ما بعد ترامب:

هل تتخلى واشنطن عن نفط الخليج؟.. رؤية أمريكية

28 February 2017


إعداد: رغدة البهي، مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة 

لطالما كانت حماية النفط الخليجي أحد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، منذ أن تعهد الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" بصد أي محاولة من القوى الخارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي، ضمانًا لتدفق النفط إلى السوق العالمية. ولكن حدث تحول في تلك المعادلة مع ثورة النفط الصخري بالولايات المتحدة، حيث لم يصبح قطع إمدادات النفط الخليجية تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، بحسب كثير من التحليلات الأمريكية، وإن طالت تداعياته -بالضرورة- مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية. وقد دفع هذا الأمر عددًا من المحللين الأمريكيين إلى طرح التساؤل التالي: ما جدوى التدخل العسكري في منطقة الخليج العربي دفاعًا عن تلك المصالح، وفي القلب منها تدفق إمدادات النفط الخليجي إلى السوق العالمي؟.

وسعيًا للإجابة على هذا التساؤل، حلل كل من "تشارلز جلاسر" (أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن)، و"روزماري كلاينك" (أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة وليامز)، في مقاليهما المنشور بمجلة "الشئون الخارجية Foreign Affairs" في عددها الصادر في يناير / فبراير من العام الجاري (2017)، بعنوان "التخلص من نفط الخليج والاستراتيجية العسكرية الأمريكية"، التداعيات المحتملة لإنهاء الالتزام الأمريكي بتدفق النفط من منطقة الخليج العربي إلى السوق العالمية، والتكلفة الراهنة التي تتكبدها الولايات المتحدة للدفاع عن النفط عسكريًّا، وأخيرًا البدائل غير العسكرية المتاحة وتكلفتها.

وتنبع أهمية تلك المقالة من أنها تأتي في وقت يتصاعد فيه الحديث مع نجاح الرئيس "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، عن خيار إنهاء ذلك الالتزام العسكري بالحفاظ على تدفق النفط من منطقة الخليج العربي، بزيادة الاستثمارات الأمريكية في بدائل تُمكّن الاقتصاد الأمريكي من مواجهة أي اضطرابات محتملة في تدفق النفط الخليجي للسوق العالمية.

 تداعيات محتملة

قبل تقييم السياسة الأمريكية الراهنة، أشار الكاتبان إلى خطأ الاعتقاد السائد بأن الحد من الحساسية الأمريكية تجاه الاضطرابات النفطية المحتملة، يتطلب تقليص واردات الولايات المتحدة من النفط، من خلال زيادة إنتاجها المحلي. فتلك الحجة -من وجهة نظرهما- تغفل طبيعة وكيفية عمل سوق النفط العالمية. فالنفط لا يُباع إلا في سوقٍ عالمية، وسعره يعتمد على العرض والطلب العالميين، وأي اضطراب من شأنه تقليل الإمدادات سيطال كل المستهلكين. فحتى لو تهاوت الواردات الأمريكية من نفط الخليج العربي إلى الصفر، فستتأثر الولايات المتحدة بالاضطرابات التي ستحدث في السعر العالمي.

وفي مقالتهما أجمل الكاتبان التداعيات المحتملة للانسحاب الأمريكي من المنطقة في أربعة سيناريوهات محتملة، وإن كانت غير مقبولة، وذلك على النحو الآتي:

السيناريو الأول: سيطرة إحدى الدول على نفط المنطقة على نحو يُمكّنها من التلاعب بسعره العالمي، وذلك من خلال شن الحرب على الدول المجاورة. ولكن لا يلوح مثل ذلك المهيمن الإقليمي في الأفق، بعد أن دُمّر العراق بفعل الغزو الأمريكي عام 2003، وضعف إيران بفعل العقوبات الغربية عليها.

السيناريو الثاني: امتداد حروب الهيمنة الإقليمية لتطال تداعياتها إمدادات النفط وبنيته التحتية. ولكن عددًا من العوامل التي تجعل من السيناريو الأول مستحيلا تنطبق أيضًا على هذا السيناريو؛ نظرًا لعدم وجود دولة ساعية للهيمنة الإقليمية. ولا يتوقع أن تتأثر إمدادات النفط وبناه التحتية حتى مع اندلاع حرب طاحنة، والدليل على ذلك استمرار الصادرات النفطية في ظل الحرب الدموية بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن المنصرم.

السيناريو الثالث: محاولة إيران إحداث اضطراب في إمدادات النفط من دول الخليج العربي من خلال تحكمها في مضيق هرمز الذي يُعد نقطة عبور استراتيجية يمر عبرها 17 مليون برميل نفط يوميًّا، وهو ما يعادل تقريبًا 20% من الإنتاج العالمي.

على الرغم من عدم امتلاك إيران قدراتٍ عسكرية تُمكنها من إغلاق المضيق كليًّا، يظل بمقدورها استهداف شاحنات النفط العابرة له. غير أن إغلاق المضيق كليًّا من شأنه التأثير على عائداتها النفطية، وتوليد معارضة حادة من الدول المجاورة.

السيناريو الرابع: تعرض إحدى الدول الرئيسية المصدرة للنفط لحالة من عدم الاستقرار الداخلي على نحو يؤثر على إنتاجها النفطي، ولايبدو ذلك واقعياً لأسباب مختلفة.

تكلفة قطع الإمدادات النفطية

أكد الكاتبان تباين توقعات الخبراء بشأن الخسائر الاقتصادية التي قد يُسببها اضطراب الإمدادات النفطية من منطقة الخليج العربي، ولكن أفضل التقديرات تقترح أن تخفيض 1% من العرض والإنتاج سيسفر عن زيادة قدرها 8% في سعر النفط العالمي. ووفقًا لذلك التحليل، فإن نقص الصادرات النفطية بمقدار عشرة مليون برميل يوميًّا، أي ما يعادل 100% من حجم الصادرات السعودية أو 60% من الصادرات عبر مضيق هرمز، سيتسبب في مضاعفة أسعار النفط، وتقليص الناتج القومي الأمريكي الإجمالي بنسبة 3%، والتي تعادل 550 مليار دولار.

ويرى الباحثان في مقالتهما أنه يمكن التقليل من الخسائر الفعلية عبر الاعتماد على الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية للإحلال محل النفط الذي قد يُفقد في ظل إغلاق مضيق هرمز. وهذا يعني أنه إذا شهد العالم خللا في الإمدادات النفطية الخليجية، فإنه سيظل ممكنًا تعويض الفاقد من خلال الجهود الدولية والمخزون الاستراتيجي للدول الكبرى المستهلكة.

التكلفة والعائد 

ناقش الكاتبان حسابات التكلفة والعائد الاقتصادية لإنهاء التعهد الأمني الأمريكي باستمرار تدفق النفط الخليجي للسوق العالمية، بحسابهما تكلفة الإبقاء عليه. فجزء كبير من تلك التكلفة ينشأ جرّاء ما يتطلبه الجيش الأمريكي من قدرة على التصدي لحربين إقليميتين في وقت واحدThe Two War Standard. ولكن حساب تكلفة المتطلبات العسكرية الأمريكية معقد، لأن العديد من القوات التي قد تستخدم في منطقة الخليج العربي، قد تستخدم في أي مكان آخر.

وعلى أفضل تقدير، أخذًا في الاعتبار القوات الأمريكية العاملة في الخليج والتغيرات العسكرية في القوى الإقليمية، إذا لجأت الولايات المتحدة إلى متطلب الحرب الواحدة One-War Requirement كبديل لخيار الإبقاء على نهجها الحالي في التخطيط لاعتداءٍ متزامنٍ من دولتين، ستوفر نحو 75 مليار دولار سنويًّا، أو نحو 15% من ميزانية الدفاع الأمريكية، حسبما يشير الباحثان في مقالتهما.

ويُشير الباحثان إلى أن الولايات المتحدة خاضت حروبًا مكلفة دفاعًا عن مصالحها النفطية في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؛ إذ شنت حربًا ضد العراق عقب غزوه دولة الكويت دفاعًا عن تدفقات النفط بالأساس، وقد كان النفط أحد أسباب حرب الولايات المتحدة على العراق في عام 2003.

طريقة أفضل

في النهاية، تساءل الكاتبان عن البدائل غير العسكرية المتاحة لحماية نفط منطقة الخليج العربي، والحد من الخسائر الاقتصادية الأمريكية. وتمثلت الإجابة في إمكانية لجوء الولايات المتحدة إلى خياراتٍ عدة لزيادة الإمدادات النفطية وخفض الطلب. ففي جانب العرض، يمكنها تحسين قدرتها على تعويض أي فاقد محتمل من خلال زيادة حجم المخزون الاستراتيجي. أما في جانب الطلب، فيمكن الحد من كمية النفط التي يستهلكها الاقتصاد الأمريكي، بترشيد الاستهلاك، وزيادة الضرائب على الجازولين، وتقديم حوافز حكومية للأفراد لشراء شاحنات تعمل بالكهرباء أو الغاز الطبيعي، وزيادة الاستثمار في السيارات التي تعمل بالهيدروجين.

ويقولان: إذا أنفقت الولايات المتحدة ما بين 100-200 مليار دولار على تلك الجهود، فقد تحد من استهلاكها النفطي للنصف بحلول عام 2035. ومهما زادت تلك التكلفة، فهي مجرد خصم من قيمة ما تنفقه الولايات المتحدة سنويًّا دفاعًا عن الخليج، والتي تقدر بـ75 مليار دولار. ويضيفان يمكن للولايات المتحدة إقناع غيرها من الدول الأخرى المستهلكة للنفط بزيادة احتياطياتها، وكذا الضغط على دول الخليج العربي، لزيادة كفاءة خطوط إمداداتها البترولية التي تعبر مضيق هرمز.

ويريان أنه وفقًا لحساب المكسب والخسارة فإن السياسة الراهنة ليست عبثية؛ فهي ملائمة لمواجهة أحداث ضئيلة الاحتمال متزايدة التكلفة. وأن إنهاء هذا التعهد لا يفرض أي تحديات على الأمن القومي الأمريكي، لكنه سيؤثر سلبًا على اقتصادها. ولذا، يؤكدان أن على الولايات المتحدة إبقاء تعهدها للخليج العربي، ولكن مع أخذ خطواتٍ جادة لإنهائه بعد الاستثمار خلال العقود التالية في الحد من هشاشتها تجاه أسواق النفط في جانبي العرض والطلب، مع زيادة حجم مخزونها الاستراتيجي، وتحسين جودة النفط، وإنشاء أنابيب إضافية عبر مضيق هرمز.

وختامًا، يشير الباحثان إلى رفض صناع القرار -لعقودٍ طويلة- مجرد التساؤل عن ضرورة وجدوى حماية نفط الخليج العربي، حتى عندما خَفُت صوت مدشنيه. وأن الفشل في الاستثمار في بدائل أو عدم التفكير فيها سيكون فادحًا، يستنزف ملايين الدولارات من ناحية، ومئات الأرواح في معارك غير ضرورية من ناحية أخرى.

المصدر: 

Charles L. Glaser & Rosemary A. Kelanic, "Getting out of the Gulf Oil and U.S Military Strategy", Foreign Affairs, Volume 96, Number 1, January/February 2017, pp. 122-131