الدفاع المشترك:

ركائز تفعيل القيادة العسكرية الخليجية الموحدة

11 February 2015


إعداد: باسم راشد

منذ أن اتخذ مجلس التعاون لدول الخليج العربية خطوة غير مسبوقة في قمته الـ34، التي عُقدت بمدينة الكويت في ديسمبر 2013، بإنشاء قوة عسكرية مُوَّحدة ومشتركة بين الدول الأعضاء بهدف تعزيز الأمن الجماعي للإقليم؛ تتواصل الجهود نحو محاولة تكريس هذا الواقع الخليجي الجديد، الذي سوف يساهم في تعزيز الأمن الإقليمي، خصوصاً في ضوء ما سبقه من قرار تشكل قوة تدخل سريع خليجية في قمة الكويت عام 2009.

ومن المقرر أن تنسق الدول الأعضاء فيما بينها بشأن القوة العسكرية بجميع مشتملاتها (القوات التي تعمل على الأرض، والقوات الجوية، والقوات البحرية) ووضعها تحت هيكل واحد مشترك. ويقول وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة في هذا الصدد: "علينا أن نُنشئ قيادة مركزية تنسِّق بين كل القيادات الفرعية وتجعلهم يعملون تحت مظلة واحدة، لكن هذه القوة الموحدة الجديدة لن تحل محل قوات درع الجزيرة".

لذا، تكمن الأهداف الأساسية المنوطة بتلك الوحدة الجديدة في توفير القيادة الاستراتيجية والعملياتية لكل مهام دول مجلس التعاون، كذلك من المتوقع أن تضم تلك الوحدة الحد الأدنى من قوات المشاة والقوات الجوية والبحرية، بالإضافة إلى نظام استخباراتي مشترك، ونظام صاروخي متكامل لتنفيذ العمليات الضرورية ومهام "بعثات السلام".

في هذا الإطار، نشر "معهد بحوث السياسة الخارجية" (FPRI) الأمريكي دراسة تحت عنوان: "القيادة العسكرية المُوَّحدة لمجلس التعاون الخليجي" أعدها براهيم سعيدي Brahim Saidy، الأستاذ المساعد في قسم الشؤون الدولية بكلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، واستعرض خلالها الإنجازات التي تم تحقيقها في مجالات الدفاع بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما سلط مزيداً من الضوء على هذه القوة المقترحة من حيث المهام التي تقوم بها، والاستراتيجية الحاكمة لها، وكذلك هيكلها الداخلي، بالإضافة إلى التحديات السياسية التي قد تواجهها مستقبلاً.

استراتيجية ومهام القيادة العسكرية الخليجية الموحدة

أشار "سعيدي" إلى أن الاستراتيجية الناجحة والفعَّالة للقيادة العسكرية الموحدة يجب أن تعتمد على أمرين؛ وهما التفكير الابتكاري، والتزام دول مجلس التعاون الخليجي بالعمل على تكييف هياكل القوة الخاصة بهذه الدول لتحقيق مزيد من التعاون والتدريب والتعليم المستمر مع الجيوش الوطنية لدول المجلس الست.

ولتحقيق هذه الأغراض، يجب أن تتوفر للاستراتيجية القدرة على تجميع القوات البحرية والجوية والأرضية والأنظمة الاستخباراتية مع بعضها، وأن تتعامل مع الموضوعات الأمنية غير التقليدية، إلى جانب ضرورة تقييم كل شيء في هذا الإطار طبقاً لما يحققه من فائدة لهذه القيادة العسكرية فيما يتعلق بقدرتها على تحقيقي الأمن الإقليمي، وللتأكد من أن كل دولة من دول الخليج ستزداد استفادتها كلما ازدادت قواتها التشغيلية المتبادلة.

ويؤكد الكاتب أنه ينبغي أن تقوم تلك القوة الموحدة الجديد ببعض المهام الأولية، لعل من أبرزها:

  • الدفاع عن أراضي الدول والحفاظ على سلامتها.
  • توفير الحماية للمواقع السياسية والاقتصادية؛ بما فيها حقول الغاز والبترول وخطوط الأنابيب.
  • تحقيق الأمن ضد التهديدات غير التقليدية.
  • التدريب على مهام المراقبة البحرية.
  • إنشاء منطقة دفاع جوي للسيطرة على الفضاء الجوي ومواجهة الأخطاء التي قد تأتي منه.
  • تطوير القدرات التشغيلية المتبادلة وخطط الدفاع المشترك.

وتشير مسيرة التعاون الدفاعي لدول مجلس التعاون الخليجي، بداية من إنشاء قوات درع الجزيرة 1982 حتى القرار الأخير بإنشاء قيادة أو قوة عسكرية موحدة، إلى أن دول الخليج تسعى لإنشاء حلف عسكري، ولذا فإن أعضاء الحلف العسكري يمكنهم فقط العمل بشكل أكثر فعَّالية في حالة وجود مستوى معين من "التشغيل المتبادل" Interoperability لتحقيق التعاون السلس فيما بينهم.

ولمزيد من التوضيح، فإن مفهوم "التشغيل المتبادل" طبقاً لتعريف حلف الناتو يشير إلى "قدرة المنظمات العسكرية المختلفة على إجراء عمليات مشتركة، وقد تكون تلك المنظمات من جنسيات مختلفة أو أسلحة مختلفة؛ كالسلاح الجوي أو المشاة أو البحرية أو غيرها، بيد أن التشغيل المتبادل يتيح الفرصة لجميع القوات والوحدات والأنظمة للعمل سوياً، وتبادل المعلومات والقواعد العسكرية المختلفة وغيرها".

الجديد في الأمر أن هذا المفهوم توسع ليشمل أربعة مستويات أساسية من التعاون والتشغيل المتبادل وهي: (الاستراتيجي – العملياتي- التكتيكي – التكنولوجي)، ولذا تحتاج القوة الموحدة لدول المجلس أن تنمي التعاون المتبادل على تلك المستويات الأربعة بما يحقق الأمن لكل الدول.

ويُقترح في هذا الإطار، كما حدث مع تجربة حلف الناتو، أن يتم تشكيل لجنة مشتركة من الدول الأعضاء تجتمع بشكل منتظم للتركيز على طرق تطوير التعاون المشترك الفوري بكل مشتملاته، كخطوة أولى لتفعيل مزيد من التعاون.

كذلك، فإن الدول الخليجية أجرت عمليات مشتركة مع العديد من الشركاء الأجانب كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وبالتالي لديها القدرة على التعامل مع أكثر أدوات المعارك الحربية تطوراً، ويمكن تنسيق بعض العمليات والتدريب والتعلم مع تلك الدول للاستفادة من خبرتها، خاصةً في ظل تنامي الاتفاقيات العسكرية بين بعض دول مجلس التعاون وبين الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلا أن ثمة مشكلة تبرز في هذا الصدد، وهي اللغة المشتركة المستخدمة داخل القيادة العسكرية الموحدة، فإذا كانت اللغة العربية هي المستخدمة في وحدات جيوش دول مجلس التعاون المختلفة، فإنها ربما تمثل مشكلة حقيقية لدى التعامل مع دولة أجنبية، خاصةً إذا كانت هناك متطلبات غير متوقعة لإحدى العقائد العسكرية أو القطع الحربية المستخدَمَة.

وفي السياق نفسه، أشار الكاتب إلى أن أهم العناصر التي يجب أن تتضمنها الاستراتيجية هو وجود نظام تخطيط دفاعي مشترك، بما لا يتعدى على سيادات الدول، ويضمن وجود إطار عام مشترك لتكييف السياسات الدفاعية القومية. ويضم التخطيط الدفاعي أشكالاً عديدة ومتنوعة من التعاون مثل مشتريات الأسلحة والتعليم والتدريب والاستخبارات والدعم الطبي والبحثي والأبعاد التكنولوجية. ولذلك يقترح الكاتب تشكيل لجنة تسمى "لجنة سياسات الدفاع والتخطيط" (DPPC) على غرار الناتو، والتي من شأنها أن تجلب خبراء مدنيين وعسكريين للمساهمة معاً في عملية صنع القرار، على أن تُعطى أولوية عملها لبعض المجالات خلال السنوات الخمس القادمة؛ وهي: 1- تطوير برامج وخطط التسليح المشتركة، 2- التدريب والتعليم، 3- التعاون مع الشركاء الأجانب.

التحديات السياسية للقيادة العسكرية الموحدة

تواجه تلك القوة الجديدة بعض التحديات السياسية المرتبطة بتقدير دول المجلس للتهديدات الحالية، ويمكن تصنيف تلك التحديات – طبقاً لما ورد في الدراسة - في العناصر التالية:

1- صعوبة التوافق حول التهديدات؛ فلا يمكن لاستراتيجية القوة العسكرية الموحدة أن تنجح بكفاءة عالية إلا في ظل توافق وإجماع على طبيعة التهديدات وحجمها ومدى خطورتها من جانب جميع الدول الأعضاء، وهو ما يصعب تحقيقه في مجالات التعاون الدفاعي المشترك كافة، حيث تختلف بالقطع مصالح الدول نسبياً، خصوصاً في ظل ارتباط بعض دول الخليج باتفاقيات ثنائية مع قوى دولية لتحقيق أغراض الدفاع.

2- الحساسيات السياسية؛ إذ تجدر الإشارة إلى أن الخلافات السياسية التي كانت سائدة لبعض الوقت بين قطر وبعض دول مجلس التعاون الخليجي كان لها انعكاس قوي وواضح على التعاون العسكري؛ إذ كان هناك خلافات حول مجموعة من الموضوعات ذات الشأن الإقليمي؛ كان في مقدمتها الموقف من جماعة الإخوان المسلمين. (المحرر: بدأت تقل كثيراً حدة هذه الخلافات عقب القمة الخليجية الـ 35 التي عقدت بالدوحة يوم 9 ديسمبر 2014، وذلك عقب المصالحة التي تمت بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى).

الآثار الاستراتيجية للقيادة الجديدة على توزان القوى الإقليمي

أشار الكاتب إلى أن قرار تأسيس قيادة عسكرية موحدة من جانب دول مجلس التعاون الخليجي لن يمر من دون ملاحظة من جانب القوى الخارجية التي ستتفرغ لقياس آثاره الاستراتيجية على توازن القوى بالإقليم، خصوصاً هؤلاء الفاعلين المحوريين المرتبطين بالإقليم والمتفاعلين معه بقوة، ويتضح ذلك في التالي:

1- بالنسبة لإيران، فإن تأسيس تلك القيادة سيقلل من اعتماد دول الخليج على القوى الغربية، ولا يوجد تصريح رسمي من جانب إيران بشأن هذا الأمر، وهو ما قد يُفهم بأنه عدم اعتراض على تعزيز التعاون الدفاعي بين دول المجلس، بل إن جُلَّ اهتمام طهران هو إبعاد القوى الغربية عن الإقليم. ويبدو أن الفكر الاستراتيجي الإيراني يعتبر أمر القيادة العسكرية الجديدة بمنزلة خطوة لتقليل تواجد القوات الأجنبية في المنطقة، وبالتالي فهو لا يمثل تهديداً بالنسبة إليها.

2- بشأن إسرائيل، فإن تأسيس تلك القيادة الخليجية سيحقق توازناً أمام التهديد الإيراني، فالتخوف الإسرائيلي الأكبر في المنطقة يتمثل في إيران، نظراً لامتلاكها برنامجاً نووياً قد يهدد الوجود الإسرائيلي، بالإضافة إلى أنه لا تربط إسرائيل علاقات رسمية مع أيٍ من دول مجلس التعاون الخليجي الست، وبالتالي فإن هذا يؤشر إلى أن العقلية الإسرائيلية لا ترى تأسيس قوة عسكرية موحدة من دول الخليج قد يمثل تهديداً لها، بل من المرجح أن ترحب ضمنياً بهذا الأمر كأداة ردع إضافية للتهديد الإيراني.

3- استجابة الولايات المتحدة، إذ ترتبط واشنطن بعلاقات قوية مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أصبحت واشنطن هي الضامن الأساسي لأمن الخليج بعد انسحاب بريطانيا من الإقليم. وقد جاءت استجابة الولايات المتحدة لهذه القوة الخليجية المقترحة واضحة في تصريح على لسان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، والذي اعتبر فيه أن القيادة العسكرية الخليجية الموحدة تمثل شريكاً مؤهلاً للمبيعات العسكرية الخارجية، بالإضافة إلى أن واشنطن تسعى إلى تفعيل التعاون بينها وبين القيادة الجديدة من أجل دحر أي تهديدات للإقليم.

والخلاصة أنه في حين لم يبدِ المسؤولون الأمريكيون اعتراضاً على القوة العسكرية الجديدة، إلا أنهم مهتمين بما يمكن أن يعكسه ذلك على القيادة العالمية للولايات المتحدة، كما أنهم يرون أيضاً ضرورة تدعيم وتعزيز قدرات القيادة الجديدة لمواجهة التهديد الإيراني في الإقليم.

خلاصة القول، إنه على الرغم من تلك التحديات المتعددة، فإن طموحات دول مجلس التعاون الخليجي بشأن تحقيق آلية دفاعية مشتركة تعد جوهرية، لكنها لاتزال مرهونة بالعمل على تعميق التوافق على طبيعة التهديدات التي تواجه أمن الإقليم، وكذلك الاتفاق على الأولويات والمهام التي ينبغي أن تقوم بها القوة العسكرية الجديدة في المستقبل بما يحقق أمن الإقليم ويحافظ في الوقت ذاته على سيادة دول مجلس التعاون الخليجي.

* عرض موجز لدراسة تحت عنوان: "القيادة العسكرية المشتركة لمجلس التعاون الخليجي"، المنشورة في أكتوبر 2014 عن معهد بحوث السياسة الخارجية، وهو منظمة بحثية أمريكية غير ربحية تعمل على جمع رؤى الباحثين لتطوير السياسات المعززة للمصالح القومية الأمريكية.

المصدر:

Brahim Saidy, The Gulf Cooperation Council’s Unified Military Command, Philadelphia Papers  . No 6 (Philadelphia, Foreign Policy Research Institute "FPRI", October 2014).