مخاوف أمنية:

تداعيات إدراج تونس بقائمة الدول المُعرَّضة لمخاطر تمويل الإرهاب

19 February 2018


يعكس القرار الذي اتخذه البرلمان الأوروبي، في 7 فبراير 2018، بإدراج تونس في قائمة الدول الأكثر عُرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، أوجه قصور عديدة تواجه نظامها التشريعي والتنظيمي في جوانب مراقبة العمليات المالية المختلفة التي يستغلها بعض الأشخاص والجهات في تمويل التنظيمات الإرهابية في شمال إفريقيا، كما يتزامن ذلك مع تصنيفها في الشهور الماضية في القائمة الأوروبية للملاذات الضريبية، قبل أن يتراجع الاتحاد الأوروبي عن هذا القرار في يناير 2018.

ويبدو أن هذه الخطوة سوف تقوض من سمعة تونس على المستوى الدولي، وعلى الأخص فيما يتعلق بنظامها المالي والمصرفي، ولكن تأثير ذلك قد لا يمتد إلى درجة تهديد الشراكة الاقتصادية لتونس مع الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، يبدو أن الأخيرة بحاجة لاستجابة سريعة للتحفظات الأوروبية والتي تتزامن مع تصاعد حدة المخاوف الدولية من احتمال عودة تنامي أنشطة التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" داخل الأراضي التونسية.

مشكلات عديدة:

رغم أن 357 برلمانيًا أوروبيًا صوتوا ضد إدراج تونس في القائمة السوداء للدول الأكثر عُرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أن ذلك لم يساهم في تجنب اتخاذ تلك الخطوة، حيث أن تونس كانت في حاجة إلى 375 صوتًا من أجل عدم تصنيفها في هذه القائمة.

وقد ألقى هذا القرار بمزيد من الضوء على المشكلات التي يواجهها النظام المالي والمصرفي في تونس، والتي أدت، حسب اتجاهات عديدة، إلى إضعاف قدرته على مواجهة عمليات غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، وهو ما انعكس في حصول تونس على مرتبة متأخرة وفق مؤشر معهد بازل للحوكمة لعام 2017، حيث حلت في المرتبة 59 عالميًا من بين 146 دولة، وذلك استنادًا لمدى جودة تشريعات وأنظمة الدولة في مجالات مختلفة أبرزها مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفيما يبدو، فإن الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطًا على تونس من أجل اتخاذ إجراءات سريعة لإصلاح نظامها التشريعي والتنظيمي بهدف مواجهة تمويل الإرهاب، في ظل المخاوف التي تبديها اتجاهات عديدة من محاولة تنظيمات إرهابية، مثل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الاستفادة من ذلك في تمويل عناصرها، وخاصة أنها تسعى، بحسب العديد من المؤشرات، إلى جذب عناصر جديدة من بين الإرهابيين التونسيين الذين انضموا في فترات سابقة إلى تنظيم "داعش".

أسباب مختلفة:

وفق مجموعة العمل المالي، يعتبر النظام التونسي لمكافحة غسيل الأموال والإرهاب متوسط المستوى، إذ لا يوفر الأطر المناسبة لإحكام الرقابة على العمليات المالية والمصرفية التي تهدف إلى وقف أنشطة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال. وبالنسبة للجمعيات الأهلية، تشير المجموعة إلى تورط العديد منها في تمويل الأنشطة الإرهابية أو إعانة عائلات المقاتلين في الفترة الماضية، وهو ما يكشفه، على سبيل المثال، احتجاز عشرة أشخاص لدى الشرطة التونسية في سياق قضية تتعلق بجمعية يشتبه في تورطها في التعامل مع تنظيمات إرهابية.

كما تكشف مؤشرات أخرى عن استغلال العناصر الإرهابية لنظام التحويلات المالية والبريد من أجل دعم أسر المقاتلين بجانب تقديم مساعدات مالية للمقاتلين أنفسهم في مناطق الصراع، خاصة في سوريا والعراق. وحاولت التنظيمات الإرهابية أيضًا استغلال الحدود التونسية للاتجار بالأسلحة والمخدرات والتهريب، وهو ما ساعدها على تكوين شبكات مالية واسعة. 

وقد ساهم تأخر تونس، حسب تقارير عديدة، في إصدار قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال حتى عام 2015، أو تدشين لجنة التحاليل المالية حتى أواخر 2016، أى بعد عام كامل من صدور القانون، في إفساح المجال أمام بعض الأشخاص والجهات الذين حاولوا تمويل أنشطة التنظيمات الإرهابية.

وفي هذا السياق، تؤكد لجنة التحاليل المالية التونسية أن البلاد تواجه مخاطر مرتفعة نسبيًا فيما يتعلق بتمويل الإرهاب نتيجة تعدد قنوات التمويل المتاحة للأنشطة الإرهابية والتي تشمل الفساد والتهرب الضريبي والجرائم السيبرانية التي يتمثل أبرزها في قرصنة الحسابات المالية والبطاقات البنكية بالخارج، بالإضافة إلى الجمعيات وشركات التجارة الدولية غير المقيمة والقطاع العقاري وقطاع الذهب. كما أن القطاع البنكي، بحسب اللجنة، عُرضة لمخاطر عالية في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

تأثيرات محتملة:

حتى الآن، ربما لا يتعدى تأثير تصنيف تونس في قائمة الدول المُعرّضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب- نظرياً- حدود تقويض السمعة الدولية للنظام المالي والمصرفي التونسي، لكنه قد يثير في المرحلة المقبلة بعض المخاوف لدى الأشخاص والمؤسسات الدولية، خاصة الأوروبية، من إجراء تعاملات مالية ومصرفية مع جهات داخل تونس.

ومن المستبعد أن تفرض تلك الخطوة تأثيرات قوية على شراكة تونس مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل التزام القوى الأوروبية، على غرار فرنسا، بدعم العلاقات التجارية والاستثمارية مع تونس، وهو ما يؤكده، على سبيل المثال، دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشركات الفرنسية لمضاعفة استثماراتها في توس مؤخرًا.

لكن اتجاهات عديدة باتت تضفي أهمية خاصة على ضرورة استجابة تونس للضغوط الأوروبية والسعى نحو إصلاح منظومة مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وبما قد يدفعها نحو حذفها من القائمة في مرحلة لاحقة، وذلك من خلال آليات عديدة، يتمثل أولها في التصدي لقنوات التمويل التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية مثل الجمعيات الأهلية والحوالات الرسمية، بجانب النظام المصرفي.

فيما ينصرف ثانيها إلى تكثيف جهودها لتفكيك الشبكات المالية للتنظيمات الإرهابية المعتمدة على أنشطة التجارة غير الشرعية عبر الحدود. بينما يتعلق ثالثها برفع كفاءة الأطر التنظيمية والتشريعية لمواجهة تمويل الإرهاب، إذ أنها بحاجة لتأكيد فعالية الإجراءات والممارسات الخاصة بالرقابة على الأنظمة المالية، بجانب تطبيق العقوبات الإدارية من قبل الأجهزة الرقابية، ودعم مستويات التنسيق بين الجهات المحلية المختلفة.

وفي النهاية، يمكن القول إن تونس تحتاج إلى اتخاذ إجراءات شاملة لتجاوز المخاوف الدولية من استغلال أراضيها لتمويل أنشطة العديد من التنظيمات الإرهابية التي قد تمثل تهديدًا لمنطقة شمال إفريقيا بأكملها.