إنذار الصدر:

سيناريوهات تشكيل الحكومة بعد اقتحام البرلمان العراقي

01 August 2022


اقتحم أنصار التيار الصدري، مساء 27 يوليو، البرلمان العراقي بالمنطقة الخضراء، وهي مقر الحكومة العراقية ومؤسسات الدولة والبعثات الدبلوماسية الدولية بوسط بغداد، حاملين لافتات وعبارات مناهضة لتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك عقب إعلان الإطار التنسيقي الاتفاق بالإجماع على تولي محمد شياع السوداني منصب رئيس الوزراء، المقرب من زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي. 

ودعا المتظاهرون إلى محاكمة المالكي، بسبب ما نسب إليه من تسجيلات صوتية تضمنت إساءات لعدد كبير من القوى السياسية العراقية، بما فيها التيار الصدري، كما وجه المحتجون انتقادات شديدة لطهران. وطلب السيد مقتدي الصدر من أنصاره، في النهاية، الانسحاب من المنطقة الخضراء والبرلمان والعودة إلى منازلهم، واصفاً تلك الاحتجاجات بأنها "ثورة إصلاح لرفض الباطل والظلم والفساد" ورسالة "أرعبت الفاسدين"، في رسالة تبدو موجهة لقوى سياسية في الإطار التنسيقي، خاصة المالكي. 

زيارة قاآني لبغداد: 

جاءت تحركات أنصار الصدر الأخيرة عقب وصول قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، للعاصمة العراقية، بغداد، في فجر يوم الأربعاء، الموافق 27 يوليو، وذلك في زيارة غير معلنة. ولم يلتق قاآني بأي مسؤول حكومي، أو رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وإنما تركزت الزيارة على اجتماع عقده مع قادة الإطار التنسيقي الشيعي، خاصة نوري المالكي وهادي العامري، وأكد قاآني خلال الاجتماع ما يلي:

1- التمسك بترشيح السوداني: أكد قاآني ضرورة تمسك التنسيقي بترشيح محمد السوداني لرئاسة الحكومة العراقية، وعدم التجاوب مع ضغوط التيار الصدري لتغييره، إلا إذا قرر السوداني بنفسه الانسحاب.

كما وجه قاآني التنسيقي برفض مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبر أحمد، لرئاسة العراق، وأن يدعم التنسيقي مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، رئيس الدولة الحالي، برهم صالح، وذلك لتولي فترة رئاسية أخرى، وذلك لضمان نفوذ القوى الموالية لإيران على مفاصل مؤسسات الدولة العراقية.

2- دعم مرشح الاتحاد: اجتمع قاآني في بغداد مع بالسيد بافل طالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث أبدت إيران استعدادها لدعم مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، برهم صالح، لرئاسة العراق، بل وحض قاآني بافل طالباني على مساومة الديمقراطي الكردستاني، بأنه إذا أراد أن يوافق على مرشح الأخير لرئاسة الدولة، فإن عليه التنازل عن منصبي رئيس الإقليم ورئيس وزراء الإقليم للاتحاد الوطني، أو أن يتنازل عن كل المناصب في الحكومة العراقية لصالح الاتحاد. 

كما تم الاتفاق على أنه يمكن أن يتخلى الاتحاد الوطني عن برهم صالح، ويدعم لطيف رشيد، صهر السيد جلال طالباني، كمرشح تسوية. وفي المقابل، طالب قاآني بطرد قيادات "المنظمة الكردية للحزب الشيوعي الإيراني"، أو ما يعرف اختصاراً باسم "كومله"، وهي إحدى الجماعات المسلحة الكردية، والتي توجد بعض قياداتها في السليمانية، وتتهم إيران المنظمة بالتعامل مع الموساد الإسرائيلي للقيام بعمليات تجسس وتخريب واغتيالات لصالح إسرائيل ضد إيران.

وسبق هذه الزيارة توجيه ضربات من جانب فصائل من الحشد الشعبي العراقي، الموالي لإيران، لإحدى الآبار البترولية في السليمانية، وذلك للمرة الثانية خلال شهر واحد، وذلك للضغط على الوطني الكردستاني، المهيمن على محافظة السليمانية، للانصياع للمطالب الإيرانية، خاصة أن إيران لاتزال تحرص على علاقاتها بالوطني الكردستاني، وتدعمه في مواجهة الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي تتهمه طهران بوجود تنسيق بينه وبين عناصر الموساد الإسرائيلي للقيام بعمليات تخريبية داخل إيران، كما أن الديمقراطي الكردستاني مقرب من تركيا، والتي تنافس إيران على الساحة العراقية، وفي إقليم كردستان العراق كذلك. 

تصعيد التيار الصدري:

جاء رد التيار الصدري سريعاً بعد انتهاء زيارة قاآني، إذ اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء، وهو الأمر الذي يسعى من خلاله إلى إرسال رسالة للداخل ولإيران على حد سواء، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- رفض ترشيح السوداني: جاء تحرك أنصار الصدر بعد إعلان التنسيقي عن ترشيح الوزير السابق والنائب الحالي، محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، وذلك بعد انسحاب مرشح تحالف الفتح قاسم الأعرجي، وهو الترشيح الذي اعترض عليه الصدر في عام 2019، وكذلك فور الإعلان عن ترشيح السوداني، إذ تظاهر المئات من أنصار التيار الصدري أمام مكتبه في بغداد فور الإعلان عن ترشيحه، كما شهد عدد من المحافظات العراقية ومنها البصرة وميسان وقفات لأنصار الصدر.

ويسعى الصدر للتأكيد أنه لن يترك الساحة مفتوحة أمام التنسيقي لتشكيل الحكومة حتى في حالة انسحابه من البرلمان العراقي، كما أنه يذكر خصومه بأنه لايزال يمتلك أوراقاً للتأثير إحداها تحريك الشارع، بما يستوجبه ذلك من مراجعة التنسيقي له، والتفاوض معه حول اختيار رئيس الوزراء القادم، وهو ما تجلي في تصريح مدير مكتب الصدر في بغداد، إبراهيم الموسوي، الذي قال إن "الحكم للشعب، وليس للإطار التنسيقي".

2- الاعتراض على تدخلات إيران: استهدف التيار الصدري إيران بالتحديد من خلال هذه التظاهرات، خاصة أنها جاءت عقب زيارة قاآني، والتي حرض فيها التنسيقي والاتحاد الوطني على المضي قدماً في تأسيس حكومة من دون الالتفات للصدر، ولذلك جاءت هتافات المؤيدين له خلال تظاهرة تندد بإيران بوضوح.

كما أعلن صالح محمد العراقي، المقرب من الصدر في تغريدة أن اقتحام البرلمان كان مجرد "جرة أذن"، وأن غداً ثورة إصلاح في شهر الإصلاح"، وهو ما ينذر بتصعيد الصدر، ودفع أنصاره للتظاهر في بغداد وغيرها من المحافظات الشيعية.

3- رسالة لثوار تشرين: سعى الصدر إلى إرسال رسالة أخرى إلى ثوار تشرين، والذين كانوا يرفضون القيادات القديمة على اختلافها، والتي هيمنت على الحياة السياسية في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وأراد أن يكتسب ثقتها، وذلك عبر تأكيد استمرار مطالبته بالتغيير ومواجهة الفساد والفاسدين وحل مشاكل الجماهير ليحقق مزيداً من الشعبية على هذا المستوى. 

كما أن ما سبق يعني أن تحريك الصدر للتظاهرات لن تقتصر فقط على أنصاره، بل أنه يشمل كذلك مشاركة قطاع أوسع من الشارع العراقي، خاصة هؤلاء الرافضين لمبدأ المحاصصة وانتشار الفساد في مفاصل الدولة العراقية كافة، لاسيما تنسيقيات "تشرين" والناشطين السياسيين والحقوقيين.

مسارات تشكيل الحكومة:

تشير مجمل التطورات سالفة الذكر وتجاوز الأزمة السياسية العراقية حوالي 290 يوماً، إلى أن الأوضاع قد تتجه إلى عدد من السيناريوهات:

1- التصعيد العسكري: قد يتجه الصدر إلى تنفيذ تهديداته باستخدام ورقة الشارع خلال الفترة القادمة، وذلك عبر تنفيذ اعتصامات مفتوحة أمام المنطقة الخضراء في بغداد والمدن العراقية المختلفة، بما قد يتسبب عملياً في شلل الحكومة العراقية، وعجز التنسيقي عن تشكيل الحكومة القادمة.

وقد يتجه الإطار التنسيقي لمحاولة الرد على ذلك من خلال استخدام ميليشيات الحشد الشعبي لتفريق المتظاهرين بالعنف، وهو ما قد يدفع ميليشيات الصدر للتدخل للدفاع عن المتظاهرين، ومن ثم قد تندلع مواجهات بين الصدر وميليشيات الحشد الشعبي.

ولعل ما يؤشر على إمكانية حدوث ذلك إصدار التنسيقي بياناً وصف فيه الاحتجاجات بأنها "تحركات ودعوات مشبوهة، تحث على الفوضى وإثارة الفتنة وضرب السلم الأهلي"، بل وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، يتجول حاملاً سلاحه وسط مجموعة من المسلحين داخل المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، وهو ما يؤشر إلى استعداد المالكي للدخول في مواجهات مسلحة مع الصدر للمضي في مشروعه لتشكيل الحكومة العراقية، وإن من خلف الستار، عبر دعم السوداني. 

2- تسوية تفاوضية: قد يلجأ التنسيقي إلى سحب ترشيح السوداني واستبداله بأسماء أخرى تكون مقبولة من قبل التيار الصدري، لاسيما في ضوء قناعة بعض قيادات التنسيقي بعدم إمكانية تمرير أي مرشح مرفوض من قبل التيار الصدري. وقد يتم في هذا الإطار طرح رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي.

وقد يتمثل أحد الحلول الوسط كذلك في الإبقاء على مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء، نظراً لأنه يحظى بقبول الكثير من التيارات السياسية الداخلية في العراق، وكذلك بعض القوى الدولية والإقليمية، غير أن المشكلة الأساسية، هو أن إيران ترفض استمراره في الحكم، نظراً لتبنيه أجندة تقوم على تقوية مؤسسات الدولة العراقية على حساب ميليشيات الحشد الشعبي، فضلاً عن انفتاحه على الدول العربية، واستعداده للدخول في علاقات تعاون معها، وهو ما يحد من هيمنة إيران على العراق. 

ومن جهة أخرى، فإن تحركات قاآني الأخيرة تكشف عن أن إيران لا تزال تسعى للهيمنة على العراق، وعدم تقديم أي تنازلات للصدر، كما أن تجاهل قآاني اللقاء مع الكاظمي، عندما زار بغداد، يكشف أن إيران ترفض الكاظمي كمرشح تسوية خلال المرحلة القادمة.

3- الانتخابات المبكرة: قد يتجه الصدر إلى عرقلة تشكيل الحكومة العراقية عبر التظاهرات، وحينها فإن التنسيقي قد يتجه إلى تحاشي الدخول في مواجهات مسلحة مع التيار الصدري، خاصة أن إيران قد تفضل تجنب هذا السيناريو، نظراً لتداعياته السلبية على نفوذها في العراق، ومخاوفها من أن يؤدي الاقتتال الشيعي إلى تدخل قوى إقليمية لدعم الصدر في المواجهات العسكرية ضد قوى الحشد الشعبي الموالية لإيران، بما يمثله ذلك من إضعاف واستنزاف لنفوذها في العراق. وحينها، سوف يتم السير لإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يعني استمرار الكاظمي في منصبه خلال هذه الفترة. 

وفي التقدير، ترجح هذه التطورات صعوبة انعقاد جلسة البرلمان العراقي خلال الفترة المقبلة، لانتخاب رئيس الدولة، وتأجيل هذا الاجتماع لإجراء مزيد من المشاورات، وذلك لتجنب تصعيد التوتر مع الصدر، وبحث التنسيقي خيارات للتعامل معه، خاصة في حال لجوئه لتحريك الشارع العراقي. وفي حين أن التوصل لمرشح تسوية يعد خياراً مطروحاً، إلا أن تشدد المالكي، ودعم إيران له، قد يؤدي إلى إطالة أزمة تشكيل الحكومة في العراق.