ما بعد النفط.. فرص الاستثمار التعديني في الخليج

04 June 2022


تبحث دول العالم دائماً عن البدائل المُتاحة لزيادة حجم الإيرادات الحكومية وتنويع اقتصاداتها، وهنا تعمل الدول على استغلال الثروات الطبيعية التي تتمتع بها وتتوافر لديها. وتعد الثروات المعدنية من بين الموارد التي تسعى الدول للتنقيب عنها داخل أراضيها، وتوفير الإمكانيات كافة والدعم اللازم للشركات لاستخراج هذه المعادن والاستفادة القصوى منها. وفي هذا الصدد، يحاول هذا المقال تسليط الضوء على الثروات المعدنية في دول مجلس التعاون الخليجي، وكيفية توظيفها من جانب هذه الدول لتنويع اقتصاداتها، والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. 

ريادة غربية:

عند النظر إلى الدول الرائدة في موارد التعدين في العالم، بناءً على قيمة الموارد الطبيعة في عام 2021؛ تأتي روسيا في المقدمة، حيث احتفظت بموارد طبيعية تُقدر قيمتها الإجمالية بنحو 75 تريليون دولار أمريكي، ويتضمن هذا الرقم قيمة الموارد الطبيعية التي تشمل الفحم والنفط والغاز الطبيعي والذهب والأخشاب والمعادن الأرضية النادرة. وتليها الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثاني عالمياً بقيمة سوقية تتجاوز 45 تريليون دولار، ثم المملكة العربية السعودية بقيمة تتجاوز 34 تريليون دولار. 

لكن بالنظر لحجم الإنفاق العام الحكومي على قطاع التنقيب في عام 2021، فقد بلغ في كندا نحو 800 مليون دولار، وفي أستراليا 531 مليون دولار، والولايات المتحدة الأمريكية نحو 345 مليون دولار. 

دوافع خليجية:

تكشف الخريطة الجيولوجية لمنطقة الخليج العربي عن احتوائها على العديد من الثروات الطبيعية سواء كانت في باطن الأرض أو على سطحها، وقد تزايد اهتمام حكومات دول الخليج باستغلالها في الفترة الأخيرة. ومع الدعوات من قِبل المنظمات الدولية والحكومات للحد من انتشار الكربون والاعتماد على الطاقة النظيفة، وغيرها من القرارات التي من شأنها الحد من استخدامات النفط؛ كان على دول الخليج البحث عن مصادر أخرى متجددة وغير متجددة للتجهيز لمرحلة ما بعد النفط.

وتسعى دول الخليج لتطوير القطاع التعديني لديها، خصوصاً مع التذبذب في أسعار النفط خلال السنوات الماضية، والذي يعد المصدر الرئيسي للإيرادات لديها. وتعمل هذه الدول على مرحلة اقتصاد ما بعد النفط، والقائم على الموارد غير النفطية. وعند النظر إلى خطط دول الخليج للنهوض بالقطاع التعديني، نجد تشريعات ولوائح قد تم سنها في السنوات الأخيرة من أجل النهوض بهذا القطاع.

كما تمت دعوة الشركات المحلية والعالمية للمشاركة مع القطاع الحكومي للاستفادة من الثروات الطبيعية التي تزخر بها أراضي الخليج. فالقطاع التعديني في هذه المنطقة كان معتمداً إلى حد كبير على استخراج النفط، من دون الاهتمام بالثروات الأخرى التي أصبحت ذات قيمة كبيرة، خصوصاً مع مشكلات سلاسل الإمداد التي يعيشها العالم حالياً في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية.

تحركات إماراتية:

تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الثروة المعدنية على أنها "كنز استراتيجي"، وفق ما صرح به الوكيل المساعد لقطاع البترول والغاز والثروة المعدنية بوزارة الطاقة والبنية التحتية في الدولة، أحمد محمد الكعبي، في فبراير الماضي، معتبراً إياه ركيزة أساسية في تطوير الاقتصاد الإماراتي وتنويعه في مرحلة ما بعد النفط، حيث يمكن أن يقوم عليها عدد من الصناعات الأساسية مثل مواد البناء حالياً ومستقبلاً. 

وتستعد الإمارات لإطلاق استراتيجية متكاملة لقطاع التعدين في الفترة المقبلة، من أجل تعظيم استغلال الثروات التعدينية لديها من الحجر الجيري والبازلت وصخور الدولوميت وغيرها. فيما تستهدف الخطة التشغيلية لوزارة الطاقة والبنية التحتية تحقيق 7 أهداف استراتيجية، من بينها تنظيم وتنمية قطاع الطاقة والمياه والتعدين بما يضمن أمنه واستدامته. وتندرج تحت هذا الهدف عدة مبادرات تعمل على تعزيز القطاع التعديني، مثل مبادرة إدارة المعرفة والمعلومات الإحصائية. والأخيرة ترتكز على 5 أنشطة، أبرزها تطوير قاعدة البيانات الجيولوجية والتعدينية وإعداد التقارير الدورية في مجال البترول والتعدين.

علاوة على ذلك، تم إصدار أول كتاب مرجعي باللغة العربية عن التطور الجيولوجي لدولة الإمارات خلال أكثر من 600 مليون سنة، إضافة إلى إصدار أول أطلس للصخور والمعادن في الدولة باللغتين العربية والإنجليزية والذي يعتبر بمنزلة دليل استرشادي للمستثمرين والباحثين ويوفر لهم المعلومات الفنية والإرشادية مع توضيح الفرص الاستثمارية المُحتملة في الدولة.

خطط السعودية وعُمان:

تسعى دول أخرى في الخليج مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، لتعظيم الاستفادة من ثرواتها المعدنية. وبالنسبة للسعودية، فتلعب وزارة الطاقة والثروة المعدنية دوراً مهماً في رسم السياسات العامة والاستثمارية للقطاع التعديني في المملكة، ولدى الوزارة خطة واضحة تتوافق مع "رؤية المملكة 2030" لتحسين دور القطاع التعديني في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للسعودية.

وعند النظر إلى حجم المواقع المُستكشفة في السعودية، فإنها وصلت إلى 5300 موقع، وتُقدر قيمتها بنحو 5 تريليونات ريال سعودي، من بينها الفضة والذهب والنحاس والزنك والفوسفات والجرانيت. بينما بلغت الصادرات السعودية من المعادن نحو 26 مليار ريال سعودي (7 مليارات دولار) في عام 2021، ووصلت مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي 64 مليار ريال سعودي (17 مليار دولار) في العام نفسه، فيما بلغ عدد الرخص التعدينية الممنوحة حتى مارس الماضي نحو 2054 رخصة.

وعلى صعيد مؤشرات قطاع التعدين في سلطنة عُمان، فقد وصل إجمالي الإنتاج من المعادن إلى ما يزيد عن 60 مليون طن بقيمة اقتصادية قدرها 230 مليون ريال عُماني (600 مليون دولار)، وهذا يعزز اهتمام السلطنة بقطاع التعدين والذي يعمل فيه ما يزيد على 4248 عاملاً بإجمالي 22 رخصة ما بين الرخصة التنقيبية والتعدينية الدائمة.

وبشكل عام، هناك اهتمام متزايد من جانب دول مجلس التعاون الخليجي بقطاع التعدين، حيث يوجد اتجاه واضح لدى الحكومات لوضع استراتيجيات عامة ومبادرات مستقبلية لتطوير هذا القطاع، وتشجيع الشركات للبدء في اكتشاف الثروات الطبيعية التي تحتويها المنطقة، في إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. 

شراكة فعّالة:  

ثمة تساؤل حول مدى استعداد الشركات الخاصة للتعاون مع القطاع الحكومي في دول الخليج لتنشيط قطاع التعدين الذي يعد في مراحله الأولية. وقد نرى خلال المرحلة المقبلة تعاوناً كبيراً بين الشركات المحلية والقطاع الحكومي من خلال المشاركة في عقود public–private partnership (PPP)، والتي لاقت نجاحاً في العديد من القطاعات مثل التشييد والبناء وغيرها، ومن الممكن أن تتوسع دائرة العقود لتشمل عقود الخدمة، والإدارة، والتأجير، والامتياز، والمشاريع المشتركة.

ومستقبلاً، يمكن أن نرى دوراً مهماً للشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي في تنمية قطاع التعدين، وهو اتجاه سيتكرس بوضوح في منطقة الخليج مع سن قوانين ولوائح تنظيمية تُسهل عمليات البحث والتنقيب، وكذلك إعادة التدوير للمعادن والمنتجات المعدنية، وتوفير قواعد بيانات مُحدثة عن القطاع، وتسهيل إجراءات الحصول على التراخيص.

وكخطوة في هذا الاتجاه، بدأت حكومات دول الخليج في تعديل الخطط الاستراتيجية، والبدء في الاستفادة من حجم الثروة المعدنية الموجودة لديها، وتنفيذ مبادرات من شأنها المسح الجيولوجي للمنطقة وإطلاق المنصات الوطنية للمعلومات الجيولوجية والتي من شأنها مساعدة الباحثين والمُستثمرين وتشجيعهم على الدخول في هذا القطاع من خلال سن القوانين الاستثمارية وغيرها من الأمور الداعمة لهم. 

على جانب آخر، يمكن أن يكون للشركات التقنية الناشئة دور جوهري في المرحلة المقبلة من خلال مساعدة الشركات الدولية والحكومات على توفير أدوات تقنية حديثة تُسهل من عمليات البحث والتنقيب، وكذلك في مرحلة ما بعد الاستخراج، وإعادة التدوير. 

الخلاصة، يمكن القول إن قطاع الثروة التعدينية في دول الخليج لديه فرصة كبيرة للمنافسة عالمياً، والاستحواذ على حصة ليست بالقليلة من أسواق إنتاج وتصدير المعادن على المستوى العالمي. إذ إنه بإمكان منطقة الخليج أن تصبح مركزاً لوجستياً لقطاع المعادن، على نحو سوف يُعزز النشاط الاقتصادي بها، علاوة على معالجة مشكلات سلاسل الإمداد التي يعانيها العالم حالياً في مجال المواد الخام المعدنية؛ بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية.