مناورة سياسية:

لماذا تحدى أحمدي نجاد "نصيحة" خامنئي؟

17 April 2017


يبدو أن الخطوة الأخيرة التي اتخذها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بترشحه في الانتخابات الرئاسية التي سوف تُجرى في 19 مايو 2017، سوف تؤدي إلى إرباك حسابات القوى السياسية الإيرانية التي تبذل جهودًا حثيثة -في الفترة الحالية- من أجل توحيد صفوفها، وتعزيز فرص مرشحيها للفوز في الانتخابات.

ومن دون شك، فإن ذلك لا يعود فقط إلى أن هذه الخطوة سوف تساهم في إعادة ترتيب خريطة المرشحين من جديد، بعد أن اتجهت إلى استقطاب واضح بين تيار المعتدلين الذي يدعم الرئيس حسن روحاني الذي يسعى إلى تجديد ولايته الرئاسية مرة أخرى، وبين تيار المحافظين الأصوليين الذي يبدو أنه يحاول تجنب سيناريو انتخابات عام 2013 عندما ترشح أربعة من كوادره، بشكل أدى تفتيت الأصوات فيما بينهم، وساهم في فوز روحاني باكتساح من الجولة الأولى، ولكن يعود -كذلك- إلى أن تلك الخطوة سوف تمثل تحديًا لـ"إرادة" المرشد الأعلى علي خامنئي الذي سبق وأعلن أنه "نصح" أحمدي نجاد بعدم الترشح في الانتخابات بعد أن بدأ الأخير حملة انتخابية مبكرة في بعض المحافظات والمدن الإيرانية، وهو ما لم تقدم عليه أي شخصية سياسية إيرانية من قبل.

أهداف خفية:

يمكن القول، إن تلك الخطوة لا تمثل سوى مناورة سياسية يسعى من خلالها أحمدي نجاد إلى تحقيق أهداف خفية، ربما لا يكون أهمها محاولة الرئيس السابق الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة، والعودة إلى منصبه القديم مرة أخرى. إذ كان لافتًا أن أحمدي نجاد أعلن عن ترشحه في الانتخابات برفقة مساعده السابق للشئون التنفيذية حميد بقائي الذي أعلن -بدوره- الترشح في الانتخابات، ومدير مكتبه وصهره اسفنديار رحيم مشائي، الذي ترشح في الانتخابات الماضية ولم يحظ بموافقة مجلس صيانة الدستور الذي يمتلك صلاحية البت في ملفات المرشحين للانتخابات.

وهنا، ربما يكون الهدف الأهم الذي يسعى أحمدي نجاد إلى تحقيقه هو الدخول في "مقايضة" مع مجلس صيانة الدستور من أجل تمرير مرشحه الأساسي وهو حميد بقائي، من خلال التلويح بإمكانية الاستمرار في المنافسة في حالة ما إذا تم رفض ملف ترشيح بقائي، على غرار ما حدث مع مشائي في الانتخابات الماضية، وهو ما سوف يفرض ضغوطًا، في حال حدوثه، على تيار المحافظين الأصوليين الذي يبذل جهودًا حثيثة من أجل توحيد القاعدة الشعبية المؤيدة له، وتعزيز فرص مرشحه في تولي منصب الرئيس، وقطع الطريق على روحاني من أجل الفوز بولاية رئاسية جديدة.

وبعبارة أخرى، فإن أحمدي نجاد يريد من خلال تلك الخطوة امتلاك ورقة ضغط في مواجهة المحافظين الأصوليين، بالتلويح بقدرته على إرباك حساباتهم من جديد، خاصة بعد أن نجحت بعض القوى المنضوية تحت لواء هذا التيار في تشكيل ما يسمى بـ"الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية" أو "جبهه مردمی نيروهای انقلاب اسلامی" (جمنا)، التي رشحت خمس شخصيات للانتخابات في مقدمتهم المشرف على العتبة الرضوية إبراهيم رئيسي، وتوصلت إلى اتفاق يلزم أربعة مرشحين بالانسحاب قبل إجراء الانتخابات بيومين لصالح المرشح الخامس ليصبح المنافس الأكثر قوة في مواجهة روحاني.

وقد بدا ذلك في تصريحات أحمدي نجاد في أعقاب تقدمه بأوراق ترشيحه، حيث قال إنه "ترشح من أجل حماية مساعده حميد بقائي"، مكررًا "التزامه بالوعد الذي قطعه على نفسه بعد أن نصحه خامنئي بعدم الترشح".

تأسيس تيار:

ومن دون شك، فإن أحمدي نجاد يسعى أيضًا من خلال تلك الخطوة إلى تأسيس تيار ثالث يستطيع به تجاوز الاستقطاب الكلاسيكي القائم بين المعتدلين والمحافظين الأصوليين، وتكوين قاعدة شعبية مؤيدة له، خاصة في المناطق والمدن النائية التي كان يحظى فيها بشعبية كبيرة خلال فترتي رئاسته للجمهورية. وربما يستثمر ذلك في دعم احتمالات تحقيق بعض أنصاره نتائج بارزة في الانتخابات البلدية التي سوف تُجرى بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية.

وبعبارة أخرى، فإن الرئيس السابق للجمهورية يريد توجيه رسالة بأنه يتبنى توجهات تختلف -إلى حدٍّ ما- عن تلك التي يتبعها تيارا المعتدلين والمحافظين الأصوليين، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع الملفات الأكثر أهمية، على غرار الملف الاقتصادي، فضلا عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي حرص أحمدي نجاد على توجيه رسالة له في 26 فبراير 2017 عبر موقعه الإلكتروني ومن خلال السفارة السويسرية في طهران التي تتولى رعاية المصالح الأمريكية، بعد القرار الذي اتخذه الأخير بمنع رعايا بعض الدول، وفي مقدمتها إيران، من دخول الولايات المتحدة الأمريكية.

وربما يمكن القول إن أحمدي نجاد يحاول استثمار التصعيد والتوتر الحالي في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات السوري في 7 أبريل 2017 عقب اتهام النظام السوري باستخدام الغازات السامة في الهجوم على منطقة خان شيخون في إدلب، وفرض عقوبات جديدة على منظمة السجون الإيرانية ومديرها سهراب سليماني، شقيق قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات الإيرانية، من أجل تعزيز فرص مرشحه في المنافسة على الفوز بالمنصب. 

مغامرة غير مضمونة:

ومع ذلك، ربما يمثل ترشح أحمدي نجاد للانتخابات الرئاسية القادمة مجازفة غير مضمونة النتائج من جانبه، لاعتبارين رئيسيين: أولهما، أن القيادة العليا ممثلة في خامنئي وبعض المؤسسات النافذة في النظام على غرار الحرس الثوري، لن تتوانى عن الرد على تحديه للمرشد الذي سبق أن نصحه بعدم الإقدام على تلك الخطوة، وهو ما يبدو جليًّا في الانتقادات المتصاعدة التي تعرض لها في أعقاب الإعلان عن تقديم أوراق ترشيحه، حتى من جانب بعض حلفائه ومؤيديه الذين حرصوا على إبداء اعتراضهم عليه. 

وثانيهما، أنه لا يمكن التكهن الآن بما سوف يتخذه مجلس صيانة الدستور من إجراءات، سواء تجاه الرئيس السابق أو مساعده، الذي واجه اتهامات بالتورط في قضايا فساد في عام 2015، وخضع لاستجواب من جانب القضاء، بشكل يمكن أن يستند إليه المجلس كمسوغ لرفض أهليته للترشح في الانتخابات.

وهنا، ربما يمكن القول إن المجلس يستخدم -في كثير من الأحيان- مبررات عامة وفضفاضة في رفض أهلية عدد كبير من المرشحين، وكان أبرز الحالات في هذا السياق رفض ترشح رئيس الجمهورية الأسبق رئيس مجلس تشخيص مصلحة السابق هاشمي رفسنجاني (توفي في 8 يناير 2017)، في الانتخابات التي أُجريت في عام 2013، بحجة تقدمه في السن بشكل لا يسمح له بتحمل أعباء إدارة الشئون التنفيذية للدولة.

   وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن المتغير الأساسي الذي سوف يحسم قرار أحمدي نجاد بالانسحاب من السباق الانتخابي أو الاستمرار فيه حتى النهاية يتمثل في الضغوط التي سوف يتعرض لها من جانب القيادة العليا في الدولة وبعض المؤسسات الأخرى، فضلا عن الإجراء الذي سوف يتخذه مجلس صيانة الدستور إزاء ملف ترشيح بقائي تحديدًا، والذي سوف يؤدي في النهاية إلى بلورة ملامح خريطة المرشحين للانتخابات الرئاسية التي تجري في وقت تتعرض فيه إيران لضغوط إقليمية ودولية لا تبدو هينة.