الاتفاق الجزئي:

أسباب اتجاه واشنطن لقبول إبرام اتفاق غير رسمي مع إيران

22 June 2023


أفاد مسؤولون من ثلاث دول، لم يتم تحديدها، في تصريحات لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في 14 يونيو 2023، أن الولايات المتحدة وإيران تتفاوضان بهدوء، بهدف التوصل إلى توافقات وشيكة بينهما، للحد من مخاطر برنامج طهران النووي وإطلاق سراح أمريكيين محتجزين لديها، وذلك بهدف تخفيف التوترات وتقليل مخاطر المواجهة العسكرية مع إيران. 

مضمون المحادثات: 

في ضوء ما تم نشره بشأن المباحثات المُحتملة بين الجانبين الإيراني والأمريكي، يمكن الوقوف على عدد من الأبعاد كالآتي:

1- تفاهمات غير رسمية: تُشير المصادر الغربية والإسرائيلية إلى أن جولات المباحثات غير المباشرة بين كبير مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، علي باقري كني، في سلطنة عُمان، منذ مايو 2023، قد تتمخض عن تفاهم، محدود، غير مكتوب وغير رسمي، وذلك في محاولة لتفادي الاعتراض المُحتمل للكونغرس الأمريكي على أي اتفاق تبرمه إدارة بايدن مع طهران، في ضوء رفض قطاع من النواب الجمهوريين والديمقراطيين لتوقيع اتفاق مع إيران، بالإضافة إلى تشدد إيران في المفاوضات. 

2- أبعاد التفاهمات المُحتملة: أشارت تقارير غربية إلى أن التفاهمات بين واشنطن وطهران سوف يتم بموجبها توقف إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 60%، وأن تُوسع طهران من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن تُفرج عن سجناء أمريكيين في إيران، إلى جانب حث مليشياتها على التوقف عن شن هجمات على القوات الأمريكية في سوريا والعراق، وأن تكف عن اعتراض السفن والناقلات المارة في مياه المنطقة، وأن تتوقف عن دعم روسيا بالأسلحة في حربها ضد أوكرانيا.

وفي المقابل، تتعهد واشنطن بتخفيف العقوبات عن إيران، وألّا تسعى لاستصدار قرارات عقابية جديدة ضدها في الأمم المتحدة، أو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بجانب الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة بالخارج، خصوصاً في العراق وكوريا الجنوبية. ويبدو أنه قد تم بالفعل تنفيذ بعض أبعاد هذا الاتفاق، إذ كشفت إيران، في 10 يونيو 2023، عن إفراج العراق عن 3 مليارات دولار من مستحقات إيران المجمدة بسبب العقوبات الأمريكية.

3- تأكيد عُماني للتفاهمات: أكد وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، في 15 يونيو الجاري، أن هناك أجواء إيجابية فيما يخص الملف النووي، في ضوء المباحثات غير المُباشرة التي تجرى بين الإيرانيين والأمريكيين في مسقط، مشيراً إلى اقتراب الجانبين من وضع اللمسات النهائية على اتفاق يقضي بإطلاق سراح أمريكيين محتجزين في طهران، وأن الأمر يتوقف على مسائل فنية، مضيفاً أنه يعتقد أن القيادة الإيرانية جادة بشأن التوصل إلى اتفاق. 

دلالات متعددة: 

يُشير استئناف المباحثات غير المُباشرة بين الأمريكيين والإيرانيين، بعد توقفها منذ سبتمبر 2022، إلى عدد من الدلائل يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- مؤشرات إيرانية إيجابية: يبدو أن طهران تبدي استعداداً للتوصل إلى اتفاق جزئي مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي، بعد سابق ممانعتها لذلك. ومن المؤشرات على ذلك تقديم تفسير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول أسباب العثور على آثار يورانيوم في أحد المواقع الثلاثة غير المعلنة، وهو التفسير الذي عدته الوكالة مرضياً لها، فضلاً عن إبداء المرشد الأعلى، علي خامنئي، موافقته على إبرام اتفاق مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني، مع تأكيده بألا يمس البنية التحتية النووية لبلاده، بالإضافة إلى تأكيد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في 17 يونيو 2023، أن طهران لا تسعى لإنتاج أسلحة نووية، لأن ذلك يتعارض مع مبادئ الجمهورية الإسلامية وتوصيات المرشد. ويلاحظ أن إنجاز مثل هذا التفاهم سوف يحقق لإيران بعض المزايا الاقتصادية، ولاسيما ما يتعلق بالإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة بالخارج، كما أنه سيمثل تسليماً ضمنياً بحقها في تخصيب اليورانيوم عند مستوى 60%.

2- تحاشي أمريكي للتصعيد: يبدو من الواضح أن إدارة بايدن لا تمتلك أي خيارات للتعامل مع إيران، سوى الخيار الدبلوماسي، وهو ما وضح من ترددها في الرد على تهديدات إيران للملاحة في منطقة الخليج العربي، أو حتى إقدام طهران على مهاجمة قواتها في سوريا.

وعلى الرغم من نفي المسؤولين الأمريكيين صحة التقارير التي تتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق مع إيران، وهو ما تكرر على لسان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 16 يونيو 2023، فإن تلك التصريحات لم تنف وجود مباحثات مع الإيرانيين، كما أنها لم تستبعد التوصل إلى تفاهم غير رسمي لا يحتاج إلى موافقة الكونغرس. 

ويأتي الموقف الأمريكي نتيجة لعجز الولايات المتحدة عن فرض أي ضغوط جدية على إيران تدفعها للعودة للاتفاق النووي، بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية، فضلاً عن فرض طهران واقعاً جديداً، عبر رفع معدلات تخصيب اليورانيوم، وبناء منشآت نووية جديدة، وتعليق التعاون مع الوكالة الدولية بشكل جزئي، بالإضافة إلى تشدد إيران، ومطالبتها بضمانات جدية من واشنطن بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق النووي، وهو ما يعني إقرار الاتفاق النووي في الكونغرس الأمريكي، وهو أمر لم يستطع أن يقوم به الرئيس السابق، باراك أوباما، على الرغم من إبرام إدارته للاتفاق النووي في 2015. كما لا تزال المعارضة لمثل هذا الاتفاق من جانب الكونغرس قائمة، حتى الآن.

ونظراً لذلك، فقد بات من مصلحة واشنطن تجميد الواقع الراهن لإيران، والتوصل لتفاهمات معها، تقضي بتحقيق بعض المصالح الأمريكية، مثل تجنب مهاجمة قواتها في سوريا، بالإضافة إلى وقف دعمها لروسيا بالطائرات المسيرة الانتحارية من طراز "شاهد". 

3- غموض الموقف الإسرائيلي: عارض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 18 يونيو 2023، أي اتفاق مصغر أو تفاهم قد يُعقد بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج طهران النووي، مشدداً على أن بلاده غير ملزمة به. وتزامنت تلك التصريحات مع أخرى من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن بالكنيست، يولي إدلشتاين، أكدا فيها أن الاتفاق المُحتمل بين واشنطن وطهران، لا يشكل خطراً كبيراً على إسرائيل، وأن الأخيرة يمكنها التعايش معه، بشرط أن يكون هناك رقابة صارمة وحقيقية على برنامج إيران النووي. 

وقد يكون موقف نتنياهو قد جاء لخدمة أغراض دعائية، خاصة في ظل الانتقادات الحادة من قبل المعارضة في الكنيست لحكومته، وسعيه لعدم توظيف المعارضة لهذا الملف ضده. ويدعم ذلك أن إسرائيل لا تزال غير قادرة على تنفيذ أي هجمات تدمر البرنامج النووي الإيراني من دون دعم عسكري أمريكي، ومن دون مثل هذا الدعم، فإن التهديدات الإسرائيلية تفتقد المصداقية. 

4- وساطة خليجية قائمة: بدأ وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 20 يونيو 2023، جولة خليجية، تشمل قطر وسلطنة عُمان والكويت. وأشار بيان الخارجية الإيرانية بشأن زيارته إلى سلطنة عُمان، إلى أن عبد اللهيان، يحمل رداً إيرانياً على رسالة أمريكية نقلها سلطان عُمان، هيثم بن طارق آل سعيد، قبل ثلاثة أسابيع عندما زار طهران. 

هذا إلى جانب إمكانية مشاركة الدوحة ومسقط في عملية إعادة جزء من أصول إيران المجمدة في الخارج، في ضوء التفاهمات التي قد يتم التوصل إليها مع الجانب الأمريكي، ويعزز ذلك زيارة محافظ البنك المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين، إلى الدوحة، ولقائه نظيره القطري، بندر بن‌ محمد آل ثاني.

وفي التقدير، يمكن القول إن طرح خيار الاتفاق المؤقت أو المرحلي مع إيران، خلال الفترة الأخيرة، قد نتج عن تسارع وتيرة تطور برنامج إيران النووي، وعجز الولايات المتحدة عن فرض أي تهديدات جدية ضد إيران تدفعها إلى التراجع عن تصعيدها النووي، بسبب تورط واشنطن في الحرب الأوكرانية، وهو ما جعل فكرة الاتفاق الجزئي، في حال التوصل إليه، تُحقق مصالح متبادلة للطرفين، إذ أنه سيضمن لإيران الحصول على جانب من أموالها المجمدة، في حين أن واشنطن سوف تتمكن من تحجيم مخاطر إيران الإقليمية، إلى جانب التشكيك في موثوقية اعتماد روسيا على الأخيرة، إذا ما تجاوبت طهران مع مطالب واشنطن بوقف إمداد روسيا بالطائرات المسيرة، غير أنه في المقابل، فإن مثل هذا الاتفاق الجزئي سوف يجعل احتمالات إحياء اتفاق نووي شامل أمراً مستبعداً في المدى المنظور.