"مارشال خليجي":

كيف يتم "إعادة الأمل" لليمن اقتصادياً؟

27 May 2015


يعاني الاقتصاد اليمني من أوضاع متردية ازدادت سوءاً بشكل كبير بعد الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تشهدها البلاد منذ انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية في أواخر العام الماضي، الأمر الذي استتبعه قيام قوات التحالف بعملية "عاصفة الحزم" لاستعادة الشرعية، ثم إعلانها في 21 أبريل 2015 انتهاء هذه العملية العسكرية، وبدء عملية "إعادة الأمل" في اليمن.

وتهدف العملية الحالية إلى إعادة الأمل للشعب اليمني، من خلال الجمع بين المسار السياسي والأعمال العسكرية، وتتضمن أيضاً استمرار حماية المدنيين، ومكافحة الإرهاب، والتصدي للحوثيين، وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني في المناطق المتضررة.

وقد تزامنت هذه التطورات الميدانية مع إعلان وزير الخارجية اليمني "رياض ياسين" عن وجود مشروع يتم دراسته مع دول الخليج لإعادة إعمار وتنمية اليمن بعد أن تعود الشرعية فيه، وذلك على شاكلة مشروع "مارشال" الأمريكي الذي تم تدشينه لإنقاذ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حتى صارت أوروبا قوة اقتصادية كبرى في العالم.

واقع الاقتصاد اليمني قبل "عاصفة الحزم"

ثمة اختلالات هيكلية يعاني منها الاقتصاد اليمني تاريخياً، نتيجة اندماج اقتصاد دولتين وقيام دولة واحدة عام 1990، حيث ورثت "دولة الوحدة" مشاكل الاقتصاد الرأسمالي لشمال اليمن ومشاكل الاقتصاد الاشتراكي لجنوب اليمن. وقد فاقم من عمق مشاكل اقتصاد "دولة الوحدة" قيام الحرب اليمنية عام 1994، والتي زادت من حجم الديون الخارجية، فضلاً عن هروب الاستثمارات، وارتفاع العجز في ميزان المدفوعات، وزيادة مستوى التضخم، وخفض مستويات المعيشة للمواطن اليمني.

ولم تستطع الحكومات اليمنية المتعاقبة القيام بإصلاحات اقتصادية ناجزة، نظراً لتوهمها نجاح خططها بسبب التحسن الوهمي الذي طرأ على الاقتصاد نتيجة للإيرادات النفطية، فلم يكن النمو مُرتبطاً بسياسة إنتاجية مُستدامة بل بريع نفطي مؤقت، حيث يُشكل قطاع الطاقة اليمني نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 70% من إيرادات الحكومة، و90% من صادرات البلاد.

كما شهد الاقتصاد اليمني العديد من الصدمات التي شكلت تهديداً كبيراً له بعد عام 2011، نتيجة هروب رؤوس الأموال وتراجع النشاط التجاري والصناعي وتدهور القطاع الاستثماري، إضافة إلى البيئة الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تشكل عاملاً طارداً للاستثمارات الأجنبية والمحلية.

ويمكن القول إن الاقتصاد اليمني تعرض إلى عملية من التخريب الممنهج حتى بات بالفعل في مهب الريح، حيث سقط في قبضة شبكة مُعقدة ومُتداخلة من النخب التي تسيطر على القطاع النفطي، وبعض هذه النخب يعتبرون فاعلون أساسيون في الأزمة الراهنة، إذ أصبح الاقتصاد مُكبلاً بهموم وأعباء اقتصادية صعبة جداً، وهو ما يظهر في المؤشرات الاقتصادية المختلفة، حيث:

  • أدى الوضع الأمني المتدهور إلى خسائر في الموازنة العامة تقدر بنحو 7 مليارات دولار.
  • تراجعت الإيرادات النفطية في نهاية عام 2014 بنحو مليار دولار وبنسبة انخفاض بلغت 37%، حيث قُدرت العوائد بـ 1.6 مليار دولار مقارنةً بـ 2.6 مليار دولار في نهاية عام 2013.
  • تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي في نهاية عام 2014 بنسبة 12.8%، ليصل إلى 4.6 مليار دولار، وواصل تراجعه للشهر السادس على التوالي ليصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق حالياً، حيث لا يتعدى 4.3 مليار دولار، وهو ما لا يكفي تغطية الواردات اليمنية إلا لأربعة أشهر فقط.
  • تزايد عجز الموازنة العامة بنحو 679 مليار ريال في موازنة عام 2014 بنسبة تتجاوز 8.24%، وذلك نتيجة لانخفاض موارد الدولة مقابل 7.8 % عام 2013.
  • خسر الاقتصاد اليمني 4.7 مليار دولار سنوياً بسبب التهرب الضريبي.
  • ارتفع معدل التضخم ليصل إلى نسبة 9% عام 2014، كما زاد معدل السكان بنسبة 3%.
  • ارتفع معدل البطالة تصاعدياً من 25% قبل عام 2011 ليصل إلى 33% عام 2011، وصولاً إلى 44% عام 2014، ويتوقع وصوله إلى 60% بنهاية العام الحالي.
  • يقل دخل 50% من اليمنيين عن 1 دولار فقط يومياً، وتصاعدت نسبة الفقر؛ حيث أشارت اليونيسيف في فبراير2015 إلى أن 60% من عدد السكان البالغ 26 مليون نسمة يقعون تحت خط الفقر.
  • توقف المساعدات الدولية والاستثمارات الأجنبية، وفيما يلي عرض لهذين العنصرين بشيء من التفصيل:

1- هروب الاستثمارات الأجنبية:

خرجت شركات النفط الأجنبية الكبرى العاملة في اليمن منه نتيجة للاضطرابات السياسية، كما خسر اليمن استثمارات سعودية بقيمة 4 مليارات دولار، حيث توقف أكثر من 100 مشروع استثماري سعودي نتيجة للأحداث الأخيرة. وتُمثل الاستثمارات الخليجية الحكومية والخاصة 70% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في اليمن، ولذلك فإنه من المتوقع أن يسجل الاقتصاد اليمني نمواً سلبياً يتجاوز -12% خلال العام الحالي.

2- توقف المساعدات:

أقدمت العديد من الجهات المانحة على التوقف عن تقديم الدعم المُتفق عليه، نتيجة للظروف السياسية والأمنية المتردية لليمن، حيث سبق وأن تم التعهد خلال مؤتمري الرياض ولندن للمانحين عام 2012 بتقديم 7.9 مليارات دولار، لم تتلقى منها اليمن سوى 60% حتى الآن.

وأعلن البنك الدولي عن تعليق عملياته في اليمن، وكان يمول البنك 35 مشروعاً بقيمة 1.1 مليار دولار، كما لم يصرف البنك الدولي سوى 27 مليون دولار فقط من جملة تعهدات إضافية لليمن خلال العامين الماضيين بقيمة 269 مليون دولار.

ومن المتوقع أن يؤدي وقف تقديم المنح والمعونات إلى آثار كارثية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، وتصاعد مستويات الفقر والبطالة، حيث أشارت دراسة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن شح التمويلات الخارجية سوف يتسبب في استمرار تأثر ما يزيد على 10.5 مليون يمني بانعدام الأمن الغذائي، وسيُصاب نحو 850 ألف طفل تحت سن الخامسة بسوء التغذية الحاد، وحرمان أكثر من 8.4 مليون فقير من الرعاية الصحية الأساسية ونحو 13 مليوناً آخرين من مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.

"إعادة الأمل" والاقتصاد اليمني

إن التزام دول "عاصفة الحزم" بإنقاذ اليمن عسكرياً يعني التزامها لاحقاً بدعمه وإنقاذه اقتصادياً وتنموياً. وقد أكدت عملية "إعادة الأمل" على تكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني، وإفساح المجال للجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية.

وواكب "إعادة الأمل" الإعلان عن "خطة مارشال خليجية" لإعادة البناء الاقتصادي لليمن؛ فقد كشف وزير الخارجية اليمني رياض ياسين في 19 أبريل الماضي عن خطة أطلق عليها اسم "مشروع سلمان التطويري لليمن"، مشيراً إلى أن المشروع بدأت بوادره بموافقة الملك سلمان بن عبدالعزيز على تقديم 274 مليون دولار من المساعدات للشعب اليمني، وأكد أنه تم تخصيص 8 مليارات دولار لتنمية اليمن جاءت أغلبها من دول الخليج، وتُعد السعودية هي أكبر المساهمين.

وفي إطار جهود دعم الاقتصاد اليمني، تم اتخاذ الترتيبات والمبادرات التالية:

1- عقدت اللجنة الفنية المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن اجتماعاً استثنائياً في 3 مايو 2015، للتأكيد على الاستجابة لاحتياجات اليمن المُلحة المتمثلة في دعم قطاع الكهرباء والمياه والخدمات الصحية.

2- خلال أعمال الاجتماع التشاوري الخامس عشر لقادة دول مجلس التعاون في الخامس من شهر مايو، أعلن الملك سلمان تأسيس مركز للأعمال الإنسانية والإغاثية لإيصال المساعدات بطريقة مُنظمة.

3- تعهّد رجال الأعمال السعوديين والمستثمرون بإعادة ضخ خمسة مليارات دولار مجدداً في اليمن كاستثمارات تنموية لإعادة الإعمار بعد العاصفة.

تحديات هيكلية لإعادة بناء الاقتصاد اليمني

رغم التفاؤل الذي بثته تلك الخطوات الخليجية، ثمة تحديات تظل قائمة لتحقيق هذه الأهداف، وفي مقدمة هذه التحديات:

  • مدى التزام المانحين بتعهداتهم، فالسعودية وحدها لا تستطيع الاضطلاع بمهمة إنهاض الاقتصاد اليمني.
  • إمكانية تحقيق تنمية متوازنة، قطاعياً ومناطقياً، للقضاء على الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.
  • استعادة دور الدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
  • وضع حد لاستهداف أنابيب النفط من خلال هيكلة قوات الجيش والأمن وإعادة انتشارها.

ولذا يؤكد الخبراء أنه كي تحقق خطة (مارشال الخليجية/مشروع سلمان التطويري) أهدافها، فإنه يُقترح البدء بالقطاعات ذات الأولوية والأسرع لاستعادة النشاط الاقتصادي، وذلك على مستويين:

1- على المستوى الاستراتيجي/السياسات:

  • التوافق على رؤية سياسية تضمن الالتزام بعدم تعميق أبعاد المشكلة الاقتصادية القائمة في اليمن.
  • تحقيق العدل الاقتصادي والاجتماعي، ومكافحة الفساد بجميع أنواعه وبناء نظام مُحكم للنزاهة.
  • تشكيل لجنة اقتصادية فنية محايدة لوضع حلول عاجلة للمشكلة الاقتصادية اليمنية، وتنفيذها.
  • تعاون المجتمع الدولي والمانحين لتنفيذ مصفوفة الحلول اللازمة وتمويلها.
  • تحقيق اليمن لقفزة نوعية بالتركيز على الاستثمار في التعليم، وبناء المؤسسات على المدى المتوسط, وتبني مشاريع اقتصادية أكثر استراتيجية على المدى البعيد.

2- على المستوى القطاعي:

يقترح أن يتم توجيه الجزء الأكبر من الخطة الخليجية إلى القطاعات اليمنية الأسرع تعافياً ونشاطاً من الناحية الاقتصادية، مثل استعادة الاستثمار الأجنبي في قطاع البترول والغاز، ثم قطاعا السياحة والخدمات، يليها قطاع الصناعة والمشروعات الصغيرة. حيث يمكن البدء في وضع آليات لتنفيذ المقترحات التالية:

  • اعتماد خطة تنموية عاجلة هدفها الأساسي زيادة التشغيل، ويتفرع منه أهداف الإنتاج والاستثمار والاستغلال الأمثل للموارد.
  • دعم قطاع الأمن والدفاع ومواجهة التحديات الأمنية، بما يساعد على عودة الاستثمارات الأجنبية خاصةً في قطاع البترول والغاز لزيادة إيرادات الدولة اليمنية بشكل سريع.
  • إيلاء الاهتمام الأكبر للمشروعات الصناعية والقطاعات كثيفة العمالة الأكثر تشغيلاً.
  • إحياء مشروعات البنية التحتية وتكثيف المخصصات المالية الموجهة إليها.
  • إعادة تنشيط قطاع السياحة واستكشاف الفرص الجديدة في هذا القطاع.
  • زيادة الاستثمارات في قطاع الخدمات، واستغلال اليمن لموقعها المُميز في الخدمات الملاحية واللوجستية.
  • تنشيط قطاع الصناعة بتوفير الأمن والاستقرار، وتحفيز دول الخليج لمستثمريها لدعم اليمن بالاستثمار فيه، ما سيترتب عليه عودة المستثمرين الأجانب في باقي القطاعات.
  • توفير فرص العمل وتنشيط القطاعات المنتجة محلياً، ودعم القدرة على المنافسة، ما يتطلب مزيداً من المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تستوعب البطالة.
  • تعزيز الارتباط الاقتصادي بين اليمن ودول الخليج، خاصةً المملكة العربية السعودية.

ختاماً، لاشك أن انقلاب ميليشيا الحوثي على الرئيس الشرعي "عبدربه منصور هادي"، قد فاقم من الوضع الاقتصادي اليمني السيئ ليصبح أكثر سوءاً. وإذا كانت "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية ومعها دول خليجية وعربية أخرى على طريق تحقيق أهدافها العسكرية باليمن، فإن عملية "إعادة الأمل" الجارية لا تقل أهمية في إطار السعي لوقف مخططات الحوثيين وداعميهم في الدخال والخارج، وتمكين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً من العودة إلى ممارسة كافة سلطاتها، وكذلك معاونة الدول الخليجية والعربية لحكومة "هادي" في إعادة بناء الاقتصاد اليمني، وتطوير بنيته التحتية ومستوى الخدمات الأساسية للشعب اليمني.