الشروق:

محفزات ومعوقات تنفيذ ممر جديد لربط آسيا وأوروبا

24 February 2024


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا لهدير طلعت سعيد، باحثة متخصصة فى الشئون الصينية، تناولت فيه العوامل التى دفعت الدول المشاركة فى مشروع ممر TUTIT لإقامته، والتحديات التى تقف عائقا أمام تحقيق غرضه... نعرض من المقال ما يلى:

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022، بدأت غالبية الدول الآسيوية والأوروبية وبعض دول الشرق الأوسط، وحتى روسيا ذاتها، فى البحث عن بدائل جديدة لطرق وممرات عبور التجارة. من بين المشروعات المقترحة، مشروع ممر TUTIT متعدد الوسائط Multimodal Corridor، والتى تمثل الأحرف الأولى للدول المشاركة، وهى (طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وإيران، وتركيا)، إذ يعد هذا الممر طريقا تجاريا يمتد من الصين أكبر مصنع ومصدر فى العالم، مرورا بطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان فى آسيا الوسطى، ليعبر بحر قزوين عبْر إيران قبْل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.

تم اعتماد قرار مشروع هذا الممر وفقا لتوصية إعلان أنقرة، الذى اعتمده الاجتماع الحادى عشر لوزراء النقل فى منظمة التعاون الاقتصادى «إيكو» فى فبراير 2022، ثم تم الإعلان عن التوافق على المشروع رسميا فى أكتوبر من العام نفسه، فى العاصمة الطاجيكية دوشنبه.

ثمة عوامل وأبعاد جيوسياسية وجيواقتصادية جماعية حفزت الدول المشاركة على الاتفاق على هذا الممر، وهناك أيضا مصالح حيوية تتعلق بكل دولة بشكل منفرد. يتمثل أول هذه العوامل فى بحث دول آسيا وأوروبا عن بدائل إضافية للممر الشمالى، باعتباره ممرا رئيسيا على خريطة التجارة العالمية لأنه يربط بين الشرق والغرب، ويمتد عبر الأراضى الروسية والبيلاروسية؛ إذ انخفضت الشحنات بين الصين والاتحاد الأوروبى على طول هذا الممر بنسبة 40% منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية.

أما ثانى هذه العوامل، فيتمثل فى سعى الدول المشاركة فى مشروع الممر للانتعاش الاقتصادى وتنويع العلاقات التجارية؛ إذ يتوقع أن تتمتع هذه الدول بعلاقات تجارية أفضل مع أوروبا بسبب شبكة الطرق الجديدة. وفى المقابل، يعد الممر مفيدا أيضا لدول الاتحاد الأوروبى؛ نظرا لأن الدول التى تقع فى طريق الممر ستكون مصدرة ومستوردة للبضائع والسلع التى تمر من خلاله، خاصة وأن التكتل الأوروبى يسعى إلى زيادة وارداته من الغاز الطبيعى من منطقة آسيا الوسطى، فى ضوء خطته للبحث عن أسواق بديلة للسوق الروسية.

وهنا يبرز أيضا دور الصين، فخلال الاجتماع الأول لمجموعة العمل رفيعة المستوى بشأن الممر المتعدد الوسائط، والذى عقد فى دوشنبه، تحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادى، فى 21 سبتمبر 2023، وضم دول (TUTIT) + الصين، تم تأكيد أهمية النقل والخدمات اللوجستية فى ضمان التنمية المستدامة للتجارة الدولية وخدمات النقل بين دول آسيا الوسطى، كما تم التوقيع على بيان دوشنبه، الذى يوضح التزام الدول المعنية بتعزيز ربْط النقل فى المنطقة.

فى هذا الإطار، يحقق مشروع (TUTIT) العديد من الفوائد للصين، منها زيادة الصادرات الصينية إلى وسط آسيا، وزيادة المرور البرى بما يتيح للصين فرصة تنويع طرق التجارة وتأمين طرق بديلة لنقل البضائع والسلع بعيدا عن بعض الممرات البحرية التى توجد بها قواعد أمريكية.

ويتمثل ثالث هذه العوامل فى أن التعاون فى منطقة أوراسيا يؤدى دورا رئيسيا فى تحسين الخدمات اللوجستية لنقل البضائع للدول المشاركة فى ممر (TUTIT)، بما فى ذلك مشروعات السكك الحديدية الأخرى المهمة مثل: «ممر النقل متعدد الوسائط بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان»، كجزء من «مبادرة الحزام والطريق»، ومشروع بناء طريق كالايخومب، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز التنمية فى مناطق الحدود بين الصين وطاجيكستان.

وبشكل عام، من المتوقع أن يؤدى ممر (TUTIT) إلى تقليل المسافات وتكاليف نقْل البضائع مقارنة بالممرات القائمة، وسوف يسهم فى تعزيز طريق الحرير والتكامل الاقتصادى الإقليمى عبْر الطريق السريع بين أراضى طاجيكستان والصين.

أما بالنسبة لتركيا، فإنها تعد هذا الممر وغيره من الممرات المماثلة التى تمر بأراضيها إلى أوروبا، ليست فقط كوسيلة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول المشاركة، بل لتعزيز موقعها الاستراتيجى أيضا، بأن تصبح مركزا للشحن والعبور بين الصين والاتحاد الأوروبى، وحلقة وصْل رئيسية بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وبين البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى وغرب آسيا وشمال إفريقيا، مستفيدة فى ذلك أيضا من جذورها اللغوية المشتركة مع الدول الناطقة بالتركية، ومنها تركمانستان وأوزبكستان.

من جانبها، تبدى إيران رغبتها فى تعزيز موقعها على خطوط النقل العالمية بهدف تعزيز موقعها كحلقة وصْل بين آسيا وأوروبا عبْر إنشاء ممرات نقْل جديدة من بحر قزوين، ولاسيما أن تجارة «الترانزيت» يمكن أن تكون عاملا مساعدا لزيادة حصة إيران من التجارة العالمية، وأن تفتح منفذا للحد من التداعيات السلبية المترتبة على العقوبات الغربية، إذ تشير التقديرات الإيرانية إلى أن تجارة «الترانزيت» سوف توفر عائدات بقيمة 20 مليار دولار سنويا وسوف تتيح نحو مليون فرصة عمل داخل إيران.

على الرغم من الأسباب والمحفزات، فإن هناك مجموعة من العوائق المحتملة قد تحد من زخم وفعالية المشروع، من أبرزها المعوقات التنظيمية واللوجستية، فالممر سوف يمر عبْر عدة دول لا تتمتع بنفس القدر من قوة البنية التحتية والإجراءات التنظيمية والمالية، وقد تحد الإجراءات الجمركية وعملية تحصيل الرسوم من الطموحات التى يهدف إليها القائمون على المشروع، وهو ما يؤدى إلى تأخير مرور البضائع على بعض الحدود، هذا بالإضافة إلى قصور البنية التحتية فى بعض الدول التى يمر خلالها الممر؛ فمثلا تحتاج مرافق دولة مثل تركمانستان إلى التطوير وخفض تكاليف تعريفات الشحن بها. هذا علاوة على العقبات المالية لتأسيس المشروع نظرا لأنه نموذج لممر متعدد الوسائط أو الطرق (برية ــ بحرية)، أى يجمع بين السكك الحديدية والشحن البحرى، بما يجعله مكلفا نسبيا مقارنة بممر السكة الحديدى الشمالى المباشر فى روسيا.

ولعل ظهور مبادرات وشراكات بديلة يشكل تحديا كبيرا بالنسبة لمشروع (TUTIT) وفرص انطلاقه واقعيا، وهى مبادرات لا تخلو من التنافس حول المشروعات الاقتصادية لنقل الطاقة والتحكم بالممرات الجيوسياسية بين القوى الفاعلة مثل: الصين وروسيا والهند وتركيا والاتحاد الأوروبى. ولهذا هناك حاجة إلى التطوير والتكامل التنظيمى بين دول الممر حتى يصبح هذا المسار عمليا، خاصة لدى مقارنته بالممر الشمالى، الذى يعد أكثر تنافسية فى تشغيله الفعلى.

ولا يمكن إغفال القضايا الشائكة بين بعض القوى الفاعلة، وتحديدا الصين والدول الأوروبية، فعلى الرغم من دعْم بعض الدول الأوروبية ضرورة مواصلة الحوار والانفتاح على الصين؛ فإن التأرجح فى التوجهات الغربية تجاه العلاقات مع بكين والخلاف الحاد معها فى بعض الملفات الخلافية، وعلى رأسها التكنولوجيا والتجارة وأزمة مضيق تايوان؛ سيكون له تأثير فى المشروعات المشتركة بين الطرفين، بما فى ذلك الممر، هذا فضلا عن أن إيران لا تزال تقع تحت طائلة العقوبات الغربية التى تعد عقدة كبيرة أمام تعزيز علاقات الطرفين التجارية.

وثمة قضية أخرى تشكل تحديا جوهريا لممرات النقل فى المنطقة، تتعلق باحتمال نشوب اضطرابات فى بعض الدول الواقعة على طول ممر (TUTIT)، وهو ما قد يؤثر تلقائيا على انسياب حركة التجارة عبر الحدود بينهم، خاصة وأن منطقة آسيا الوسطى معرضة لدرجات ما من عدم الاستقرار نتيجة تفاقم ظاهرة الإرهاب والخلافات الحدودية والتداخلات العرقية، هذا علاوة على تزايد حدة التنافس الدولى والإقليمى على النفوذ، ولاسيما مع المحاولات الأمريكية المستمرة لعرقلة خطط الصين فى هذه الدول من ناحية، وعزْل روسيا عن المنطقة من ناحية أخرى.

*لينك المقال في الشروق*