ترامب ‬في ‬مئة ‬يوم

25 April 2017


أحد ‬المؤشرات ‬المعتبرة ‬في ‬القراءة ‬السياسية ‬لأداء ‬الرؤساء ‬الأميركيين هو ‬مراقبة ‬أداء ‬الرئيس ‬وإدارته ‬خلال ‬المئة ‬يومٍ ‬الأولى، ‬وهو ‬تقليد ‬أميركي ‬يمنح ‬الرئيس ‬فترة ‬كافية ‬ليظهر ‬شخصيته ‬واستراتيجياته ‬الداخلية ‬والخارجية ‬ويوضح ‬قراراته ‬وتوجهاته. تبقى ‬للرئيس ‬الأميركي ‬دونالد ‬ترامب ‬أسبوع ‬واحد ‬ليكمل ‬أيامه ‬المئة ‬الأولى ‬في ‬الرئاسة، ‬وبالمقارنة ‬بالرئيس ‬السابق ‬أوباما ‬يمكن ‬القول ‬إنه ‬فعل ‬في ‬مئة ‬يومٍ ‬ما ‬لم ‬يفعله ‬سلفه ‬في ‬ثماني ‬سنوات ‬وبخاصةٍ ‬فيما ‬يتعلق ‬بالسياسة ‬الخارجية، ‬وهي ‬أكثر ‬ما ‬يهم ‬منطقتنا ‬ودولنا. لقد ‬أثبت ‬ترامب ‬في ‬مئة ‬يومٍ ‬أنه ‬رئيس ‬صاحب ‬قرارٍ، ‬وأثبت ‬أنه ‬يريد ‬الوفاء ‬بوعوده ‬لناخبيه ‬مهما ‬ظن ‬الكثيرون ‬بأنها ‬قرارات ‬غير ‬شعبيةٍ ‬أو ‬أنها ‬مجحفة، ‬وقد ‬جرّب ‬الرئيس ‬أكثر ‬من ‬مرةٍ ‬تنفيذ ‬قراراته، ‬واصطدم ‬بالمؤسسات ‬الأميركية ‬العريقة ‬أو ‬العميقة، ‬كما ‬كان ‬يسميها ‬سلفه ‬أوباما ‬في ‬مقابلته ‬الشهيرة ‬مع ‬موقع «‬ذا ‬أتلانتك»‬، ‬فاصطدم ‬ترامب ‬في ‬محاولته ‬لفهم ‬حدود ‬قوته ‬ونفوذ ‬قراراته ‬بأكثر ‬من ‬جهة، ‬فاصطدم ‬في ‬قرار ‬الهجرة ‬وتقنينها ‬بالمؤسسة ‬القضائية، ‬فأعاد ‬صياغة ‬القرار ‬حتى ‬يصل ‬لما ‬يريده ‬بالتفاوض ‬والأخذ ‬والعطاء، ‬ووجد ‬نفسه ‬مضطراً ‬لخلق ‬جوٍ ‬من ‬التعاون ‬بين ‬الحزبين ‬وضرورة ‬إقناع ‬الكونجرس ‬وأعضائه ‬بالقرارات ‬المهمة، ‬وقد ‬أعاد ‬التفكير ‬أكثر ‬من ‬مرة ‬ليقنع ‬ناخبيه ‬بأن «‬أميركا ‬أولاً»‬، كما ‬هو ‬الشعار ‬الشهير ‬الذي ‬أطلقه، ‬وبأنه ‬عازم ‬على ‬الاستمرار ‬في ‬تعزيز ‬هذا ‬الشعار ‬داخلياً ‬وخارجياً.

في ‬مئة ‬يومٍ ‬فقط ‬عرف ‬العالم ‬أجمع ‬بأن ‬أميركا ‬عادت ‬إلى ‬نفسها ‬وإلى ‬العالم، ‬ويبدو ‬ترامب ‬مستعجلاً ‬لإثبات ‬أن ‬أميركا ‬التاريخ ‬والمسؤولية ‬الدولية ‬والدولة ‬القائدة ‬تعود ‬للمشهد ‬من ‬جديد، ‬وتعيد ‬ترتيب ‬الموازنات ‬الدولية ‬من ‬جديد ‬وتضع ‬المجتمع ‬الدولي ‬أمام ‬مسؤولياته، ‬وتتحمل ‬قبل ‬غيرها ‬عبء ‬القيادة ‬وتبعات ‬القرار. في ‬مئة ‬يوم ‬فقط، ‬أصبح ‬المارقون ‬في ‬العالم ‬تحت ‬الضغط، ‬ضغط ‬أقوى ‬دولة ‬في ‬العالم، ‬وصار ‬لزاماً ‬عليهم ‬أن ‬يتوقعوا ‬الأسوأ ‬بعد ‬سنوات ‬من ‬سياسات ‬غير ‬مسؤولية ‬حصلوا ‬فيها ‬على ‬جوائز ‬ومنافع ‬جرّاء ‬سوء ‬السلوك ‬السياسي.

جزء ‬من ‬المشهد ‬الدولي ‬الجديد ‬الذي ‬بات ‬يتخلق ‬نتيجة ‬رؤية ‬وسياسات ‬ترامب ‬يتمثل ‬في ‬السياسات ‬العدائية ‬المعلنة ‬ضد ‬كل ‬المارقين، ‬والتصعيد ‬ابتدأ ‬من ‬الأزمة ‬السورية ‬والضربة ‬العسكرية ‬المباشرة ‬لقاعدة ‬الشعيرات ‬العسكرية ‬التابعة ‬لنظام ‬الأسد ‬في ‬سوريا، ‬وتلاها ‬وتزامن ‬معها ‬سياسات ‬تصعيدية ‬قوية ‬ضد ‬إيران ‬ونظام ‬الولي ‬الفقيه ‬فيها، ‬مع ‬تصعيد ‬مماثل ‬تجاه ‬كل ‬الميليشيات ‬الشيعية ‬الإرهابية ‬التابعة ‬لها ‬في ‬العراق ‬وفي ‬سوريا ‬كما ‬في ‬لبنان ‬واليمن.

في ‬السياسة ‬الخارجية ‬لترامب ‬تأكيد ‬متواصل ‬على ‬العودة ‬للتعاون ‬والمشاركة ‬مع ‬حلفاء ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأميركية، ‬وهذا ‬هو ‬الوجه ‬المقابل ‬لما ‬سبق ‬من ‬تصعيد ‬ضد ‬المارقين ‬والدول ‬الداعمة ‬لهم، ‬وهو ‬أمر ‬يصبّ ‬مباشرةً ‬في ‬مصلحة ‬دول ‬الخليج ‬العربي ‬والدول ‬العربية ‬غير ‬المختطفة ‬إيرانياً ‬بعيداً ‬عن ‬التصعيد ‬الثقافي ‬الذي ‬يتبناه ‬بعض ‬الكتاب ‬العرب ‬ضد ‬ترامب ‬بلا ‬مبرر، ‬وبخاصة ‬أولئك ‬الذين ‬أبدوا ‬دعماً ‬غير ‬محدود ‬لسلفه ‬في ‬سياسات ‬دمرت ‬المنطقة ‬ونشرت ‬الخراب ‬فيها.

‬وبعيداً ‬عن ‬المنطقة ‬فقد ‬اتبع ‬ترامب ‬ذات ‬السياسة ‬التي ‬تعيد ‬بناء ‬الثقة ‬مع ‬حلفاء ‬أميركا ‬حول ‬العالم، ‬وذلك ‬في ‬التعامل ‬مع ‬التهديدات ‬التي ‬تمثلها ‬كوريا ‬الشمالية ‬على ‬كلٍ ‬من ‬حليفي ‬أميركا ‬في ‬الشرق: ‬اليابان ‬وكوريا ‬الجنوبية ‬وعلى ‬العالم ‬بأسره ‬وتحديداً ‬جرّاء ‬تجاربها ‬الصاروخية ‬والنووية ‬التي ‬ظلت ‬تتصاعد ‬في ‬السنوات ‬الأخيرة ‬دون ‬رادع.

أخيراً، ‬فلئن ‬أثارت ‬بعض ‬العبارات ‬أثناء ‬الحملة ‬الانتخابية ‬استياء ‬واسعاً ‬إلا ‬أن ‬ترامب ‬في ‬أول ‬مئة ‬يومٍ أثبت ‬أنه ‬يقارب ‬الملفات ‬الشائكة ‬بعقلٍ ‬وحكمةٍ ‬على ‬المستويات ‬الداخلية ‬والإقليمية ‬والدولية، ‬وأنه ‬قادر ‬على ‬تحصيل ‬المصالح ‬من ‬المفاوضات، ‬ولكنه ‬أعاد ‬هيبة ‬أميركا ‬ومكانتها ‬وقوتها ‬العسكرية ‬والسياسية ‬والاقتصادية ‬والثقافية ‬إلى ‬الواجهة ‬من ‬جديد.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد