التضامن الأخضر:

كيف يمكن للاتحاد الأوروبي والإمارات التعاون في مجال الطاقة بالقارة الإفريقية؟

11 December 2023


عرض: أندرو ألبير شوقي

تتجه الأنظار إلى الإمارات العربية المتحدة، مع استضافتها لقمة مُؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ "كوب28"، إذ تعهدت في سبتمبر 2023، بتقديم 4,5 مليار دولار لتطوير طاقة نظيفة بقدرة 15 جيجاوات في إفريقيا، مما يعزز مكانتها العالمية في إيجاد حلول فاعلة تتصدى للتغير المناخي على المستوييْن الوطني والدولي على حد سواء.

وإذا كانت الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تطلق مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 على المستوى الوطني، فإن استثماراتها الضخمة في مجال الطاقة النظيفة في القارة الإفريقية تعكس جهودها الحثيثة على المستوى الدولي لمكافحة تغير المناخ. 

ولا تُعد الاستثمارات الإماراتية في مجال الطاقة النظيفة هي الوحيدة في القارة السمراء، ففي خضم النظام العالمي المتغير، يتزايد نفوذ القوى المتوسطة في إفريقيا، ومن ثم، تتنافس دول مثل الهند وتركيا ودول الخليج للحصول على فرص للتعامل مع الدول الإفريقية، إذ ترى فرصة للاستفادة من الإمكانات التجارية والاستثمارية غير المستغلة إلى حد كبير في إفريقيا وموارد الطاقة الوفيرة.

وفي ظل التسابق على موارد الطاقة الوفيرة غير المُستغلة في إفريقيا بين الإمارات والدول الأوروبية، تتساءل تلك الدراسة، والتي أعدها "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" عن إمكانية خلق فرص للتعاون بين الجانبين، تُسرع من تحول منظومة الطاقة العالمية، وبالتالي، العمل بنهج المكسب للجميع، أم أن القارة الإفريقية ستكون ساحة للتنافس والصراع الخفي بين أبوظبي والعواصم الأوروبية.

زخم إماراتي في إفريقيا: 

قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتوسيع نطاق قوتها واستثماراتها الاستراتيجية في شمال وشرق إفريقيا لتصل إلى كل ركن من أركان القارة؛ إذ كثّفت استثماراتها النفطية وغير النفطية في بلدان مثل تنزانيا والسنغال وجنوب إفريقيا وغينيا، الأمر الذي عزّز مواقع الشركات الإماراتية الخاصة وخلق مصادر إيرادات جديدة، مدعومة بشبكة من البنية التحتية الاستراتيجية والدعم المالي الكبير من صناديق الثروة السيادية.

وضخت الإمارات نحو 23.8 مليار دولار بين عامي 2016 و2020 في إفريقيا، مما يجعلها ثاني أكبر مُستثمر في القارة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وخلف الصين فقط. ولا تظهر أي علامة على التباطؤ من الناحية التجارية، فقد وصلت الواردات والصادرات الإماراتية مع إفريقيا إلى ما يقرب من 70 مليار دولار في عام 2021، وهو رقم مماثل مرة أخرى للتجارة الإفريقية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

الاستثمار مُتعدد الأبعاد:

تبذل دولة الإمارات جهوداً حثيثة للحد من اعتماد اقتصادها على ريع النفط امتثالاً لخططها الطموحة الهادفة إلى تنويع مصادر اقتصادها على المدى البعيد. ومن هذا المنطلق، وجدت شركات الخدمات اللوجستية والبنية التحتية الإماراتية، مثل موانئ دبي العالمية، وموانئ أبوظبي، طريقها عبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، من خلال الاستثمار في مناطق التجارة الحرة، بالإضافة إلى الاستثمار في مشروعات البنية التحتية الخاصة بالنقل البحري والبري، وهناك استثمارات أخرى في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة والرعاية الصحية، والتعليم، والسياحة.

وفي مجال الطاقة، لا يقتصر الاستثمار الإماراتي على الطاقة النظيفة فحسب، وإنما يشمل أبعاداً مُتعددة: 

1. الاستثمار في مصادر الطاقة غير المُتجددة: تعمل الشركات الإماراتية المملوكة للدولة، "أدنوك" و"إينوك"، المتخصصتيْن في النفط والغاز، على توسيع وجودهما في الأسواق الإفريقية، وبشكل أساسي تركزان على إنشاء البنية التحتية لاستقبال وتخزين النفط لدعم توسع السوق الإماراتية للمنتجات المكررة. وبصفة عامة، هناك استثمارات مكثفة في مجال الطاقة النفطية على صعيد تنزانيا ومنطقة شرق ووسط إفريقيا، بما في ذلك كينيا وإثيوبيا. 

2. الاستثمار في المواد الخام الحيوية: أوضحت الدراسة أن القادة الإماراتيين مهتمون بدفع شركات التعدين الإماراتية للتوجه نحو غرب إفريقيا للاستثمار في البوكسيت، كونه المصدر الرئيس لمعدن الألمنيوم الضروري لتصنيع التقنيات الخضراء وخلايا وقود الهيدروجين. 

3. الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة: إلى جانب الإعلان عن استثمارات بقيمة 4,5 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة في إفريقيا، خلال قمة المناخ الإفريقية التي استضافتها كينيا في سبتمبر 2023، استثمرت الإمارات حتى الآن أكثر من 12 مليار دولار في مشروعات التنمية والطاقة المتجددة في جميع أنحاء القارة الإفريقية، ويكفي أن صندوق أبوظبي للتنمية ما يزال يؤدي دوراً محورياً في تنفيذ مشروعات تنموية تتعلق بالطاقة المتجددة.

وتُعد الإمارات المستثمر الأكثر تفضيلاً للدول الإفريقية في مجال الطاقة المتجددة مقارنة بالمستثمرين الأوروبيين؛ إذ إن معظم الدول الإفريقية تشترك مع أبوظبي في تفضيلها للتخفيض التدريجي في استخدام الوقود الأحفوري، وترفض على نطاق واسع النهج الصارم الذي تتبعه الدول الغربية للتخلص السريع من الوقود الأحفوري. ويعكس هذا حاجة العديد من الاقتصادات النامية إلى الموازنة بين طموحاتها المناخية واحتياجاتها الإنمائية. 

الإمارات المُنقذ لإفريقيا من الاستعمار الأخضر:

حوَّل الأوروبيون أزمة الطاقة في ظل تقليل الاعتماد على واردات الطاقة الروسية، وخاصة منها الغاز الطبيعي، إلى ثروة الطاقة النظيفة مع دعوات العالم للوصول إلى صفر كربون وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، لكن المُشكلة الرئيسية التي تعترض السعي نحو الطاقة النظيفة تتمثّل في أن مناخ أوروبا لا يكفي لتحقيق ما تحتاجه القارة، ما يجعلها تتجه إلى إفريقيا لاستغلال مناخها ومواردها من الطاقة المتجددة، الأمر الذي أعاد إلى أذهان الأفارقة "تاريخ الاستعمار" في صورته الجديدة المتمثلة في "الاستعمار الأخضر".

في هذا الإطار، باتت إفريقيا بالنسبة لأوروبا مصدراً للموارد الطبيعية واليد العاملة الرخيصة، وساحة رئيسة لفرض استثمارات أوروبية للانتقال السريع والحاسم من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة على الرغم من المعدلات التنموية المُنخفضة للبلدان الإفريقية. 

وللمفارقة، أصبح الأوروبيون يعدون إفريقيا "محطة وقود" لتزويدهم بالغاز الطبيعي، ولكنهم في الوقت ذاته، لا يرغبون في تمويل البنية التحتية الطاقوية اللازمة للتنمية والتحفيز الاقتصادي للبلدان الإفريقية، وهكذا، بات من الواضح أن الأفارقة يدركون تماماً أن البلدان الأوروبية تستغل بشكل أساسي موارد القارة، بينما تُحرم الأخيرة من الوصول إلى الوقود الأحفوري اللازم للتنمية والتصنيع باسم مكافحة التغيرات المناخية. 

ولا شك في أن توسع دولة الإمارات في أسواق إفريقيا يمكن أن يشكل مخاطر على الأهداف الأوروبية طويلة المدى، أو بعبارة أخرى، فإن الموقف الناعم لدولة الإمارات بشأن التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري والاستثمارات الكبيرة في قطاع النفط والغاز يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الجهود الأوروبية لإزالة الكربون في إفريقيا. 

وفي الحقيقة، يراعي النهج المرن للإمارات الأبعاد التنموية للقارة الإفريقية، وبالتالي، بات الأفارقة أكثر ثقة بالاستثمارات الإماراتية مُقارنة بنظيرتها الأوروبية، والتي تُعد جزءاً من الاستعمار الأخضر، والذي ينقل التكلفة الاجتماعية والبيئية إلى البلدان والشعوب الطرفية الفقيرة. 

إمكانية التعاون الأوروبي الإماراتي في إفريقيا:

في ضوء مخاوف الاتحاد الأوروبي من تنامي الاستثمارات الإماراتية في إفريقيا، ليس من المُستغرب ملاحظة قرار الاتحاد الأوروبي إدراج الإمارات على قائمة البلدان الثالثة عالية المخاطر التي تعاني من أوجه قصور استراتيجية في نظامها المتعلق بمكافحة غسل الأموال ومُكافحة تمويل الإرهاب. وعلى الرغم من أن بعض التقديرات أفادت بأن تلك الخطوة جاءت بسبب مزاعم حول مساعدة الإمارات لروسيا في الالتفاف على العقوبات، ومع ذلك، فإن السبب الحقيقي هو مخاوف بروكسل من تعاظم الاستثمارات الإماراتية الخارجية، والتي بدأت تُزاحم نظيرتها الأوروبية، وبالتالي، فإن تلك الخطوة كانت محاولة للإضرار بسمعة الإمارات على الصعيد الاستثماري.

وختاماً، أفادت الدراسة أنه من قصر النظر ألا يعترف الأوروبيون بالفرص المتاحة للتنسيق والتعاون مع دولة الإمارات لتسريع نشر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر وغيرها من المبادرات الخضراء في إفريقيا. فهناك مزايا نسبية قد يحصل عليها الطرفان، يمكن تناولها كما يلي: 

1. تحقيق مبدأ المكسب للجميع: يحقق التعاون بين الإمارات والاتحاد الأوروبي مزايا للجميع، فمن ناحية، سوف تستفيد أبوظبي من خبرة الأوروبيين الواسعة في مجال التكنولوجيا الخضراء، ومن ناحية أخرى، سوف يستفيد الأوروبيون من القدرات المالية والتنظيمية التي تمتلكها دولة الإمارات، وعلاوة على ذلك، سيفيد هذا النهج البلدان الإفريقية، والتي ستشهد تنوعاً في العروض الاستثمارية، أو تنسيقاً بين الطرفين لإنشاء مشروعات طاقة ضخمة بشراكة أوروبية وإماراتية.

2. الحاجة إلى قوة متوسطة لتقليل الفجوة بين الشمال والجنوب: تتهم البلدان الإفريقية الاتحاد الأوروبي بأنه يدعم خطط تضر بالقارة من الناحية التنموية، وتعزز من أوجه الاستعمار الأخضر. وفي ظل تلك الشكوك والتهم، اتسعت الفجوة بين الطرفين، الأمر الذي يجعل الأوروبيين في حاجة إلى التفاعل مع القوى المتوسطة الصاعدة مثل: دولة الإمارات، لتكون بمثابة الوسيط لتقارب وجهات النظر بين العواصم الأوروبية ونظيرتها الإفريقية. 

3. خلق بيئة دولية أكثر تعاونية في مجال المناخ: ينبغي على الاتحاد الأوروبي الاستفادة من الشراكة مع الإمارات في مجال مكافحة التغيرات المناخية والتحول نحو الطاقة النظيفة؛ إذ إن الأخيرة تقود الجهود الدولية هذا العام لمكافحة التغير المناخي على وقع رئاستها لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب28"، وبالتالي، لا يمكن للاتحاد الأوروبي عرقلة جهود الإمارات الجريئة على الصعيد الدولي لإطلاق العنان لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة ومكافحة التغيرات المناخية، فالأهداف الأوروبية والإماراتية واحدة والمبادرات المناخية مُتشابهة، ومن ثم، لا يوجد أي مانع لتتضافر جهود المؤسسات المالية مثل: البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (ERBD)، وبنك الاستثمار الأوروبي، وصناديق الثروة السيادية الإماراتية والإفريقية، لتوفير الأسهم ورأس المال المُيسر والضمانات المالية للقطاع الخاص للاستثمار معاً في الطاقة الخضراء. 

المصدر:

Maddalena Procopio and Corrado Čok. (9 November 2023). Green synergies: How the EU, the UAE, and Africa can cooperate on energy.  The European Council on Foreign Relations (ECFR).

https://ecfr.eu/article/green-synergies-how-the-eu-the-uae-and-africa-can-cooperate-on-energy/