سيناريو محتمل:

هل تتجه فرنسا للانسحاب من بوركينا فاسو مع وصول "فاجنر"؟

18 January 2023


أشارت تقارير غربية، في 7 يناير 2023، إلى وصول وفد من مسؤولي فاجنر إلى العاصمة البوركينابية، واجادوجو، وذلك لمناقشة انتشار عناصرها هناك لتقديم الدعم للسلطات الانتقالية في جهود مكافحة الجماعات الإرهابية. 

تحركات ملفتة:

شهدت الأشهر الأخيرة تحركات ملفتة للمجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو لتعزيز التقارب مع روسيا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- اتفاق فاجنر مع واجادوجو: أشارت تقارير فرنسية إلى وصول 12 شخصاً من شركة فاجنر الروسية إلى القاعدة الجوية 511 المتاخمة لمطار واجادوجو، في 24 ديسمبر 2022، وأن هذه الزيارة تستهدف إتمام المفاوضات الجارية مع السلطات البوركينابية بشأن الدعم الأمني الذي تحتاجه الأخيرة.

ويتسق هذا الطرح مع تقارير أمريكية أشارت منذ عدة أسابيع إلى أن المفاوضات الجارية بين الشركة الروسية والسلطات الانتقالية في بوركينا فاسو وصلت إلى مراحلها النهائية، بل أنها لم تستبعد أن تكون عناصر فاجنر باتت موجودة بالفعل داخل واجادوجو. وكان الرئيس الغاني، نانا أكوفو أدو، قد أكد أثناء القمة الأفريقية – الأمريكية، في ديسمبر 2022، أن فاجنر أبرمت بالفعل اتفاقاً سرياً مع الحكومة البوركينابية، وأن عناصرها بدأت بموجبه بالانتشار في شمال واجادوجو.

2- الأمن مقابل الذهب: أشارت تقارير غربية إلى اتفاق المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في واجادوجو، برئاسة النقيب إبراهيم تراوري، مع شركة فاجنر على تخصيص منجم ذهب في جنوب بوركينا فاسو للشركة مقابل الخدمات الأمنية التي ستقدمها. واستند ذلك إلى إبرام واجادوجو لاتفاق مع شركة "نورد غولد" الروسية، بموجبه تستطيع الأخيرة استكشاف الذهب في منجم "ييميوغو"، وذلك بعد زيارة رئيس الشركة الروسية، جورجي سميرنوف، السرية إلى العاصمة البوركينابية.

3- انخراط روسي متنامٍ: صعدت روسيا من تحركاتها لتعزيز انخراطها في بوركينا فاسو خلال الآونة الأخيرة، لا سيما بعد انقلاب النقيب، إبراهيم تراوري، في سبتمبر 2022، حيث رصدت الصحافة الغربية وصول طائرة "بومباردييه جلوبال إكسبريس"، المرتبطة بشركة التصنيع العسكري "روستيخ" الروسية، من موسكو إلى واجادوجو، في سبتمبر 2022، فضلاً عن نقل طائرة "إليوشن إيل 67" الروسية لشحنة عسكرية إلى مطار وجادوجو، نهاية الشهر ذاته. 

محفزات عديدة: 

هناك عدة أسباب تفسر اتجاه بوركينا فاسو لتعزيز تقاربها من روسيا والاستعانة بفاجنر في دعم قدراتها الأمنية، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تصاعد التهديدات الإرهابية: تعاني بوركينا فاسو تهديدات إرهابية متزايدة، منذ عام 2015، والتي أسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص ونزوح نحو مليونين من منازلهم، كما أصبح قرابة نصف مساحة الدولة خارج سيطرة الحكومة المركزية. وشهدت بوركينا فاسو خلال الأشهر الأخيرة تصاعداً كبيراً في وتيرة الهجمات الإرهابية، ففي أكتوبر 2022، تعرض معسكر "جيبو" إلى هجوم إرهابي، أسفر عن مقتل أكثر من 10 جنود من القوات البوركينابية، وهو ما دفع السلطات في واجادوجو إلى البحث عن دعم موسكو لمواجهة هذه التهديدات المتزايدة، وهو ما عززته الزيارة غير المعلنة لرئيس الوزراء البوركينابي، أبولينير دي تامبيلا، إلى روسيا، قبل أسابيع قليلة.

2- توتر العلاقات مع فرنسا: تنامت التوترات بين بوركينا فاسو وباريس خلال الأشهر الأخيرة، وبلغت حدتها في ديسمبر 2022، على خلفية طلب واجادوجو استبدال السفير الفرنسي لديها، لوك هالادي، وهو ما رفضته باريس، فضلاً عن قرار المجلس العسكري في الشهر ذاته، بتعليق عمل راديو فرنسا الدولي، بعد اتهامات وُجهت للمحطة ببث رسائل ترهيب لزعيم إرهابي.

وعلى الرغم من التوترات المتزايدة بين واجادوجو وباريس، فإن الأخيرة تبدو غير مستعدة للتخلي بسهولة عن نفوذها هناك، وهو ما انعكس في زيارة وزير الدولة الفرنسية للتنمية والفرنكفونية والشراكات الدولية، كريسولا زاكاروبولو، إلى بوركينا فاسو، في 10 يناير 2023، حيث اجرت مباحثات مع تراوري، وأكدت زاكاروبولو في أعقاب الزيارة إلى أن بلادها تظل شريكاً ثابتاً لبوركينا فاسو، وأنها ستستمر في تقديم الدعم للحكومة البوركينابية في حربها ضد الجماعات الإرهابية، بيد أنه لم تصدر تصريحات رسمية عن السلطات في بوركينا فاسو بشأن موقفها من استمرار الانخراط الفرنسي.

3- تنامي العداء لباريس: شهدت الأسابيع الأخيرة زيادة حدة الغضب الشعبي في الداخل البوركينابي من الوجود الفرنسي في البلاد، حيث لا تزال باريس تحتفظ بنحو 400 جندي من القوات الخاصة الفرنسية في إطار عملية "صابر" (Sabre)، وتظاهر المحتجون أمام السفارة الفرنسية في واجادوجو ومراكزها الثقاقية والقاعدة العسكرية التي تضم جنوداً فرنسيين.

4- انقسامات داخل الجيش: رصدت تقارير غربية وجود انقسامات حادة داخل الجيش البوركينابي بين الرتب المتوسطة، التي ينتمي لها تراوري، وكبار الضباط، والذين أيدوا الانقلاب العسكري الذي قاده الأخير، في سبتمبر 2022، على مضض. وتشير تقارير غربية إلى أن تراوري بات عرضة لسخط كبار الضباط في الجيش البوركينابي واحتمالات اتخاذ خطوات تصعيدية ضده إذا لم يتمكن من تحقيق نجاحات سريعة في مواجهة الجماعات الإرهابية، التي تتقدم بشكل مضطرد باتجاه العاصمة واجادوجو.

ارتدادات إقليمية ودولية:

يلاحظ أن هناك تداعيات إقليمية محتملة قد تترتب على استعانة واجادوجو بشركة فاجنر الروسية شبه العسكرية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- توتر محتمل مع غانا: قد تفضي استعانة واجادوجو بعناصر فاجنر إلى تأجيج التوتر مع غانا، لاسيما في ظل تخوف الأخيرة من امتداد الاضطرابات الأمنية في بوركينا فاسو إلى الداخل الغاني، على الرغم من إشارة بعض التقديرات إلى أن واغاودوغو تتجه للاعتماد على عناصر فاجنر في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد، والتي تعاني بشكل كبير التهديدات الإرهابية، ومن ثم سيكون وجود هذه العناصر بعيدةً عن الحدود الشمالية لبوركينا فاسو والمتاخمة لغانا. 

2- تصعيد الإيكواس ضد واجادوجو: قد تشهد الفترة المقبلة تصعيداً من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإيكواس" تجاه بوركينا فاسو، بسبب تقاربها من روسيا، واتجاه واغادواغو للاعتماد على عناصر فاجنر، وربما يعزز هذا الطرح زيارة رئيس غينيا بساور والرئيس الحالي لمجموعة الإيكواس، أومارو سيسكو إمبالو، إلى وغاداوغو، في 11 يناير 2023، حيث التقى خلالها بتراوري.

ولوّح إمبالو بدعم الإيكواس لجهود بوركينا فاسو في مواجهة التهديدات الارهابية المتزايدة، في محاولة لتجنب انزلاق واجادوجو نحو موسكو، وبالتالي من المتوقع أن تلجأ الإيكواس إلى فرض عقوبات ضد واجادوجو، إذا ما تبين أن جهودها السابقة لم تثن الأخيرة عن الاستعانة بعناصر فاجنر، وبالتالي ربما تشهد اجتماعات الكتلة الإقليمية المقبلة فرض مزيد من العقوبات على واجادوجو.

3- تصاعد التنافس الروسي – الغربي: يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تعزيز الحضور الروسي في واجادوجو، إذ إن الزيارة غير المعلنة لدي تامبيلا، إلى موسكو، مطلع ديسمبر 2022، ضمت وفداً مكوناً من 12 مسؤولاً رفيع المستوى، وقد عبر هذا الوفد من خلال مالي، حيث رافقهم خلال الزيارة إلى روسيا مجموعة ضباط رفيعي المستوى من مالي، وهو الأمر الذي يعني تشكيل تكتل إقليمي موالٍ لموسكو، يضم مالي وبوركينا فاسو، مع عدم استبعاد انضمام المزيد من الدول مستقبلاً، لاسيما غينيا، والتي بدأت بوركينا فاسو خلال الأيام الأخيرة في التفاوض معها بشأن الحصول على تسهيلات لاستخدام ميناء كوناكري.

وفي المقابل، وجهت الولايات المتحدة انتقادات حادة لفاجنر الروسية خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، في 11 يناير 2023، حول الساحل وغرب أفريقيا، فقد وجه نائب السفير الأمريكي، ريتشارد ميلز، انتقادات لدور شركة فاغنر في هذه المنطقة، وفشلها في التصدي للتهديدات الارهابية المتزايدة، فضلاً عن اتهام الشركة الروسية بسرقة موارد الدول الأفريقية وارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، والاتهامات ذاتها كررها ممثلي فرنسا وبريطانيا بمجلس الأمن، مما عكس تخوفات غربية متزايدة بشأن تزايد دور مجموعة فاجنر الروسية في القارة الأفريقية. ومع اتجاه غانا إلى طلب مزيد من الدعم الامريكي رداً على اتجاه واجادوجو للاستعانة بفاجنر الروسية، يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تصاعداً في وتيرة التنافس الروسي – الغربي في غرب أفريقيا.

4- انسحاب فرنسي محتمل: على الرغم من سعي باريس، حتى الآن، للاحتفاظ بوجودها في واجادوجو، بيد أن هناك تقارير فرنسية أشارت إلى وجود مباحثات جارية داخل الحكومة الفرنسية بشأن انسحاب القوات الخاصة الفرنسية الموجودة في بوركينا فاسو، وهو ما قد يعيد تكرار سيناريو مالي مرة أخرى، ويكشف عن استمرار تراجع الدور الفرنسي في المنطقة. 

وفي الختام، تتجه السلطات في بوركينا فاسو للاعتماد على عناصر فاجنر خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التهديدات الإرهابية، غير أنه لا تزال هناك شكوك بشأن قدرة الشركة الروسية على وضع حد لتمدد الجماعات الإرهابية، لكن المؤكد هو أن انخراط فاجنر سيقوض كثيراً علاقة واجادوجو بالغرب وبعض الدول الإقليمية المجاورة لبوركينا فاسو، فضلاً عن تكريسه للتنافس الدولي في المنطقة.