تراكم الخلافات:

تأثير مقتل قائد "حراس الدين" على المواجهة مع "هيئة تحرير الشام"

24 December 2019


شهدت محافظة إدلب السورية في الفترة الأخيرة تصاعداً في حدة التوتر بين "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "حراس الدين"- ذراع تنظيم "القاعدة" في سوريا- على خلفية إقدام مجموعة تنتمي للتنظيم الأخير على اختطاف أمير قاطع محمبل القيادي في "الهيئة" واقتياده إلى جهة مجهولة، في 12 ديسمبر الجاري، رداً على اعتقال الأخيرة لعدد من عناصره عند حاجز باتبو شمال المحافظة. وسرعان ما تطور الأمر إلى اندلاع مواجهة مباشرة بين الطرفين خلال مداهمة قوة من عناصر "الهيئة" لمقر تابع لـ"حراس الدين"، على نحو يوحي بأن ملف إدلب سوف يعود من جديد إلى صدارة المشهد السوري خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد مقتل قائد التنظيم الأخير بلال خريسات الملقب بـ"أبو خديجة الأردني"، في 22 ديسمبر الحالي، بواسطة طائرة من دون طيار تابعة لقوات التحالف الدولي، بشكل ربما يدفع التنظيم إلى تعزيز نشاطه من أجل توجيه رسالة إلى الأطراف المعنية بأن ذلك لم يؤثر على تماسكه الداخلي أو على مساعيه للتمدد خارج مناطق نفوذه. 

تغييرات تكتيكية:

لا تبدو الخلافات بين "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) وتنظيم "حراس الدين" (ذراع تنظيم "القاعدة" في سوريا) ثانوية، إذ أنها، حسب اتجاهات عديدة، أشبه بالخلاف بين الأصل والفرع، حيث تكون التنظيم الأخير بشكل أساسي من مجموعة من العناصر المنشقة عن "الهيئة" بعد فك ارتباطها بـتنظيم "القاعدة" في عام 2016، متخذاً مسمى جديداً هو "حراس الدين" الذى يوصف بأنه أحد "التنظيمات القاعدية المُقنَّعة"، ويقصد بها تلك التنظيمات التي تتبع "القاعدة" تحت مسميات مغايرة، على غرار "أنصار الشريعة" فى اليمن وليبيا، و"عقبة بن نافع" في تونس، وهى آلية دائماً ما تستند إليها التنظيمات الإرهابية للتعامل مع الضغوط التي تتعرض لها، والتي تفرضها الضربات التي توجه لها من قبل قوى معنية بالحرب ضد الإرهاب أو المنافسة مع التنظيمات الأخرى.

 وبعبارة أخرى، فإن هذه التنظيمات تلجأ لمثل تلك المسميات من أجل نفى شبهة علاقتها بـ"القاعدة" وتقليص احتمالات التعرض لضربات مبكرة، خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حتى تتمكن من بناء قوتها التنظيمية وتعزيز تماسكها الداخلي من ناحية، وتتجنب الاصطدام بالمجموعات الإرهابية الأخرى المناوئة لـ"القاعدة" من ناحية أخرى، لاسيما وأن تلك المسميات توحي للوهلة الأولى بأنها تنظيمات جهادية مستقلة.

أسباب مختلفة: 

يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى نشوب صراع قوي ومباشر بين "هيئة تحرير الشام"- صاحبة النفوذ الأكبر في إدلب- وتنظيم "حراس الدين" الموالي لتنظيم "القاعدة"، تتمثل في: 

1- صعوبة السيطرة على التنظيم: لم يكن الصدام الأخير بين "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" هو الأول من نوعه، وإنما سبقته مواجهات عديدة، على غرار تلك التي نشبت في 29 سبتمبر الماضي، عندما قام بعض عناصر "الهيئة" باعتقال ثلاثة من عناصر "حراس الدين" عند أحد الحواجز الأمنية التابعة لـلأولى، على نحو دفع الأخير إلى شن هجمات ضد مواقعها، بهدف توجيه رسالة إليها بأن السيطرة عليه تواجه صعوبات عديدة، بعد أن أصبح يمثل رقماً في المعادلة الأمنية داخل محافظة إدلب. ومن هنا، اتجهت "الهيئة" إلى توسيع نطاق المواجهة معه عبر شن حملة إعلامية لتشويه ما أسمته "التنظيم المتمرد"، وهو ما يزيد من احتمالات إقدام الهيئة على شن مزيد من الضربات الاستباقية ضد التنظيم. وربما تحاول استغلال مقتل قائده لدعم فرص حدوث انشقاقات داخله بشكل يمكن أن يؤدي إلى إضعافه وانضمام عناصره إليها من جديد.

2- تعزيز النفوذ: كشف إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، فى 13 سبتمبر الماضي، عن مكافأة قدرها 5 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تحديد هوية ثلاثة من كبار قادة تنظيم "حراس الدين"، مدى الخطورة التي يفرضها نشاط هذا التنظيم، الذي بات يحظى باهتمام خاص من جانب القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب، على نحو يمكن أن يثير قلق "الهيئة" التي تسعى باستمرار إلى الاحتفاظ بصدارة التنظيمات الإرهابية في إدلب، بشكل ربما يدفعها إلى التحرك من أجل تحجيم نفوذه ومنعه من التمدد في المناطق التابعة لها.

3- تباين الأهداف التنظيمية: ربما يساهم اتجاه تنظيم "حراس الدين" إلى محاولة التمدد داخل العراق، بهدف توسيع نطاق نفوذه واستقطاب العناصر التي تنتمي إلى تنظيم "القاعدة"، في اتساع نطاق التوتر مع "هيئة تحرير الشام". وقد كشفت تقارير عديدة عن أن التنظيم انضم لما يسمى بـ"الجيش النقشبندي" الذي يتمركز في شمال محافظة صلاح الدين.

ومن دون شك، فإن ذلك يمكن أن يساعد الأول في تعزيز قدراته العسكرية والبشرية، والحصول على مصادر جديدة للتمويل، بشكل قد يخصم من قدرة الأخيرة على تكريس نفوذها داخل إدلب خلال المرحلة القادمة. وبمعنى آخر، فإن "الهيئة" تسعى في الوقت الحالي إلى منع التنظيم من التحول إلى مجموعة إرهابية عابرة للحدود، على أساس أن ذلك يمثل آلية يمكن أن يستخدمها، خلال مرحلة لاحقة، في تهديد سيطرتها على مناطق نفوذها الحالية.

وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن تكوين فرع للتنظيم في دولة أخرى سوف يمثل متغيراً شديد التأثير في معادلة التوازن مع "الهيئة"، باعتبار أن افتقاد الأخيرة للقدرة على التمدد خارج سوريا سوف يفرض عقبات أمام مساعيها لاستقطاب العناصر الإرهابية الأجنبية، التي تتجه، بشكل ملحوظ، للانضمام إلى التنظيمات التي تتبنى توجهات عابرة للحدود. 

أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن المرحلة القادمة سوف تشهد سباقاً محموما بين التنظيمين من أجل تعزيز قدراتهما البشرية والعسكرية وتوسيع نطاق نفوذهما استعداداً للمواجهات التي يتوقع أن تنشب بينهما لاحقاً.