موافقة خامنئي:

فرص وعراقيل إبرام اتفاق مؤقت بين واشنطن وطهران

15 June 2023


أفاد مصدران لم يُحددا، في تصريحات نقلها موقع "ميدل إيست آي" القطري، في 8 يونيو 2023، أن إيران والولايات المتحدة، قد توصلتا إلى صيغة اتفاق مؤقت حول برنامج طهران النووي، لإحالته إلى قادة البلدين، وأضافا أنه بموجب تلك الصيغة، ستلتزم إيران بوقف تخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 60% أو أكثر، وستواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، مقابل السماح لها بتصدير نحو مليون برميل من النفط يومياً والحصول على دخلها وأموال أخرى مجمدة في الخارج.

ملاحظات أساسية: 

يمكن الوقوف على عدد من الملاحظات فيما يتعلق بالتسريبات السابقة، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

1- نفي أمريكي للاتفاق المؤقت: نفت واشنطن صحة تلك التصريحات، واصفة إياها بأنها كاذبة ومُضللة، مؤكدة أنها لا تبحث اتفاقاً مؤقتاً مع إيران، ومشيرة إلى إنها تتواصل مع إيران بشكل غير مباشر، وأن هذا التواصل تضمن إبلاغها بالخطوات التي قد تؤدي إلى اندلاع أزمة لتجنبها، وتلك التي قد تخلق مناخاً أفضل بين البلدين، مُضيفة أن واشنطن تود أن ترى مزيداً من التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

2- تأكيد إيراني لتبادل الرسائل: نفت إيران صحة الادعاءات كذلك بشأن صيغة لاتفاق مؤقت مع الجانب الأمريكي، مُشيرة إلى أن ذلك مجرد تكهنات وشائعات لا أساس لها من الصحة، و"أنه سيجري، في حينه، الكشف عن الحقائق بهذا الشأن"، دون الإشارة إلى ماهية هذه الحقائق، مؤكدة استمرار تبادل الرسائل بين الجانبين، بطرق غير مباشرة.

تحركات مُكثّفة: 

تزامن الزخم حول تواصل الجانبيْن الإيراني والأمريكي بشكل غير مباشر، خلال الفترة الأخيرة، مع عدد من التحركات، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- تطلع طهران إلى العودة للاتفاق النووي: أعرب المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، في 11 يونيو 2023، عن عدم ممانعته من إبرام اتفاق مع الغرب حول برنامج إيران النووي، كما حثّ على مواصلة العمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بموجب اتفاق الضمانات ضمن معاهدة عدم الانتشار النووي، مؤكداً عدم سعي بلاده لحيازة السلاح النووي، بدعوى أن ذلك يخالف مبادئ الجمهورية الإسلامية في إيران. ويُمثل هذا التصريح ضوءاً أخضر من جانب المرشد للحكومة للمضي قدماً في توقيع اتفاق مع الغرب. 

وبعد ذلك بيوم واحد، أكدّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أن طهران لم تترك طاولة المفاوضات أبداً، وأنها تبدي استعدادها الجاد للعودة للمفاوضات. وتأتي تلك التصريحات بعد أيام من تقديم إيران لتنازلات للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمثلت في تركيب بعض معدات المراقبة في بعض المواقع التي كانت إيران قد أزالتها العام الماضي، بالإضافة إلى تقديم تفسير لوجود آثار يورانيوم مُخصّب في موقع واحد من المواقع الثلاثة التي فتحت الوكالة تحقيقاً بشأنها من قبل، وتطالب طهران بتقديم توضيحات بشأن العثور على جزئيات يورانيوم مخصب بداخلها.

2- استمرار المُباحثات بين الجانبين: أشارت مصادر إلى تواصل المباحثات بين الجانبيْن الأمريكي والإيراني بشكل مُباشر وغير مُباشر خلال الفترة الماضية. فقد أشارت تقارير غربية إلى عقد عدد من اللقاءات المباشرة بين المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، والسفير الإيراني في الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، أخيراً، كما أن وفداً إيرانياً يقوده كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، علي باقري، كان قد وصل إلى سلطنة عُمان في 8 مايو 2023، في نفس توقيت وصول وفد أمريكي، يقوده مُنسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، وأن المباحثات تمت من خلال المسؤولين العُمانيين بشأن برنامج إيران النووي. ولم ينف المسؤولون الأمريكيون وجود هذه المباحثات. 

وبالتوازي مع ذلك، أعلن باقري كُني، في 13 يونيو 2023، عن إجراء مشاورات مع نظرائه في الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بشأن تنشيط المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وهي الزيارة التي جاءت بعد ثلاثة أيام من تأكيد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال اتصال هاتفي، أن فرنسا وشركاءها الأوروبيين يرغبون في إيجاد حل دبلوماسي لتلك القضية.

3- الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة: أشارت المصادر الإيرانية والعراقية، إلى أن واشنطن سمحت لبغداد بسداد حوالي 2.76 مليار دولار إلى طهران من ديون الغاز والكهرباء المستحقة للأخيرة، وتمت الإشارة إلى أن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، كان قد بحث ذلك الأمر مع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، على هامش اجتماع دول التحالف ضد تنظيم داعش في الرياض، في 8 يونيو 2023. وفي ضوء رفض واشنطن من قبل الإفراج عن تلك الأموال، نظراً لخضوعها للعقوبات المفروضة على إيران، فإن منح ذلك الإعفاء يؤشر إلى الرغبة في تهيئة الأجواء لتشجيع إيران على تقديم مزيد من التنازلات في المفاوضات النووية. 

قيود قائمة: 

على الرغم من تزايد مؤشرات اقتراب إيران والولايات المتحدة من إبرام اتفاق حول برنامج طهران النووي، فإن ثمّة عراقيل ما زالت تحول دون ذلك، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

1- تمسك إيران بشروطها: أعلن النائب الثاني لرئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، عباس مقتدائي، في 12 يونيو الجاري، أن نجاح المفاوضات النووية مرهون بتحقق المطالب الإيرانية، مشدداً على أن طهران لن تتراجع أمام الضغوط الأمريكية، أي أن إيران لن تعود للاتفاق إلا إذا تحققت جميع مطالبها التي كانت تنادي بها في المفاوضات السابقة، سواءً ما يتعلق برفع كافة العقوبات عنها، ورفع تصنيف الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب، أو أخذ ضمانات من واشنطن بعدم الانسحاب مستقبلاً من الاتفاق النووي، وغيرها. 

وتزامنت تلك التصريحات مع تصريحات مماثلة من متحدث الخارجية الإيرانية، والذي أكد أن إيران تركز على اتفاق عام 2015 كأساس للمفاوضات، وهو أمر من المرجح أن ترفضه واشنطن والأطراف الأوروبية، على اعتبار أن العودة لاتفاق 2015 تعني أن يتم إطلاق يد إيران في عملية تخصيب اليورانيوم بمستويات عسكرية تصل إلى الـ90% اللازمة لتخصيب اليورانيوم المستخدم في صناعة السلاح النووي في عام 2031، وفقاً لما نصّ عليه الاتفاق.

هذا إلى جانب، أن تصريحات خامنئي التي أعطى فيها الأذن لتوقيع اتفاقيات مع الغرب، قد أكد فيها عدم المساس بالبنية التحتية النووية لإيران، ما يعني عدم تخليها عن أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي أنتجتها بالمخالفة للاتفاق المُشار إليه، وتلك الأجهزة من طرز "آي آر 2 أم" و"آي آر 6" وغيرها، وهو أمر سيكون محل اعتراض من جانب الأطراف الغربية.

2- تهديد إسرائيل لإيران: أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 8 يونيو الجاري، وزير الخارجية الأمريكي، أن أي اتفاق تبرمه واشنطن مع إيران حول برنامجها النووي، لن يكون ملزماً لتل أبيب، وأن الأخيرة ستفعل كل ما في وسعها للدفاع عن نفسها، مؤكداً أن العودة للاتفاق النووي مع إيران لن توقف تقدم برنامج طهران النووي، وهو ما يفسح المجال أمام إسرائيل لتوجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة مع تأكيد الجانب الإسرائيلي أن رفع إيران مستوى تخصيب اليورانيوم لما يتجاوز الـ60%، هو خط أحمر لمهاجمة تلك المنشآت. 

وبغض النظر عن جدية إسرائيل، ومدى قدرتها فعلياً على القيام بذلك، فضلاً عن تحمل تكلفته، فأن ذلك قد يؤدي إلى ممارسة تل أبيب ضغوطاً على إدارة بايدن، بهدف إرجاء إبرام اتفاق مع إيران، أو توقيع اتفاق معها بشروط أقوى تضمن أمن إسرائيل.  

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من رفض إيران توقيع اتفاق مؤقت ومطالبتها باتفاق جديد ذي ضمانات أقوى، فإن الأوضاع في الوقت الراهن قد تدفعها للقبول بمثل هذا الاتفاق، على اعتبار أن ذلك الاتفاق المُحتمل قد يمنحها مزايا اقتصادية من خلال الإفراج عن أموالها المجمدة بالخارج لتحقيق انتعاشة مالية هي بحاجة لها، بجانب تخوف طهران من أن تسفر الانتخابات الأمريكية في 2024 عن إدارة جمهورية تستبعد مسألة التفاوض مع إيران، هذا فضلاً عمّا قد ينتج عن الاتفاق المُحتمل من انعكاسات إيجابية على تحسين علاقات إيران بدول المنطقة، والتي تطالب بوضع حد لتصعيد إيران النووي.

ومن جهة أخرى، فإن الاتفاق المؤقت لن يكون مقنعاً للبنوك والشركات الغربية للاستثمار داخل إيران، في ضوء تزايد احتمال انهيار الاتفاق وعودة العقوبات، كما أن الإعفاء الأمريكي المُحتمل لصادرات النفط، سيكون تأثيره متواضعاً، لأن الكمية التي تصدرها إيران من خلال الالتفاف على العقوبات ستظل كما هي حتى بعد توقيع الاتفاق المُحتمل، لأن القطاع النفطي في إيران بحاجة إلى وقت من أجل إعادة تنشيطه بعد تقادم وتردي بنيته التحتية، ومن ثم قد يشجع ذلك إيران على عدم الإقدام على تلك الخطوة. ولذا من المُرجح أن تتزايد التحركات من كلا الجانبين الأمريكي والإيراني خلال الفترة المقبلة، بالتوازي مع استخدام كل جانب كافة أدوات الضغط على الجانب الآخر، لإجباره على تقديم أقصى قدر من التنازلات.