فاعلية مفقودة:

"الوساطة المأزومة".. من الانحياز إلى ضعف الثقة بقطر

02 August 2017


شهدت الأزمة الراهنة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب، وقطر من جانب آخر، جهوداً عديدة للوساطة، وعلى رأسها الوساطة الكويتية، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة، والتوصل إلى حل دائم لها. لكن تشير تطورات هذه الأزمة، حتى الآن، إلى عدم فاعلية محاولات الوساطة، وعدم نجاحها في إيجاد أي حلحلة للأزمة، وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التعثر.

تعدد الوسطاء:

يكشف تتبع محاولات الوساطة بين أطراف الأزمة القطرية الحالية منذ بدايتها في 5 يونيو الماضي، عن تعدد الوسطاء، الإقليميين والدوليين، سواء الذين أبدوا فقط مجرد استعدادهم للوساطة بين دول المقاطعة وقطر أو الذين قاموا بإجراءات فعلية على أرض الواقع لتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة. وتتمثل أبرز محاولات الوساطة في الآتي:

1- جهود إقليمية:

تأتي الكويت على رأس الدول التي بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة القطرية، حيث أجرى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح جولات وزيارات عديدة شملت أطراف الأزمة، علاوة على اتصالات مع قوى دولية فاعلة، سعياً لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف.

كما أعلنت المغرب بقاءها على "الحياد الإيجابي"، والرغبة في القيام بالوساطة لتخفيف التوتر، وحل هذه الأزمة، وفي هذا الصدد قام وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي "ناصر بوريطه" بجولة خليجية، في 13 يونيو الماضي، شملت الكويت والسعودية والإمارات.

ومن جهتها، دخلت السودان أيضاً على خط الوساطة، وأصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً، في بداية الأزمة، دعت فيه إلى "تهدئة النفوس والعمل على تجاوز الخلافات". كما زار الرئيس السوداني عمر البشير المملكة العربية السعودية، يوم 19 يونيو الماضي، وقام بجولة خليجية أخرى شملت الإمارات والسعودية يومي 17 و18 يوليو الجاري، لدعم مبادرة الكويت.

كذلك، عرضت تركيا، من خلال الرئيس رجب طيب أردوغان، في بداية الأزمة، على قادة دول الخليج المساهمة في إيجاد حل للتوتر الحاصل، وقام وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، بجولة شملت الدوحة والكويت والرياض، في منتصف يونيو الماضي، في إطار مساعي بلاده للمساهمة في حل الأزمة القطرية. كما زار الرئيس أردوغان السعودية والكويت وقطر يومي 23 و24 الشهر الجاري، لمناقشة جهود حل هذه الأزمة.

وفي باكستان، أعرب رئيس الوزراء نواز شريف عن استعداده للوساطة من أجل حل الأزمة بين قطر ودول المقاطعة، وقام شريف بزيارة الرياض، في 12 يونيو الماضي، حيث أجرى مباحثات في هذا الشأن مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.

2- محاولات دولية:

تعد الولايات المتحدة فاعلاً رئيسياً في كل مجريات الإقليم، وبالتالي لا يمكن تجاهلها في أي محاولات لتسوية الأزمة الراهنة. وفي هذا الصدد، أُجريت العديد من الاتصالات والزيارات المتبادلة بين الإدارة الأمريكية وأطراف الأزمة. وبدا أن ثمة انقساماً داخل الولايات المتحدة في التعامل مع هذه الأزمة، في ظل انحياز الرئيس دونالد ترامب لدول المقاطعة، ووزارة الخارجية الأمريكية للجانب القطري، وانعكس هذا الانقسام على نتائج الجولة الخليجية لوزير الخارجية ريكس تيلرسون خلال الفترة (10 إلى 13 يوليو الجاري) والتي شملت الكويت والدوحة والرياض، حيث لم تسفر عن أي نتائج مثمرة.

وفي فرنسا، أبدى الرئيس إيمانويل ماكرون اهتماماً بتسوية الأزمة القطرية فور اندلاعها، وأجرى اتصالات بمختلف الأطراف للتوسط بينها، مؤكداً تأييد بلاده لكل المبادرات الداعية إلى تهدئة التوتر. وعادت باريس للدخول مرة أخرى على خط الأزمة من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية جان إيف لودريان، يومي 15 و16 يوليو الجاري، وشملت الكويت وقطر والسعودية والإمارات، حيث أكد خلالها رغبه بلاده في المساهمة في جهود الوساطة الكويتية.

ومن جانبها، دعت روسيا إلى الحوار بين قطر ودول الخليج، عارضة مساعدتها للتوسط في الأزمة الراهنة، وذلك خلال استقبال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نظيره القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في موسكو يوم 10 يونيو الماضي. وأكد لافروف أن بلاده "على استعداد لمحاولة القيام بكل ما هو في مقدورها للمساعدة على تسوية الأزمة".

بروز كويتي:

على الرغم من تعدد الدول التي أبدت استعدادها للوساطة بين أطراف الأزمة القطرية أو اتخذت إجراءات فعلية في هذا الاتجاه، فإن الوساطة الكويتية تعد هي الأبرز، حتى الآن، من حيث جديتها، حيث يبذل أمير الكويت جهوداً كبيرة، منذ بداية الأزمة من أجل التهدئة وتخفيف حدة التوتر.

ولا يعتبر دور الوسيط أمراً جديداً على الكويت، حيث اعتادت القيام بهذا الدور على مدار سنوات طويلة، تدخلت خلالها من أجل حلحلة وتسوية عدد من الأزمات الإقليمية. فعلى سبيل المثال، استضافت الكويت العام الماضي عدة اجتماعات دولية هدفت إلى التسوية السلمية للصراع في اليمن، وفي عام 2014 توسطت الكويت لحل الأزمة الخليجية بعد قيام السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر.

وثمة عوامل عديدة تفسر تميز الكويت كوسيط إقليمي في العديد من الأزمات، ومنها "حيادية" سياساتها الخارجية وعدم انحيازها لأي من أطراف الأزمات، والخبرة الكبيرة التي يتمتع بها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح في مجال الوساطة.

ولا تزال الوساطة الكويتية في الأزمة القطرية الراهنة تحظى بدعم وتأييد إقليمي ودولي، على الرغم من أنها لم تسفر عن نتائج إيجابية حتى الآن، وبدا هذا الدعم واضحاً في التصريحات والبيانات الصادرة عن العديد من الدول والمنظمات الفاعلة في الأزمة. فقد أكد وزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، في جولتهم الخليجية الأخيرة خلال يوليو الماضي، دعمهم للوساطة الكويتية، توصلاً للحل بشأن الأزمة الحالية.

وسبق أن أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في 12 يونيو الماضي، عن تأييده للتحركات التي يقوم بها أمير الكويت للتعامل مع الأزمة القطرية. كما ذكر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، يوم 15 يونيو، أن الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش مقتنع بأهمية الحل الإقليمي لهذه الأزمة، ويدعم جهود الكويت لتخفيف حدة التوتر.

وأدت ردود الفعل الإيجابية والتأييد لجهود الوساطة الكويتية، إلى إعلان الشيخ صباح الأحمد الجابر، في 11 يوليو الجاري، عزمه المُضي قدماً في جهود الوساطة التي يبذلها لحل الأزمة بين دول الخليج.

أسباب التعثر:

تعددت مساعي الوسطاء من أجل التهدئة بين أطراف الأزمة القطرية، في محاولة للوصول إلى حل للأزمة، بيد أن جهودهم لم تنجح حتى الآن. ويمكن إرجاع هذا التعثر في الوساطة إلى عدة عوامل، ومنها ما يلي:

1- عدم الجدية: افتقدت استعدادات أو جهود الوساطة، سواء الإقليمية أو الدولية، للجدية التامة، وذلك باستثناء دولة الكويت، واكتفى بعض الوسطاء بمجرد التصريحات فقط من دون اتخاذ أي خطوات على أرض الواقع لجمع أطراف الأزمة والتقريب بينها، بل إن عدداً من الوسطاء اختفى تدريجياً مع تطور الأزمة.

2- الحيادية السلبية: حرص عدد من القوى الإقليمية والدولية على إبداء رغبته واستعداده للوساطة بين أطراف الأزمة القطرية، وذلك لمجرد إثبات حضوره في الأزمة، ولكن من دون الإعلان من جانبه عن مبادرة وساطة واضحة ومتكاملة، ولجأ هؤلاء الوسطاء إلى "مسك العصا من المنتصف"، وعدم الضغط لإقناع أي من أطراف الأزمة بتقديم بعض التنازلات، حفاظاً من الوسطاء على مصالحهم مع كافة الأطراف. وظهر ذلك بشكل كبير في مواقف الدول الأوروبية من الأزمة.

3- انحياز الوسيط: تعتبر الحيادية والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، أحد أهم شروط نجاح أي وساطة. وبالرجوع إلى بعض مبادرات الوساطة في الأزمة الحالية، يُلاحظ أنها لم تلتزم بالحيادية، وانحازت لأحد الأطراف. فعلى سبيل المثال، أعلنت تركيا استعدادها للمساهمة في حل الأزمة، وتدخلت للتقريب بين أطرافها، على الرغم من أنه بدا واضحاً منذ البداية انحيازها للجانب القطري، وإرسال قوات عسكرية تركية إلى قطر، فضلاً عن إمداد الدوحة بما تحتاجه من مواد غذائية.

أيضاً، برز عدم الحيادية في الجولة الخليجية الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، ولجوئه وبشكل منفرد إلى إبرام مذكرة تفاهم مع قطر لمكافحة الإرهاب، دون الإعلان عن مضمونها، ووصفه مطالب الدوحة بالمعقولة، وحتى قبل الاستماع إلى وجهة نظر الطرف الآخر.

4- انقسام الوسيط: تعاني بعض الدول التي دخلت على خط الوساطة في الأزمة القطرية، انقساماً بين مؤسساتها بشأن طريقة إدارة هذه الأزمة. فعلى سبيل المثال، يبدو أن ثمة انقساماً داخل الولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة، حيث يميل الرئيس دونالد ترامب إلى تأييد الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، متهماً قطر بدعم وتمويل الإرهاب، فيما تحرص وزارتا الخارجية والدفاع على تبني مواقف "متوازنة إلى حد ما" مع أطراف الأزمة، حرصاً على مصالح واشنطن مع الجميع. وقد انعكس هذا التباين في عدم فاعلية الموقف الأمريكي، وغياب قدرته على حلحلة الأزمة وإيجاد تسوية مقبولة من أطرافها.

5- غياب البديل الفعَّال: فقد تركزت جل جهود حل الأزمة الحالية على الوساطة الكويتية، والتي حظيت بدعم وتأييد كبيرين إقليمياً ودولياً، وعلى الرغم مما ينطوي عليه توحد جهود الوساطة من إيجابيات عديدة، فإنه من ناحية أخرى طرح إشكالية عدم وجود بدائل أو مبادرات أخرى فاعلة للوساطة يمكن اللجوء إليها في حالة فشل الوساطة الكويتية.

6- عدم المرونة: هذا الأمر يتعلق بأطراف الأزمة، حيث يتمسك كل طرف بموقفه، ويرفض تقديم أي تنازلات للآخر في مفاوضات التسوية. فمن جانبها، تتمسك دول المقاطعة وتصر على ضرورة تنفيذ قطر كل مطالبها الـ 13، وترى أن ما اتخذته من إجراءات ضد الدوحة يندرج تحت "المقاطعة" وهو حق كفله القانون الدولي، حفاظاً على أمنها واستقرارها. ومن ناحية أخرى، ترفض قطر الاستجابة لمطالب الدول الأربع، وتعتبر أنها تمس سيادتها. 

7- انعدام الثقة: هناك عدم ثقة من جانب دول المقاطعة في التزام الجانب القطري بأي اتفاقات يمكن التوصل إليها عبر محاولات الوساطة، وذلك نظراً للتجارب السيئة السابقة، حيث لم تلتزم الدوحة ببنود اتفاق الرياض عام 2013 وآليته التنفيذية واتفاق الرياض التكميلي عام 2014، وهو ما كشفته الوثائق التي نشرتها شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية يوم 10 يوليو الماضي.

وقد ظهر عدم الثقة بشكل واضح في البيان المشترك الذي أصدرته السعودية والإمارات والبحرين ومصر، يوم 11 يوليو، وطالبت خلاله بوجود ضوابط صارمة لمراقبة مدى التزام قطر بمكافحة الإرهاب وعدم تمويله. وانعكست أيضاً في تصريحات معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، بأن الأزمة مع قطر تكمن حول غياب الثقة.

8- التسريبات: سبق أن اتهمت الدول الرباعبة، قطر بالدفع بالأزمة نحو مزيد من التصعيد وإفشال المبادرة الكويتية للوساطة. وفي هذا الإطار، ذكر معالي الدكتور  أنور قرقاش، يوم 23 يونيو الماضي، أن "المطالب التي سربها الشقيق تعبر بوضوح عن عمق الأزمة نتيجة للضرر الذي سببه جراء سياساته"، وذلك في إشارة إلى المعلومات التي تم تسريبها وبثتها وسائل إعلام قطرية حول قائمة المطالب الـ 13 التي سلمتها الدول الأربع إلى الكويت لعرضها على الجانب القطري من أجل إيجاد حل للأزمة.