• Login

الشروق:

الهجمات التركية في سوريا.. ومستقبل التطبيع بين البلدين

27 January 2024


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا، تناول فيه الدوافع التركية وراء التصعيد العسكرى فى سوريا، وتأثير هذا التصعيد على مستقبل التطبيع بين الحكومتين... نعرض من المقال ما يلى:

أكد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى كلمة له عقب اجتماع للحكومة التركية، فى 16 يناير الحالى، أن بلاده لن تتوقف عن تدمير ما وصفها بـ «أوكار الإرهابيين» فى سوريا، من تل رفعت إلى عين العرب، ومن الحسكة إلى منبج، مضيفا أن الوجود العسكرى لتركيا خارج الحدود له أهمية حيوية لأمن الوطن وسلامة المواطنين والمواطنات، ولا يمكن التراجع عن ذلك.

ثمة محفزات قد تكون الدافع وراء تصعيد أنقرة لعملياتها فى سوريا خلال الفترة المقبلة، تتمثل أبرزها فيما يلى:

1ــ تراخى واشنطن فى صد الهجمات التركية: قد يكون تراخى واشنطن فى ردع القصف التركى على المواقع الكردية عاملا محفزا أمام تركيا لتصعيد عملياتها فى سوريا، فبعد ساعات من قيام طائرة أمريكية من طراز «إف ــ 16» بإسقاط طائرة تركية من دون طيار توغلت على بعد نصف كيلومتر من قاعدة أمريكية فى أكتوبر 2023، شنت طائرات تركية من دون طيار عدة ضربات على بعد كيلومتر واحد من قاعدة أمريكية فى شمال شرق سوريا، مما دفع القوات الأمريكية إلى الاحتماء بالمخابئ، مما دفع السيناتور الجمهورى، راند بول، للدعوة إلى سحب القوات الأمريكية المنتشرة فى سوريا، فى أعقاب الهجمات المتكررة على القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولى المتمركزة فى نهر الفرات فى سوريا. وربما يحفز ذلك القوات التركية فى سوريا للاستمرار فى قصفها المواقع التابعة للأكراد دون الخشية من ردة الفعل الأمريكية إزاء ذلك.

2ــ تنافس تركى إيرانى فى سوريا: قد يدفع التنافس بين طهران وأنقرة فى سوريا إلى قيام تركيا بتكثيف عملياتها العسكرية فى الأخيرة، إذ أظهر عام 2023 أن العلاقات بين دمشق وطهران قد شهدت تناميا كبيرا على المستويات العسكرية والاستراتيجية، بالإضافة لتحول سوريا لساحة صراع أمريكى إيرانى، ما يشير لضعف احتمالات خروج طهران من سوريا، لذلك من المرجح ألا تترك أنقرة الساحة السورية المجاورة لها لصالح منافستها التاريخية إيران، وهو الأمر الذى قد يدفع أنقرة لتكثيف عملياتها للحفاظ على نفوذها هناك.

3ــ مناورات واشنطن مع «قسد»: فى مطلع يوليو 2023، أعلنت القوات الأمريكية عن البدء فى مناورات عسكرية مع قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تشمل تدريبات جوية فى محافظتى الحسكة ودير الزور، وتزايدت وتيرة التدريبات المشتركة فى الفترة الأخيرة بسبب الحرب فى غزة، وفى 9 ديسمبر 2023، أجرت قوات أمريكية بمشاركة التحالف الدولى تدريبات عسكرية مشتركة مع «قسد» باسم «السهم الأزرق» فى إحدى القواعد الأمريكية فى الحسكة استمرت 5 أيام، الأمر الذى أثار غضب أنقرة ووصفته بـ«أنشطة واشنطن مع التنظيمات الإرهابية» وطالبت واشنطن بإنهاء الدعم والمساعدات العسكرية التى تقدمها لـ«قسد»، لذلك قد تكون تلك المناورات سببا فى تصعيد أنقرة لعملياتها فى سوريا، ولاسيما وأنها أعلنت فى أعقاب المناورة الأخيرة عن مواصلة عملياتها ضد «قسد».

4ــ جمود مساعى التطبيع: قد يكون الجمود الذى سيطر على عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق سببا فى تصعيد العمليات التركية فى سوريا، إذ سيطر الجمود على محادثات التطبيع، بعد آخر اجتماعات بين أطراف مسار التطبيع الأربعة على مستوى نواب وزراء الخارجية على هامش اجتماعات الدورة الـ20 لـ«مسار أستانا»، ويرجع ذلك بشكل أساسى إلى تشبث طرفى الأزمة بشروطهما، وعدم تقديم أى تنازلات للطرف الآخر من شأنها حلحلة هذا الملف.

ما يزال مستقبل عملية التطبيع التركى السورى غامضا خلال 2024، ولكن يمكن أن تسير تلك العملية وفق سيناريوهات مستقبلية محتملة، تتمثل أبرزها فيما يلى:

1ــ السيناريو الأول: دفع التطبيع قدما: يرجح هذا السيناريو أن يتم دفع المحادثات بين أنقرة ودمشق قدما باتجاه التطبيع، ولاسيما وأن وزير الخارجية التركى، هاكان فيدان، قد أعلن فى 3 يناير الحالى، عن استمرار محادثات الاجتماع الرباعى، على مستويات مختلفة، ويستند هذا السيناريو لعدة مؤشرات أبرزها؛ أن البعض يعتقد بأن الأزمات قد تكون حافزا لتجديد الحوار بين تركيا وسوريا، فالحرب التى تشنها إسرائيل على غزة فى الوقت الحالى، قد تمثل نقطة التقاء وتجمع بين أنقرة ودمشق، فيما تحظى القضية السورية بأهمية خاصة بالنسبة لوزير الخارجية التركى، نظرا لدوره المحورى فى تسهيل المحادثات بين أنقرة ودمشق، عندما كان يرأس الاستخبارات التركية، الأمر الذى قد يدفعه للعمل على إحياء تلك المحادثات فى اتجاه التطبيع.

ومن جهة أخرى، فقد قدمت أنقرة عرضا لنظام الأسد ضمن مسار إعادة العلاقات بين الجانبين، على لسان وزير الدفاع التركى، مفاده الانسحاب التام من سوريا بشرط اتفاق المعارضة والنظام، تبع ذلك حديث الرئيس السورى بشار الأسد عن إصلاحات بحزب البعث فى سوريا وعن أهمية الانتخابات، معتبرا أنها الطريق الأفضل لاختيار قيادات حزبية جديدة، الأمر الذى ربطه خبراء بمحاولات انفتاح الحكومة السورية على محيطها الخارجى بما فيها مشروع التطبيع بين أنقرة ودمشق.

2ــ السيناريو الثانى: استمرار الجمود الحالى: وهو السيناريو الأكثر ترجيحا، ويرى هذا السيناريو، أن الوضع بين أنقرة ودمشق، سيستمر فى اتجاه الجمود الراهن لعملية التطبيع بينهما، خاصة مع تراجع أعداد اللاجئات واللاجئين السوريين بنسبة 10% فى عام 2023، مما قد يعطى أردوغان فرصة لتفادى الانتقادات من المعارضة التى تضغط من أجل ترحيل السوريات والسوريين لبلادهم؛ والذى لن يتم سوى بالتطبيع مع دمشق، كما يستند هذا السيناريو لعدة مؤشرات؛ أبرزها عودة سوريا لجامعة الدول العربية، التى جعلت نظام الأسد يشعر بأن التطبيع مع تركيا ليس أولوية. بالإضافة لذلك، فإن الشروط التركية ما تزال عائقا أمام التطبيع التركى السورى. كما أن الشروط السورية الخاصة بانسحاب كامل للقوات التركية من الأراضى السورية ما تزال غير مقبولة تركيا، وحال تحقق هذا السيناريو ستستمر العمليات العسكرية التركية ضد الأكراد، لكن من دون الوصول لمرحلة العمليات الشاملة.

3ــ السيناريو الثالث: عملية عسكرية شاملة: من المرجح وفقا لهذا السيناريو، أن تتصاعد حدة التوتر بين تركيا وسوريا، من خلال إطلاق أنقرة لعملية عسكرية شاملة فى سوريا ضد الأكراد وذلك من دون تنسيق مع الحكومة السورية، إذ يرجح البعض بأن تركيا ستكون خلال 2024 أكثر حزما وأشد عسكريا ضد الانفصاليين الأكراد فى سوريا والعراق، فعلى الرغم من أن أى عملية برية محتملة ضد جميع المناطق فى شمال سوريا، قد تعرض تركيا لخطر التوتر مع واشنطن، فإن تراجع قدرة الأخيرة على كبح العمليات التركية، بالإضافة لاحتمالات طرح انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مرة أخرى فى حال إعادة انتخاب دونالد ترامب، قد يعزز ميزان القوة لصالح أنقرة فى سوريا، ويدفعها نحو تدشين عملية عسكرية شاملة تسيطر بها على جميع المناطق التى تسبب لها القلق.

فى التقدير، يمكن القول إنه فى ضوء معطيات الموقف الراهن بين أنقرة ودمشق، فإنه لا يمكن التكهن بمستقبل تطبيع العلاقات بين أنقرة ونظام الأسد خلال العام الحالى، وسط غموض استعادة المحادثات بين البلدين، واحتمالات تدشين تركيا لعملية شاملة فى سوريا، فى إطار التصعيد التركى المكثف فى شمال شرق سوريا على مواقع الإرهابيين والأكراد، لذلك من المرجح أن تفرز الأيام المقبلة حراكا قويا من قبل واشنطن وموسكو، وأيضا طهران، مما قد يزيد الأوضاع سوءا فى سوريا، نظرا لتقاطع مصالح الدول الموجودة عسكريا فى سوريا، وإصرارها جميعا على الاستمرار فى البقاء داخل سوريا.

*لينك المقال في الشروق*