية. وبالفعل، استطاعت إيران زيادة صادراتها للأسواق الآسيوية والأوروبية لتصل إلى 2.2 مليون برميل حاليًّا مقابل 1.4 مليون برميل عام 2014. في حين أنها رفعت من إنتاجها النفطي تدريجيًّا ليصل إلى 3.8 ملايين برميل يوميًّا في سبتمبر 2016، لتتخطى مستويات إنتاجها قبل عام 2011.
وفوق مستويات الإنتاج السابقة، أكد المسئولون الإيرانيون في أكثر من مناسبة اعتزام البلاد رفع طاقتها الإنتاجية إلى 4.3 ملايين برميل يوميًّا خلال الربع الأول من عام 2017، ثم تزيد إلى 5 ملايين برميل يوميًّا خلال ثلاثة أعوام.
ولبلوغ هدف زيادة إنتاجها، عملت الحكومة الإيرانية على تحسين مناخ الاستثمار بصناعة النفط من خلال تبني عقود نفطية جاذبة للشركات، حيث ستضمن هذه العقود لشركات النفط المحلية أو الأجنبية حصة من الإنتاج عبر مشاركتها لشركة "النفط الوطنية" الإيرانية في مشاريع النفط المختلفة.
وفي ضوء تحسن جاذبية العقود، وقّعت شركة "النفط الوطنية" الإيرانية مع شركة "برشيا" لتطوير النفط والغاز عقدًا بقيمة 2.2 مليار دولار لتطوير حقول ياران ومارون وكوبال بجنوب غربي إيران. في حين أنها تنتظر إبرام عقود جديدة مع شركات أجنبية لتطوير الحقول الإيرانية.
كما وقعت شركة "النفط الوطنية" الإيرانية، في أكتوبر 2016، اتفاقية تعاون مع شركة "تات نفط" الروسية لتطوير حقل دلهران النفطي الإيراني شرق البلاد، بينما أعلنت شركة "فينترسهال" الألمانية عن إجراء دراسة فنية لأربعة حقول نفطية برية بإيران.
نتائج متوقعة:
من دون شك، فإن التطورات السابقة ستعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية بالبلاد المذكورة آنفًا، وذلك على النحو التالي:
1- استعادة الحصة السوقية: على ما يبدو، فإن الحظوظ الإيرانية والليبية كبيرة للغاية في استعادة حصتيهما النفطية دون باقي الدول المصدرة للنفط في أوبك، لا سيما مع ضمانات قدمها اتفاق الجزائر للدولتين، حيث استثناهما من سياسة سقف الإنتاج، ومن ثم سيكون بمقدورهما الحفاظ أو ربما زيادة مستويات الإنتاج من أجل استعادة حصة صادراتهما بالأسواق العالمية.
وبالنسبة لإيران، فمنذ الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1"، في يوليو 2015، رفعت من صادراتها للأسواق الدولية تدريجيًّا لتصل إلى حدود 2.2 مليون برميل يوميًّا من مستوى نحو 1.4 مليون برميل يوميًّا في عام 2014.
أما العراق، فنتيجة لتعافي صادرات حقول النفط في كركوك، ارتفع المعدل اليومي للصادرات خلال سبتمبر إلى 3.28 ملايين برميل مقابل 3.23 ملايين برميل خلال أغسطس، وذلك بحسب وزارة النفط العراقية.
فيما من المنتظر أن تعزز ليبيا صادراتها بعد أن تعافى مستوى إنتاجها في شهر أكتوبر الجاري. وقد وصلت صادراتها إلى قرابة 235 ألف برميل يوميًّا في عام 2015 مقابل 1.3 مليون برميل في عام 2012.
2- تعزيز النمو الاقتصادي: نتيجة هبوط أسعار النفط، من المتوقع أن يظل معدل النمو الاقتصادي للدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منخفضًا عند مستوى 2.2% في عام 2016. وبخلاف التوقعات المتشائمة، يبدو أن انتعاش القطاع النفطي بدول مثل ليبيا وإيران سينعكس إيجابًا على اقتصادياتها بالمدى القصير، فمن المتوقع أن يصل معدل النمو بها إلى حدود 27.2% و4.6% في عام 2017 على التوالي بحسب تقديرات البنك الدولي، كما من المرجح أن ينمو الاقتصاد العراقي في حدود ضئيلة بنسبة 0.5% في العام نفسه.
شكل (2): معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لبعض دول الشرق الأوسط (%)
المصدر: البنك الدولي.. الفترة (2016-2018): توقعات
عقبات محتملة:
يتحدد سيناريو استمرار دول المنطقة، لا سيما الدول الثلاثة السابقة، في زيادة إنتاجها، بناء على عاملين رئيسيين: يتمثل أولهما في وتيرة الاستثمارات، فعلى الرغم من توقيع اتفاق الجزائر الذي قد يسمح بدعم أسعار النفط إلى ما يتراوح بين 55 و60 دولارًا للبرميل مقابل 50 دولارًا حاليًّا، وبما قد يُنعش نظريًّا الاستثمارات النفطية حول العالم؛ فإن مردود ذلك على الاستثمارات النفطية عالميًّا قد يبدو ضئيلا حتى الآن، حيث يحيط هذا الاتفاق العديد من الشكوك نتيجة توقعات عالمية بزيادة فائض المعروض النفطي في المدى القريب من قبل الدول غير الأعضاء بالأوبك، وبما سيُبقي على الاتجاه الانكماشي للعديد من الشركات النفطية الغربية حاليًّا، والذي انعكس في تأجيل مشروعاتها النفطية الجديدة عالميًّا وإقليميًّا، كما حدث بالفعل في عامى 2014 و2015.
ومن ثمَّ، فمن المرجَّح أن يُحبط اضطراب أسواق النفط بعض المشروعات النفطية الواعدة في كل من إيران والعراق وليبيا. والدول الثلاثة السابقة تخطط لتنفيذ مشروعات بقيمة 28 مليار دولار و25 مليار دولار ومليار دولار، على التوالي بحسب شركة "إبيكورب".
وينصرف ثانيهما، إلى التهديدات الجيوسياسية، فرغم الآفاق الإيجابية لمستويات الإنتاج النفطي لكل من العراق وإيران وليبيا في المدى القريب، فستتوقف مواصلة الدول السابقة لطفرتها الإنتاجية بناء على تلاشي بعض التهديدات الجيوسياسية، على غرار إنهاء ليبيا إغلاق بعض الحقول بجنوب غرب البلاد مثل حقلي الشرارة والفيل واللذين قد تصل طاقتهما القصوى معًا إلى نحو 365 ألف برميل يوميًّا.
أما بالنسبة لإيران، فبالرغم من رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها، فإن الشركات الغربية والبنوك الأجنبية تحجم عن الانخراط بأنشطتها في السوق الإيرانية خشية العقوبات الأمريكية.
فيما لا يزال الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة العراقية مع إقليم كردستان هشًّا، حيث لم يصل الطرفان بعد إلى تسوية دائمة حول اقتسام الإيرادات النفطية.
وختامًا، يمكن القول إن الإنتاج الحالي بكل من العراق وليبيا وإيران وصل إلى مستويات غير مسبوقة، بيد أن بلوغه الطاقة القصوى سيظل رهنًا باستقرار أسواق النفط العالمية، وتجاوز الاضطرابات الجيوسياسية بالمنطقة، وهما أمران يصعب تحقيقهما في الأجل القصير على أقل تقدير.