تعزيز الدور :

كيف تُسهم الزعامات الدينية في معالجة الأزمات المناخية؟

08 December 2023


للمرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف، يشهد مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين "كوب28"، والذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر 2023، انطلاق فعاليات "جناح الإيمان"، الذي سيعمل كمنصة عالمية للحوار بين الأديان حول مواجهة قضية التغيرات المناخية، وهو ما استدعى الحديث عن دور القادة والرموز الدينيين في معالجة القضايا والأزمات المناخية والذي شهد تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة. 

دور متنوع:

تمثلت أبرز أبعاد الدور الذي تقوم به الزعامات الدينية بشأن الحفاظ على البيئة ومجابهة الآثار السلبية لتغير المناخ، في الآتي:

1. بلورة خطاب مناخي: لم تعد خطابات قادة الأديان حول العالم تركز على الإخاء والحوار ونبذ التعصب فحسب، بل باتت مُنشغلة أيضاً بالتحذير من الخطر الداهم للتغير المناخي. فقد علّق شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، على الفيضانات غير المسبوقة في عدة دول وارتفاع الحرارة القياسي في مناطق أخرى، واصفاً إياها بأنها "ناقوسُ خطرٍ يؤكد ضرورة التحرك الجاد والحازم لمكافحة مخاطر التغير المناخي، وحماية مستقبل البشرية من هذا الخطر الحقيقي". وفي إبريل 2020، في احتفالية يوم الأرض العالمي، دعا شيخ الأزهر إلى "عدم إلحاق الضرر بالأرض التي وهبنا الله إياها نظيفة نقية صالحة للحياة، والابتعاد عن كل الممارسات الخاطئة التي تضر بها وتؤثر على حياة البشر".

وبالتوازي مع ذلك، منح بابا الفاتيكان البابا فرنسيس رسالته العامة التي صدرت عام 2015 عنوان "كن مُسبحاً"، وتحدث فيها بإسهاب عن التلوث، والنفايات، وثقافة الهدر، كما ألقى الكثير من اللوم في التسبب بظاهرة الاحتباس الحراري على النشاطات البشرية، منوهاً بالفقدان المطرد للتنوع البيئي في غابات الأمازون وذوبان الكتل الجليدية القطبية، واختتم رسالته بحض كل البشر، وليس أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فقط، على منع تدمير النظام البيئي قبل نهاية القرن، وتأسيس سلطة سياسية جديدة للتعامل مع التلوث. كما أصدر رسالة أخرى في عام 2019 بعنوان "كلنا أخوة" أشار فيها إلى أن "الاعتناء بالعالم الذي يحيط بنا ويأوينا يعني الاعتناء بأنفسنا"، وهو ما يعنى ضرورة التعامل مع الحفاظ على المناخ بوصفه خيراً عاماً لكل البشرية. 

كذلك، شهد الخطاب المناخي دفعة قوية من القيادات الدينية الأخرى أبرزها بطريرك القسطنطينية برثلماوس الأول، وهو القائد الروحي الأبرز للمسيحيين الأرثوذكس، الذي تحدث في قمة قادة الأديان عام 2021، عن أهمية الحوار بين كافة أديان العالم "التي يجمعها الالتزام بالحفاظ على جمال خليقة الله وسلامتها"، كما دعا الحاخام نعوم مارانز، ممثل اللجنة اليهودية الدولية للمشاورة بين الأديان، الزعماء السياسيين إلى تحمل مسؤولياتهم والقيام بما هو لازم "للحفاظ على بيتنا المشترك". هذا إلى جانب أن رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي كان قد دعا إلى "تأسيس شراكة حقيقية ومنصفة مع النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، مع الفقراء، ليس لمنع أي أذى فحسب، وإنما لنكون كلنا جاهزين لنحمي المناخ والبيئة". 

2. إطلاق المبادرات المناخية: مع تفاقم المخاطر المناخية خلال العقود الماضية، سعت القيادات الدينية لأداء دور في الملف البيئي، نظراً لتأثيرها المعنوي في ملايين البشر، وهو ما تجلى في عقد عدد من المبادرات والقمم المناخية، على النحو التالي:

أ‌. الإعلان الإسلامي حول التغير المناخي: تزايد اهتمام الفقهاء وعلماء الدين الإسلامي بمسألة حماية البيئة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أسهم في إصدار وثيقة بعنوان "إعلان إسلامي حول التغير المناخي"، نُشرت بعد حوارات جرت في إسطنبول عام 2015. وقد صاغ الإعلان خبراء وعلماء مسلمون من عشرين دولة بمبادرة من "المؤسسة الإسلامية لعلوم البيئة" في بريطانيا، استباقاً لاتفاق باريس حول تغير المناخ في العام نفسه.

وفي هذا السياق، قدّم الإعلان مُقاربة فقهية مُفصلة لموقف الدين الإسلامي من تحديات المناخ، إذ أشار إلى أن مسؤولية إيجاد حلول جذرية لتغير المناخ تقع بالدرجة الأولى على عاتق الدول الثرية والمنتجة للنفط، ودعاها إلى خفض انبعاث الغازات الدفيئة، وتوفير الدعم للدول الأقل ثراءً لخفض تلك الانبعاثات، والِإقرار بالواجب الأخلاقي في خفض الاستهلاك حتى يتمكن الفقراء من الانتفاع بما تبقى من مواد الأرض غير المتجددة، كما اقترح على الدول والهيئات والمنظمات المسلمة، معالجة العادات والعقليات والأسباب الجذرية وراء تغير المناخ وتدهور حالة البيئة وفقد التنوع الإحيائي ضمن دائرة نفوذ كل منها. 

ب‌. مؤتمر قادة الأديان 2021 :استضاف الفاتيكان في 4 أكتوبر 2021 أعمال مؤتمر المناخ، ثم استضاف في اليوم التالي مؤتمر التعليم، وذلك في إطار أعمال قمة "قادة الأديان" لعام 2021 والتي جاءت تحت اسم قمة "الإيمان والعلم"، وشارك في اللقاء إلى جانب البابا فرنسيس، وإمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب، وممثلون عن طوائف مسيحية عدة، وعن المسلمين الشيعة، واليهودية، والهندوسية، والسيخية، والبوذية، والكونفوشيوسية، والطاوية، والزرادشتية، والجاينية، وغيرها.

وفي هذا الإطار، وقّع القادة الدينيون على نداء مُشترك موجه إلى حكومات العالم قبل انعقاد مؤتمر "كوب26" في غلاسكو بإسكتلندا، تحت عنوان "لقد ورثنا بستاناً.. يجب ألّا نتركه صحراء لأبنائنا"، وتضمن النداء النقاط الأساسية التالية: تعميق جهود المؤسسات الدينية المختلفة لإحداث تغيير في قناعات أتباعها تجاه مخاطر البيئة وتغير المناخ، وتشجيع مؤسساتها التعليمية والثقافية على تقوية التعليم البيئي وجعله أولوية، وإشراك أتباع الديانات المختلفة مع جيرانهم لبناء مجتمعات مستدامة ومرنة وعادلة، وتشجيعهم على تبني أنماط حياة مستدامة، وتقييم السلع والخدمات التي تشتريها المؤسسات الدينية وفق عدسة أخلاقية مراعية للبيئة، مُناشدة دول العالم تحقيق مستوى الانبعاثات الصفرية في أقرب وقت ممكن، والحد من متوسط ارتفاع حرارة الأرض بـ1.5 درجة مئوية، والضغط على الدول الغنية من أجل تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، والقيام بتغييرات جدية لحماية البيئة، وتقديم مساعدات مالية لدعم الدول الفقيرة للتأقلم مع تغير المناخ، وأخيراً حث الحكومات على رفع مستوى طموحاتها وتعاونها الدولي للانتقال إلى الطاقة النظيفة، والاستخدام المستدام للأراضي، والانتقال إلى أنظمة غذائية صديقة للبيئة، واعتماد التمويل المسؤول. 

ج. مؤتمر الأديان والتغير المناخي بجنوب شرق آسيا: نظّم مجلس حكماء المسلمين برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، في شهر أكتوبر 2023، مؤتمراً لمناقشة دور الأديان في مواجهة التأثيرات السلبية لقضية التغيرات المناخية، بحضور 150 من ممثلي الأديان المختلفة في جنوب شرق آسيا؛ بالإضافة إلى علماء ومفكرين وشباب معنيين بقضايا تغير المناخ، وذلك تحت عنوان: "محاولة لإحياء القيم الدينية والثقافات المحلية في معالجة التغير المناخي والحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة".

وقد أكّد البيان الختامي للمؤتمر، أن القادّة الدينيين أمام مسؤولية تاريخية للمساهمة في حماية هذا الكوكب من خلال إطلاق نداء وصرخة مدوية في وجه السياسات غير المسؤولة التي تفاقم أزمة التغيرات المناخية، ودعا القادة والمسؤولين وصانعي السياسات ورجال الاقتصاد والأعمال إلى التحرك العاجل للحد من مُسببات التغيرات المناخية، وما يتبعها من تأثيرات سلبية تهدد الحياة على سطح الكوكب.

د. وثيقة "مُلتقى الضمير": استضافت العاصمة الإماراتية أبوظبي فعاليات "القمة العالمية لقادة الأديان من أجل المناخ"، خلال يومي 6 و7 نوفمبر 2023، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، والتي نظّمها مجلس حكماء المسلمين بالشراكة مع رئاسة مؤتمر الأطراف "كوب28"، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ووزارة التسامح والتعايش.

واختتمت القمة بإصدار (النداء العالمي لقادة ورموز الأديان من أجل المناخ) الذي وقّع عليه 28 من القادة والرموز الذين يمثلون 18 ديانة وطائفة ومذهباً دينيّاً حول العالم، ودعا المسؤولين وقادة الحكومات إلى الاستجابة العاجلة من خلال التتبع السريع لتحولات الطاقة لضمان العدالة والإنصاف والامتثال للقيم الأخلاقية، وحث رجال الأعمال وصناع السياسات على تبني تحولٍ سريع وعادل إلى مصادر الطاقة النظيفة، وتشجيع الاستثمار فيها.

كما أكد القادة ورموز الأديان دعمهم لـ"جناح الأديان" في "كوب28"، وضرورة التشجيع على مواصلة الاجتماع في مؤتمرات الأطراف المستقبلية لإرسال رسالة أمل ودعوة إلى العمل، ودعم تطوير الخطاب البيئي القائم على الإيمان.

كما ناشدوا أيضاً صنّاع القرار المجتمعين في مؤتمر "كوب28" بضرورةِ العمل على اغتنام هذه اللحظة الحاسمة والتحرك بشكلٍ عاجلٍ، وتكوين نسيج محكم من العمل المشترك والمسؤولية العميقة، وبث الشعور بالأمل في نفوس الأجيال القادمة، وتعزيز الجهود المشتركة للشروع في هذه المسيرة نحو مستقبلٍ يتسم بالصمود والوئام والازدهار لكافة صور الحياة على كوكب الأرض. وجدير بالذكر هنا أن هذه القمة اكتسبت أهمية كبيرة لأنها جاءت بعد يومين من اجتماع استثنائي في أبوظبي بشأن تفعيل صندوق معالجة الخسائر والأضرار وترتيبات تمويله، لمساعدة الأفراد الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ على التعافي من الكوارث المناخية.

هـ. جناح الإيمان: مع بدء مؤتمر "كوب28" انطلقت فعاليات "جناح الأديان" الذي ينظمه مجلس حكماء المسلمين بالتعاون مع رئاسة المؤتمر ووزارة التسامح والتعايش في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، خلال الفترة من 1 إلى 12 ديسمبر 2023 في مدينة إكسبو دبي. 

ويهدف الجناح إلى توفير منصة للحوار بين كل من قادة الأديان ورموزها، والعلماء، والأكاديميين، وخبراء البيئة، والنشطاء في مجال المناخ، والنساء، والشباب، والشعوب الأصلية، لتبادل الآراء ووجهات النظر، وتعزيز العمل الجماعي للمساهمة في إيجاد حلول فعالة وملموسة للتغير المناخي، وإرسال رسالةٍ من قادة الأديان والمجتمعات الدينية إلى صنّاع السياسات والقرار تدعوهم إلى جعل العمل المناخي الطموح أولوية قصوى، وتعزيز المسؤولية الأخلاقية لحماية كوكب الأرض.

لهذا السبب، ينظّم الجناح أكثر من 65 جلسة حوارية يشارك فيها 325 مُتحدثاً يمثلون كلاً من الإسلام والمسيحية، واليهودية، والهندوسية، والسيخية، والبهائية، والبوذية، والزرادشتية، والسكان الأصليين، بالإضافة إلى ممثلين عن أكثر من 70 منظمة ومؤسسة من مختلف أنحاء العالم بما في ذلك الجامعات ومنظمات الشباب، والمؤسسات الدينية، والمجموعات الناشطة في مجال المناخ، ومنظمات الشعوب الأصلية، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الدولية، والمؤسسات النسائية، ومنظمات المساعدات الإنسانية.

كما ستُقدَّم العديد من البرامج والأنشطة التي تركز على تعزيز التفاهم بين الأديان بشأن العمل المناخي، ودور قادة الأديان ورموزها وتفعيل مشاركاتهم وإسهاماتهم خلال "كوب28" من أجل سد الفجوة بين الطموح والعمل الجاد والمساهمة في تحقيق العدالة المناخية، ودور الشباب في تعزيز الحوار بين الأديان بشأن العدالة والمرونة المناخية، بالإضافة إلى مناقشة جهود التنمية المشتركة بين الأديان للحفاظ على الطبيعة، واستعراض الإسهامات التي حققتها المؤسسات الدينية في مجال الحفاظ على المناخ.

آراء مُتباينة: 

انقسمت أغلب الآراء والتحليلات حول ما إذا كانت القيادات الدينية قادرة على تحقيق فرق حقيقي في مسألة تغير المناخ، أم أن دورها ينحصر فقط في مبادرات التوعية؟

1. دور فاعل: أكدت بعض الآراء أن مشاركة القيادات والرموز الدينية في دق ناقوس الخطر، قد تكون لها تأثيرات في سلوك الأفراد بشكل فريد في قضايا المناخ بسبب الميزة التنظيمية والسلطة الأخلاقية التي يتمتعون بها من خلال مناصبهم كقادة دينيين، مما يمنحهم القدرة على تسليط الضوء على آثار تغير المناخ على العدالة الاجتماعية بشرعية مميزة.  

وهو ما تجلى خلال جائحة "كورونا"، إذ أدت بعض القيادات الدينية دوراً في التأثير في خيارات أتباعها الصحية، والتزامهم بالحجر والتباعد الاجتماعي، من خلال إلغاء المناسبات والصلوات الجماعية من شرق العالم إلى غربه، كذلك الأمر بالنسبة للقاحات، إذ حثّ القادة الدينيون أتباعهم على عدم الاستجابة للأخبار الكاذبة والدعايات المضللة التي انتشرت في أوساط جماعات دينية عدة، خصوصاً مع تقديم ورقة الحريات الدينية في دول مثل الولايات المتحدة كعذر لعدم أخذ اللقاح.

وبناءً عليه، يمكن البناء على تجربة دور المؤسسات الدينية خلال الوباء، في التعويل على الأثر المعنوي للقادة الدينيين في التوعية حول التحديات البيئية والصحية والعلمية، خصوصاً أن بعض ناكري تغير المناخ على سبيل المثال، يبررون موقفهم بقناعات دينية محافظة.

يُعزز هذا الرأي أيضاً النتائج التي توصلت إليها دراسة عن جامعة كولومبيا الأمريكية بعنوان "الانتماءات الدينية والتحديات البيئية في القرن الحادي والعشرين"، منشورة في مجلة "الدين والسكان" الأكاديمية عام 2020، والتي حاولت إيجاد رابط بين المعتقدات الدينية والسلوكيات المرتبطة بها من جهة، والنمو الاقتصادي، وانبعاثات الغازات الدفيئة، والتعرض للضغوط البيئية (مثل الحر أو البرد الشديدين، التلوث السمعي، الزحام، وغيرها)، من جهة أخرى.

وقد توصلت إلى المفارقة التالية: تسجل البلدان ذات النسب الأقل من المتدينين، منسوب انبعاثات غازية أعلى، أما الدول ذات النسب الأعلى من المتدينين، فلديها منسوب انبعاثات غازية أقل. على سبيل المثال، تسجل أقل نسبة من المنتمين دينياً، في دول مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي أيضاً أكثر دول مسؤولة عن انبعاث الغازات الدفيئة. في المقابل، تسجل الدول الإفريقية الأقل مسؤولية عن انبعاثات الغازات الدفيئة، أكبر نسبة من المنتمين دينياً.

وبحسب الدراسة، فإن العامل الديني مهم لفهم عدد من السلوكيات المرتبطة بتغير المناخ، منها مثلاً الخصوبة والإنجاب، وإيمان الأفراد بأن تغير المناخ ناتج عن سلوكيات بشرية، أو عن قوى ماورائية، وهو ما يُشير إلى ضرورة تعزيز أدوار القيادات والزعماء الدينيين في معالجة الأزمات المناخية خلال الفترة المقبلة.

2. دور هامشي: أشارت بعض التحليلات إلى أنه على الرغم مما تؤديه القيادات والزعامات الدينية من دور مهم ومعترف به على الصعيد العالمي في تعزيز الانضباط الذاتي للأفراد وسلوكهم المسؤول حيال البيئة، فإن القيادات الدينية ذات السلطة المعنوية مثل شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، لا تستطيع وحدها فرض حلول جذرية في مسألة البيئة، لأن التغيير الفعلي يتطلب جهوداً جماعية وشاملة، ويتوقف على اتخاذ الدول الصناعية الكبرى، المساهِمة بأكبر نسب التلوث، قرارات سياسية واقتصادية حاسمة، لإنقاذ كوكب الأرض. 

يضاف إلى ذلك، احتمالية رفض القيادات الدينية لعدد من آليات معالجة المناخ لتعارضها مع العقيدة، فمع تزايد وضوح مخاطر الاحتباس الحراري ظهرت مقترحات "الهندسة الجيولوجية" والتي تضمنت مشروعات واسعة النطاق ومثيرة للجدل تهدف، على سبيل المثال، إلى تعتيم ضوء الشمس عن طريق رش حمض الكبريتيك في الغلاف الجوي العلوي، وهو ما يزيد من احتمال تغير أنماط هطول الأمطار في أجزاء من العالم، وبالتالي سيجعل القيادات الدينية متشككة من منطلق تعمد البشر التلاعب بمناخ الأرض. 

وفي التقدير، يمكن القول إن الأمر يتجاوز حدود الأثر المعنوي والروحي للمؤسسات والزعامات الدينية، إذ إن تلك المؤسسات مُطالبة بتحمل مسؤوليات اقتصادية ولوجستية ومادية، إذ إنه من الممكن أن تكون الكنائس والمساجد والجمعيات الخيرية من أبرز المستثمرين في الطاقة البديلة، من خلال سحب استثماراتها من شركات النفط والغاز، وتقديم تبرعات للمشروعات البيئية في المدن والقرى المختلفة، وكلها أمور غير واضحة حتى الآن.

وختاماً، فسواءً اختلفت أم اتفقت الآراء حول جدوى دور الزعماء والقيادات الدينية في قضايا المناخ، إلا أنه من الضروري النظر لجناح الأديان وغيره من المبادرات السابق ذكرها على أنها فرصة ثمينة لتعزيز مكانة الدبلوماسية الدينية، ومناقشة أهمية المسؤوليات الأخلاقية للزعماء الدينيين في معالجة الأزمة المناخية.