الميليشيات الجوالة:

دوافع تهديد إيران بإرسال "الباسيج" إلى سوريا

03 December 2016


يبدو أن إيران لا تسعى فقط إلى توجيه تحذيرات مسبقة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بشأن الاتفاق النووي، وإنما باتت تركز أيضًا على تأكيد نفوذها الإقليمي، لا سيما في دول الأزمات، وعلى رأسها سوريا، وذلك بالتوازي مع إشارة اتجاهات عديدة إلى أن الدور الإقليمي الإيراني سوف يحظى باهتمام خاص من جانب إدارة ترامب، في ضوء تبني كثير من أعضاءها لسياسة متشددة تجاه إيران، لا يبدو أنها تركز فقط على الاتفاق النووي.

ومن هنا، بدأت إيران في تأكيد قدرتها على "تحريك" الميليشيات التابعة لها من أجل المشاركة في الصراع السوري إلى جانب قوات الأسد، باعتبار أن الآلية الرئيسية التي قامت من خلالها بتكوين وتدريب هذه الميليشيات اعتمدت في الأساس على عدم التقيد بالحدود الجغرافية التي لا تبدي إيران اهتمامًا كبيرًا بها في ظل مساعيها المستمرة للتدخل في الشئون الداخلية ودعم نفوذها داخل بعض دول المنطقة.

 وفي هذا السياق، أشار رئيس هيئة أركان الجيش اللواء محمد باقري، على هامش مهرجان "مالك الأشتر للتعبئة" الذي تم تنظيمه في 24 نوفمبر 2016، إلى إمكانية إرسال ميليشيا "التعبئة" (الباسيج) إلى "جبهات المقاومة" في إشارة إلى سوريا تحديدًا، في حالة ما إذا حصلت على ضوء أخضر من جانب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي. لكن الأهم من ذلك، هو تأكيد باقري، في تصريحات أخرى، على إمكانية تأسيس قواعد بحرية إيرانية على سواحل سوريا واليمن أو إنشاء قواعد عائمة وعلى الجزر.

توقيت مهم:

   ومن دون شك، فإن تصريحات المسئولين الإيرانيين لا يمكن فصلها عن مجموعة من التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية والدولية خلال الفترة الأخيرة. يتمثل أولها، في طرح المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي زار إيران في 11 نوفمبر 2016، مبادرة جديدة، تقوم على منح قوى المعارضة سلطات لإدارة مناطق شرق حلب مع إخراج مقاتلي "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا) منها، وهو ما قوبل برفض واضح من جانب إيران التي اعتبرت أن تلك المبادرة "ناقصة" و"مرحلية"، مشيرة إلى أن "مشاريع تقسيم سوريا لا يمكن التعامل معها بجدية ولن تمر بسهولة".

 وينصرف ثانيها، إلى فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث ترى إيران أن مشكلاتها المحتملة مع الإدارة الأمريكية القادمة ربما لن تنحصر في الاتفاق النووي، رغم أنه سيحظى بالأولوية في هذا السياق، وإنما قد تمتد أيضًا إلى بعض الملفات الإقليمية الشائكة، على غرار الملف السوري، رغم أن رؤية ترامب إزاء دور إيران في سوريا لا تتسم بالوضوح بشكل لا يمكن معه تبني سياسة واضحة المعالم، خلال الفترة الحالية، للتعامل مع التطورات التي يمكن أن يفرضها التغير المحتمل في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية.

 ويتعلق ثالثها، بالرد على قرار مجلس النواب الأمريكي بتمديد قانون العقوبات المفروضة على إيران لمدة عشرة أعوام أخرى، في 22 نوفمبر 2016، والذي ينتظر موافقة مجلس الشيوخ والرئيس الأمريكي ليصبح قانونًا ساريًا قبل انتهاء العقوبات الحالية في شهر ديسمبر الحالي، وهى العقوبات التي ترى إيران أنها ربما تمثل إشارة أولية للمشكلات التي سوف تواجه عملية تنفيذ الاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة التي سوف تبدأ بعد تشكيل إدارة الرئيس الجديد. 

أهداف متعددة:

 وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن إيران تسعى من خلال تصريحات مسئوليها العسكريين إلى تحقيق أهداف متعددة يتمثل أبرزها في:

1-  الرد على الدعوة التي وجهها الرئيس حسن روحاني، في 23 نوفمبر 2016، بتحييد دور المؤسسة العسكرية في القضايا السياسية والانتخابية. ورغم أن روحاني كان يشير في الأساس إلى الانتخابات الرئاسية القادمة التي سوف تجرى في مايو 2017، إلا أن ذلك لا ينفي أنه سعى منذ بداية فترته الرئاسية في أغسطس 2013 إلى تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية داخل عملية صنع قرار السياسة الخارجية تحديدًا، حيث يرى أن هذا النفوذ يخصم من سلطات رئيس الجمهورية، الذي لا يمتلك بمفرده صلاحيات تحديد تلك السياسة، في ظل السلطات الواسعة التي يحظى بها المرشد الأعلى للجمهورية، والتي يستفيد منها الحرس الثوري الذي يدعي أن تحركاته وأنشطته تتم بناء على توجيهات من خامنئي.

  ومن هنا، فإن قادة الحرس ربما سعوا من خلال تلك التصريحات إلى توجيه رسالة لروحاني بأن الجهود التي يبذلها في هذا السياق سوف تبوء بالفشل، وذلك لاعتبارين رئيسيين: أولهما، أن المرشد خامنئي سوف يرفض تلك الدعوات، لا سيما أنه يرى أن الحرس يسعى إلى الحفاظ على مبادئ ومكتسبات الثورة.

وثانيهما أن موقعه السياسي يتراجع تدريجيًا ليس فقط بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وإنما أيضًا بسبب التطورات الدولية والإقليمية، سواء فيما يتعلق بفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وتزايد احتمالات تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين طهران وواشنطن من جديد، أو ما يتعلق باتساع نطاق الخلافات بين إيران ودول الجوار، بشكل بات يُعرِّض إيران لما يشبه "عزلة إقليمية" بسبب تدخلاتها المستمرة في الشئون الداخلية لدول الجوار وأدوارها السلبية في دول الأزمات.

2- تعزيز قدرة النظام السوري على حسم معركة حلب التي يخوضها مع الميليشيات الحليفه له في مواجهة قوى المعارضة المسلحة، وهى المعركة التي سوف يكون لها دور رئيسي في تحديد المسارات المحتملة للصراع السوري. ورغم أن إيران سوف تسعى إلى تأكيد أن الهدف من تحريك ميليشيا "الباسيج" إلى سوريا هو محاربة تنظيم "داعش" الذي سينتقل في الغالب إلى مدينة الرقة بعد انسحاب مقاتليه من الموصل على خلفية العمليات العسكرية التي يتعرض لها، إلا أن ذلك ربما يكون بهدف استيعاب الانتقادات التي سوف توجهها القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية لمشاركة "الباسيج" في الصراع السوري.

3- تأكيد دور إيران في تحديد المسارات المحتملة للصراع السوري، باعتبار أن تلك الميليشيات التي تدعم قوات الأسد تتحرك بناء على تعليمات من طهران، على غرار "حزب الله" وما يسمى بـ"لواء الفاطميين" و"لواء الزينبيين" وربما ميليشيا "الحشد الشعبي" في مرحلة ما بعد انتهاء معركة تحرير الموصل في العراق.

ومن هنا أيضًا، يمكن تفسير تعمد "حزب الله" تنظيم عرض عسكري في منطقة القصير بريف حمص الجنوبي، في 14 نوفمبر 2016. إذ أن هذه الخطوة التي تكشف المؤشرات عن أنها تمت بضوء أخضر من إيران، تمثل إشارة أخرى تسعى من خلالها إيران إلى توجيه الرسالة السابقة الخاصة بدورها في إدارة الصراع في سوريا، خاصة أن الحزب تعمد خلال العرض الكشف عن بعض الأسلحة الأمريكية التي يمتلكها، في خطوة لها مغزاها ومفادها أن نفوذ وحضور إيران ليس محدودًا سواء في لبنان أو في سوريا، وأن أى جهود قد تبذل لتجاوز هذا النفوذ في عملية إعادة صياغة الترتيبات السياسية في سوريا خلال المرحلة القادمة، لن تحقق نتائج بارزة وفقًا لرؤية طهران.

 ومن هنا، ربما يمكن القول في النهاية إن إيران سوف تسعى خلال الفترة القادمة إلى تعزيز نفوذها وحضورها داخل الصراع في سوريا، بشكل يشير، على عكس ما تروج، إلى أن مخاوفها تتصاعد تدريجيًا إزاء إمكانية اتجاه الصراع في سوريا إلى مسارات قد لا تتوافق مع مصالحها في الإقليم فحسب بل ربما تفرض تهديدات جدية لها.