خمس آليات:

تعزيز الأمن المائي في دول الخليج العربية

27 September 2015


إعداد: منى مصطفى محمد


 "أصبحت المياه تفوق أهمية النفط".. هكذا عبَّر سمو الشيخ "محمد بن زايد"، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن تصاعد اهتمام دول الخليج بقضية الأمن المائي، حيث لم يعد الأمن المائي مؤثراً على تلبية احتياجات السكان فحسب، بل وصل إلى درجة التأثير على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

من هنا، تأتي أهمية الدراسة التي أعدتها "لورا برمجياني" Laura Parmigiani- الباحثة بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية - تحت عنوان: "المياه والطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي.. تأمين المياه القليلة في الدول الغنية بالنفط"، والصادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في سبتمبر 2015؛ حيث تتطرق الدراسة إلى الوضع المائي في دول الخليج، وآليات مواجهة النقص المائي بها، مع دراسة حالة دولة الإمارات العربية المتحدة.

الوضع المائي لدول الخليج

أعلن "المعهد العالمي للموارد المائية" في أغسطس 2015 أن ثمة 13 دولة في الشرق الأوسط من المتوقع أن تواجه أزمة خانقة فيما يتعلق بالمياه خلال الـ 25 عاماً القادمة، ويأتي على رأسها دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا التقرير هو الأول من نوعه الذي يشير إلى مشكلة ندرة المياه في دول الخليج؛ ففي دراسة أخرى أجراها عدد من الباحثين تحت عنوان: "اتجاهات الموارد المائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2050"، تم التوصل إلى أن دول الخليج لن يصبح بمقدورها سوى إشباع 23% من معدل الطلب على المياه في حالة ثبات مواردها المائية الحالية.

وفي السياق ذاته، أصدرت وكالة البيئة في أبوظبي (EAD) دراسة تؤكد أنه بحلول عام 2030 سيزيد الطلب على المياه في دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصةً في قطاع الأعمال بنسبة 30%، ويتزامن ذلك مع نضوب العديد من آبار المياه الجوفية أو تحولها إلى مياه مالحة، ومن غير المرجح أن يتم تحلية كل هذه الكميات من المياه.

وأشارت الدراسة إلى أن قطاع الزراعة يستهلك حوالي 70% من إجمالي استهلاك المياه في دول مجلس التعاون الخليجي، ويرتبط هذا بسعي دول الخليج إلى وضع استراتيجية متكاملة للأمن الغذائي، وهو ما دفع إلى زيادة إنتاجها من الحاصلات الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي دون الاعتماد على الصادرات.

وعلى سبيل المثال، قامت المملكة العربية السعودية في السبعينيات من القرن الماضي بتوفير المياه الجوفية بشكل مجاني للمزارعين لتحقيق اكتفاء ذاتي في المنتجات الأساسية، ومع أن هذه السياسة أدت إلى وفرة المنتجات الزراعية، فإنه أدت إلى استهلاك المياه الجوفية بكثافة كبيرة من جانب آخر.

ويستعرض الجدول التالي استهلاك ونقص المياه في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2010 مقارنةً بالاستهلاك ونقص المياه المتوقع بحلول عام 2050، وذلك بالمليون متر مكعب/ سنوياً:

استهلاك ونقص المياه في عام 2010 مقارنةً بالمتوقع في عام 2050 بالمليون متر مكعب/ سنوياً

الدولة

الاستهلاك عام 2010

نقص المياه عام 2010

متوسط الاستهلاك المتوقع عام 2050

متوسط النقص المتوقع عام 2050

البحرين

226

195

391

379

الكويت

508

صفر

1216

835

سلطنة عمان

763

صفر

1709

1145

قطر

325

83

395

174

المملكة العربية السعودية

20439

9467

26633

20045

الإمارات العربية المتحدة

3370

3036

3389

3277

الإجمالي

25631

12781

33733

25855











   


 


وسائل مواجهة العجز المائي في دول الخليج

اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي على عدد من الوسائل لمواجهة العجز المائي لديها، بالاستعانة بتجارب دول مختلفة وعدد من الخبراء. وتطرح الدراسة عدداً من المقترحات التي يمكن لدول الخليج أن تعتمد عليها في هذا الشأن، وهي:ـ

1 ـ معالجة مياه الصرف الصحي: تتميز هذه الوسيلة بقلة تكلفتها وسهولتها، وتستخدم بصفة أساسية في دول الخليج في الأنشطة الصناعية. وبطبيعة الحال لا يمكن إعادة استخدام هذه المياه لأغراض الشرب، كما لا يمكنها أن تكون بديلاً ملائماً للمياه الجوفية.

واستعانت دول مجلس التعاون الخليجي في هذا الصدد بالتجربة السنغافورية التي تقوم بمعالجة مياه الصرف الصحي الموجودة بنسبة 100%، وقد قامت السعودية بإعادة استخدام 2 مليون كيلو متر من المياه في أغراض الزراعة في عام 2010، ويتوقع أن يزيد هذا الرقم ليبلغ 6 مليون كيلو متر بحلول عام 2035.

2 ـ تحلية مياه البحر: بدأت دول مجلس التعاون الخليجي في الاعتماد على استراتيجية تحلية المياه منذ سبعينيات القرن الماضي، إلا أن عملية التحلية تحتاج إلى توليد كميات كبيرة من الطاقة. وتوجد ميزة نسبية لهذا الأسلوب من ناحية أخرى؛ حيث قلت تكلفة تحلية المياه في السنوات الأخيرة لتصل إلى ما يتراوح بين 1 إلى 2 دولار لكل متر مكعب.

3 ـ قوانين تنظيمية: على الرغم من ضرورة وضع إطار تنظيمي لاستخدام المياه، بيد أن السعودية قامت بوضع قانون في عام 2006، لكنه لايزال في حاجة إلى مزيد من التفعيل. كذلك يتوقع أن تصدر قطر قانوناً تنظيمياً بحلول عام 2016. ويعطي الدستور الإماراتي الحق لكل ولاية في إدارة مواردها الطبيعية بما فيها المياه، ويجادل البعض أن الإدارة الفعَّالة للمياه في حاجة إلى إدارة موحدة لتتولى توزيع المياه بين الإمارات السبع بنسب متساوية.

4- تقليص دعم المياه: ترى الدراسة أن دعم المياه يؤدي إلى مزيد من الاستهلاك، ولهذا يجب إلغاء دعم المياه أو على أقل تقدير تقليصه، خاصةً أن تعريفة المياه في الخليج تعتبر من أقل الأسعار على مستوى العالم.

وقد اعتمدت إمارة أبو ظبي على هذا الأسلوب بدايةً من يناير 2015، حيث يقوم المواطنون والأجانب بدفع تعريفات مخفضة للمياه المستهلكة، فيما قامت بعض دول الخليج مثل البحرين بتقسيم المستهلكين إلى شرائح، ورغم ذلك لاتزال القيمة التي تُدفع من أجل الحصول على مياه نظيفة ضئيلة للغاية.

وطبقاً للدراسة، يتعين على صانعي القرار قبل الإقدام على هذه الخطوة ملاحظة أن تقليص الدعم المائي يُواجه بعدة صعوبات، لعل من أبرزها أن تخفيض الدعم قد يؤدي إلى إثارة اضطرابات وقلاقل اجتماعية، كما أن هذه الخطوة تحتاج إلى أن تطبقها كافة دول مجلس التعاون الخليجي في نفس الوقت لكي تكون مقبولة اجتماعياً.

5- تعاون خليجي مشترك: توجد في دول مجلس التعاون الخليجي مشروعات مائية مشتركة، مثل المبادرة المعلنة لإقامة خط مياه مشترك يبدأ من سلطنة عُمَان، مروراً بالإمارات العربية المتحدة، وصولاً إلى باقي دول الخليج، بتكلفة تقدر بحوالي 10,5 مليار دولار، لكن يُواجَه هذا المشروع بعدد من العقبات أبرزها ارتفاع التكلفة، والحاجة إلى وجود نظام تسعير خليجي موحد للمياه.

وتدرس أبوظبي في الوقت الحالي تطبيق مشروع (بنك المياه) أو ما يطلق عليه (أسواق المياه)، والذي تم تطبيقه في عدد من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة، ويهدف إلى تخزين مشترك للمياه الزائدة بحيث يتم استخدامها في أوقات الجفاف الشديد.

مستقبل الأمن المائي الإماراتي.. دراسة حالة

تناولت الدراسة استراتيجية المياه في إمارة أبوظبي كدراسة حالة، مشيرة إلى اعتماد الإمارات العربية المتحدة بصفة أساسية على المياه الجوفية، ففي عام 2013 توزع إنتاج المياه كما يلي: (67% مياه جوفية، وحوالي 29% مياه مُحلاة، بالإضافة إلى 4% مياه صرف صحي مُعالجة).

وتُقدر احتياطات المياه الجوفية بحوالي 635,620 مليون متر مكعب، إلا أنه يوجد 3% فقط من هذا الرقم يعتبر مياه عذبة، ولهذا تظل هناك حاجة ضرورية لمعالجة الباقي قبل استخدامه. ويستهلك قطاع الزراعة حوالي 50% من إنتاج المياه، وذلك حسب تقديرات مركز أبوظبي الإحصائي لعام 2012.

وقد وضعت الإمارات في رؤيتها لعام 2030 هدفاً مفاده تقليل استهلاك المياه الجوفية والمُحلاة مع زيادة نسبة المياه المعالجة، وإنشاء شبكة إدارة متكاملة للمياه، وهو ما يمكن أن يخفف الضغط على المياه الجوفية.

وتتوقع الدراسة أنه إذا نجحت دولة الإمارات في معالجة 100% من مياه الصرف الصحي، فإن هذا لن يضطرها إلى استخدام المياه المُحلاة للأغراض الزراعية أو الصناعية، ومن ثم سيتم استخدامها لأغراض الشرب فقط، وهو ما يعني توفر مخزون كبير من المياه الجوفية.

إجمالاً، يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه مشكلة تناقص مياهها وزيادة الاستهلاك بشكل مطرد، بيد أنها - على خلاف باقي دول الشرق الأوسط التي تعاني من أزمات مائية - لايزال لديها القدرة على تلبية احتياجات سكانها المختلفة، وتحقيق قدر عال من الرفاهية لهم، كما أنها سعت إلى استخدام تكنولوجيا عالية المستوى لمواجهة الأزمة المائية، وهو ما يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول مجلس التعاون الخليجي وسط منطقة مشتعلة بالأزمات.


* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "المياه والطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي.. تأمين المياه القليلة في الدول الغنية بالنفط"، والصادرة في سبتمبر 2015 عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

المصدر:

Laura Parmigiani, "Water and energy in the GCC: Securing scare water in oil-rich countries",(Paris, The Institute français des relations internationales "Ifri" , September 2015).