عدوى إقليمية!

قلق تشاد من تمدد الصراع السوداني إلى داخل البلاد

16 May 2023


أشارت تقارير فرنسية إلى مطالبة المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في تشاد الحكومة الفرنسية بمزيد من الدعم العسكري عبر تسيير دوريات استطلاع مكثفة على الحدود السودانية، وهو ما عكس قلقاً متنامياً لدى أنجمينا من امتداد الصراع السوداني إلى داخل البلاد. 

تحركات أنجمينا 

شهدت الأيام الأخيرة تحركات لافتة من قبل المجلس العسكري الحاكم في تشاد لتعزيز اتصالاته وتنسيقه مع حلفائه الخارجيين، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- المطالبة بالدعم العسكري الفرنسي: أشار تقرير فرنسي إلى أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، محمد إدريس ديبي "كاكا"، أجرى مشاورات مع الحكومة الفرنسية مطالباً إياها بضرورة تكثيف الطلعات الجوية على الحدود الفاصلة بين تشاد والسودان، في محاولة لإحكام السيطرة على المناطق الحدودية الهشة.

وعززت فرنسا وجودها في تشاد بداية من مايو 2022، حيث حصلت باريس آنذاك على موافقة المجلس العسكري الحاكم بالسماح بإنشاء خمس قواعد عسكرية جديدة داخل تشاد، إذ تشكل باريس الداعم الرئيس لنظام ديبي الحاكم في أنجمينا.

2- تعزيز التعاون مع واشنطن: عززت السلطات التشادية علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما على مستوى التنسيق الاستخباراتي، وهو ما كشفت عنه المعلومات الاستخباراتية التي أرسلتها واشنطن للحكومة التشادية في مارس 2023، والتي حذرت خلالها من وجود تحركات مريبة من قبل "فاغنر" تستهدف التخلص من نظام ديبي الابن.

3- التنسيق مع القاهرة وجوبا: أجرى ديبي مشاورات مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والذي زار أنجمينا، في 8 مايو 2023، وأشار ديبي في أعقاب هذه المشاورات إلى ضرورة تجنب تكرار الأخطاء التي تمت في الأزمة الليبية، والتي شهدت انخراطاً محدوداً للدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي في تسوية الأزمة.

وكشفت الزيارة عن وجود تحركات مصرية تشادية للتنسيق حول الصراع السوداني، ويبدو أن الجانبين اتفقا على بلورة وساطة إفريقية، ترتكز بالأساس على دول الجوار السوداني، وهو الطرح الذي أكده المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان، توت جلواك، الذي قام بزيارة لمصر، في 11 مايو الجاري، أكد خلالها أن رؤساء دول الجوار السوداني يستعدون حالياً لعقد قمة في القاهرة لبحث الصراع الجاري في الخرطوم.

قلق تشادي متنامٍ

تعكس التحركات التشادية الراهنة حالة من القلق من انعكاسات الصراع السوداني على الداخل التشادي، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- قلق من تكرار صراع دارفور: تخشى أنجمينا من احتمالية استغلال جماعات المعارضة المسلحة التشادية للصراع الجاري في السودان للحصول على السلاح، إذ تشترك تشاد مع السودان في حدود طويلة تصل إلى نحو 1300 كيلومتر. كما تسببت الحرب الأهلية التي شهدها إقليم دارفور عام 2003 في تمدد الاشتباكات إلى الداخل التشادي، ولاسيما مقاطعات وادي فيرا ووادي وسيلا، وأسفرت الاشتباكات في المقاطعتين عن مقتل عدة مئات من المدنيين، وتمركز حوالي 400 ألف لاجئ سوداني في شرق تشاد.

ورصدت تقارير تدفقاً لبعض جنود وقوات الأمن السودانية إلى داخل تشاد بعد اندلاع القتال في الخرطوم، فضلاً عن تهريب شحنات الأسلحة عبر المناطق الحدودية الهشة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية المأزومة بالفعل في أنجمينا.

2- تجنب التحوّل لصراع إقليمي: يشكل المثلث الحدودي بين السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى أحد أكثر بؤر التداخل العرقي والقبلي، حيث لم تمنع الحدود من استمرارية الاتصال بين هذه المجتمعات، والتي تشمل قبائل الرونقا والزغاوة والمساليت والتاما وغيرها من القبائل العربية. 

وقد تم توظيف هذا الاتصال القبلي في الحرب الأهلية السابقة في دارفور، وكذلك من قبل حركات التمرد التشادية التي تستهدف الإطاحة بنظام ديبي الحاكم، الأمر الذي أدى إلى تحول الصراع في أي دولة من هذه الدول إلى صراع إقليمي أوسع، وهو ما يجعل الصراع الراهن في السودان مصدر قلق كبير بالنسبة لتشاد، وكذا جمهورية إفريقيا الوسطى، في ظل الأوضاع السياسية والأمنية الهشة في الدولتين.

وينتمي قائد الدعم السريع، حميدتي، إلى قبيلة الرزيقات العربية، التي لها امتداد داخل تشاد أيضاً، وهي على خلاف مع قبائل الزغاوة، الحاكمة في أنجمينا، والتي ينتمي إليها رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد، محمد إدريس ديبي. وفي المقابل، يرتبط الجيش السوداني بعلاقات وثيقة بالقادة السابقين لمليشيات الزغاوة في دارفور، بما في ذلك مني أركو ميناوي، حاكم دارفور الحالي، وبالتالي يحتفظ قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، بتحالفات قوية مع الزغاوة.

من ناحية أخرى، تزخر المناطق الحدودية بمناجم الذهب التي تشكل بؤرة تنافس رئيسية بين المجموعات المسلحة المتنافسة، كما أنها تشكل مركزاً لتهريب الأسلحة والمخدرات من قبل الحركات المتمردة، ويتوقع أن يؤدي الصراع السوداني إلى تفاقم السيولة الأمنية وانعدام الاستقرار في هذه المنطقة، وهو ما يجعل قوات الدعم السريع مضطرة إلى تقسيم قواتها بين المناطق الحيوية التي تشكل مصدر التمويل الرئيسي لها في دارفور، وبين انتشارها في العاصمة وغيرها من الأقاليم.

3- تهديدات محتملة من "فاغنر" الروسية: هناك قلق أمريكي متزايد من تحركات شركة "فاغنر" الروسية في القارة الإفريقية، وهناك هواجس أمريكية من أن تقوم المجموعة بدعم تمرد محتمل من جانب المعارضة المسلحة التشادية ضد الحكومة التشادية.

وكان وزير الاتصالات التشادي، عزيز محمد صالح، كشف عن استقطاب شركة "فاغنر" لعناصر تشادية للانضمام إلى معسكر تابع لها في جمهورية إفريقيا الوسطى، تمهيداً لهجمات محتملة ضد الحكومة التشادية الحالية.

انعكاسات محتملة

في إطار المتغيرات الراهنة في الداخل التشادي، وبالتزامن مع الاضطرابات الإقليمية الحالية، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تطرأ على المشهد خلال الفترة المقبلة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تمديد المرحلة الانتقالية في تشاد: قد يعمد المجلس العسكري الحاكم في تشاد إلى توظيف الصراع السوداني لتمديد المرحلة الانتقالية في البلاد، وهو ما يهدد عملية الانتقال لحكومة مدنية. ومنذ مقتل الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي، في إبريل 2021، تولى نجله، محمد ديبي، رئاسة مجلس عسكري انتقالي، تعهد بتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد انتهاء مرحلة انتقالية مدتها عامين، بيد أنه لم يلتزم بهذه المدة المحددة.

وفي إطار علاقة تشاد الوثيقة بالغرب، ولاسيما فرنسا والولايات المتحدة، فضلاً عن حاجة القوى الدولية إلى تشاد في محاربة الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة، فإنه من المستبعد أن يؤدي أي تمديد للمرحلة الانتقالية إلى فرض عقوبات ضد السلطات التشادية.

ولعل ما يؤكد ذلك طرد أنجمينا السفير الألماني لديها، رداً على الانتقادات المتكررة من قبل الدول الغربية لإطالة المرحلة الانتقالية، ناهيك عن الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان، على الرغم من أن الموقف الغربي اقتصر على الانتقادات الخطابية فقط، ولم يتم فرض أي عقوبات على أنجمينا. 

ويبدو أن السلطات التشادية أرادت أن ترسل تحذيراً لحلفائها الغربيين من خلال طرد السفير الألماني، بحيث تكون هذه الدول أكثر تحفظاً في انتقاداتها للحكومة التشادية، والحيلولة دون إبداء أي دعم غربي لقوى المعارضة السياسية. ويبدو أن اختيار السفير الألماني كان الخيار الأسهل بالنسبة لتشاد، لتجنب أي صدام مع حليفيها الأهم، فرنسا والولايات المتحدة.

2- تكرار محتمل لهجمات المعارضة: ترجح غالبية التقديرات أن يؤدي الصراع الراهن في السودان وتدفق الكثير من المقاتلين والأسلحة إلى داخل تشاد إلى تفاقم الأوضاع الأمنية، خاصة من المعارضة المسلحة التي ربما تعمد إلى استغلال السياق الإقليمي المضطرب لإعادة تكرار هجماتها السابقة على العاصمة أنجمينا، ومحاولة التخلص من نظام ديبي الحاكم.

ومن ناحية أخرى، ونظراً لزيادة فرص اتجاه المجلس العسكري الحاكم إلى تمديد المرحلة الانتقالية، يتوقع أن تعمد أحزاب المعارضة السياسية إلى العودة لتنظيم احتجاجات واسعة ضد السلطات التشادية، وهو ما ينذر بمزيد من التأزم في المشهد الداخلي، واتساع نطاق الفوضى الإقليمية.

3- انخراط مجموعات تشادية في الصراع: على الرغم من التزام تشاد، حتى الآن، بالحياد إزاء الصراع السوداني، مع مبادرة أنجمينا بغلق حدودها مع الخرطوم منذ بداية الصراع، بيد أن هناك بعض التقديرات التي رجحت إمكانية انخراط بعض المجموعات العرقية والقبلية التشادية في الحرب السودانية، لدعم حلفائها الإقليميين في هذا الصراع. وقد تتجه قوات الدعم السريع للاستعانة بحلفائها في الداخل التشادي، وذلك من خلال تجنيد أبناء القبائل التشادية التي تمثل امتداداً لها، وذلك لدعم صفوفها في القتال الجاري ضد الجيش السوداني.

وفي الختام، تتبنى تشاد، حتى الآن، موقفاً حيادياً تجاه طرفي الصراع السوداني، وتسعى إلى التوصل إلى تسوية بين طرفي الصراع في السودان، والعمل على تعزيز تعاونها مع فرنسا والولايات المتحدة لضمان عدم تمدد الصراع السوداني إلى الداخل التشادي، أو استفادة حركات المعارضة المسلحة من الاضطرابات الحالية في السودان للحصول على السلاح والدعم الخارجي.