غطاء أمريكي:

الانعكاسات الإقليمية لاستيراد لبنان الغاز والكهرباء عبر سوريا

06 September 2021


زار وفد لبناني في 4 سبتمبر برئاسة نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع، زينة عكر، سوريا، حيث التقى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ووزير النفط والثروة المعدنية، بسام طعمة، ووزير المالية، كنان ياغي. وقد أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني – السوري نصري خوري، عقب المحادثات التي عُقدت بين الجانبين، أن دمشق وافقت على طلب الجانب اللبناني بتمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية إلى لبنان، لافتاً إلى أن البلدين اتفقا على متابعة الجوانب الفنية التفصيلية من خلال فريق فني مشترك بذات الشأن. 

وفي هذا السياق، أعلن غجر وطعمة، عن عقد اجتماع لبناني – سوري – أردني – مصري الأسبوع المقبل في الأردن، بهدف وضع برنامج عمل وجدول زمني لتحديد الخطوات اللازمة لتفعيل الاتفاقيات بين الدول الأربع، وبحث الجانب الفني والتقني والمالي. ويتضمن ذلك تشكيل فريق عمل للكشف على كل المواقع والبنى التحتية في الدول الأربع، سواء المتعلقة بجاهزية خط الغاز العربي لنقل الغاز المصري للبنان، أو قدرة شبكة الكهرباء السورية على نقل الكهرباء للبنان.

ملامح المشروع الأمريكي:

يتمثل أبعاد المقترح الأمريكي لقيام لبنان بالحصول على الكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا في التالي: 

1- توليد الكهرباء في الأردن: سوف يتم تصدير الطاقة الكهربائية من الأردن إلى سوريا، ومنها إلى لبنان، وذلك عبر توفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن تمكنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا. ويلاحظ أن هناك أضراراً بحاجة إلى تقييمها في شبكة 400 كيلوفولت، التي تربط بين الأردن وسوريا ولبنان. 

2- نقل الغاز إلى لبنان: سوف يتم نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان، وذلك عبر خط الغاز العربي، وذلك لتشغيل محطات الكهرباء العاملة على الغاز الطبيعي في لبنان، والمتوقفة عن العمل منذ 11 عاماً. ويلاحظ أنه توجد حالياً أربعة معامل للغاز، وهي دير عمار وصور وبعلبك والزهراني، غير أن المعمل الوحيد الجاهز والمجرب لتوليد الطاقة الكهربائية من الغاز الطبيعي هو دير عمار، والذي تم تشغيله في عام 2009 لمدة ستة أشهر فقط. 

وفي هذ السياق، اتفق وزيرا الطاقة في سوريا ولبنان على تشكيل لجنة مشتركة في أسرع وقت للتأكد من سلامة البنى التحتية في البلدين، الأمر الذي يبرز حرص دمشق على تفعيل المشاريع الإقليمية التي سبق توقيعها، خاصة مشروع خط الغاز العربي.

3- الدعم الأمريكي للمشروع: لم يكن من الممكن تنفيذ هذا المشروع سوى بدعم أمريكي، فقد كان لبنان عاجزاً عن إقامة علاقات اقتصادية مع دمشق بسبب عقوبات قيصر الأمريكية المفروضة على سوريا. وتتمثل أوجه الدعم الأمريكي لمقترح الربط الكهربائي بين الدول الأربع في التالي:

‌أ- استثناء لبنان من العقوبات: ستستثني الولايات المتحدة لبنان من فرض عقوبات عليها بموجب قانون قيصر، وهو الأمر الذي كان يعد عائقاً أمام أي تحرك لبناني تجاه مصر والأردن لاستجرار الغاز والكهرباء منهما عبر سوريا.

‌ب-  الدعم المادي من الجهات الدولية: ستمتد المساندة الأمريكية للبنان لكي يشمل حصوله على دعم من الجهات المانحة لتمويل إصلاح البنى التحتية ودفع ثمن الغاز المصري، وذلك في ظل التدهور الاقتصادي الحالي في لبنان والشك في قدرتها على سداد ثمن الغاز الذي سيوّلد الكهرباء. 

‌ج- توفير أشكال أخرى من الدعم: ستقدم واشنطن مساعدات إغاثية وإنسانية إضافية للبنان، وهو ما قد يمتد إلى دعم قطاع الطاقة الكهربائية، وذلك على غرار إعلان الأمم المتحدة في نهاية شهر أغسطس الماضي، عن تخصيص عشرة ملايين دولار من أجل شراء الوقود لضمان استمرار عمل المستشفيات ومحطات المياه والصرف الصحي في لبنان، لحماية العائلات اللبنانية من التعرض لأزمة إنسانية.


مكاسب دولية وإقليمية

لا يعد الربط الكهربائي بين الدول الأربع سالفة الذكر بالمشروع الاقتصادي الذي يهدف إلى مساعدة لبنان على تجاوز مشكلة الكهرباء، ولكنه يمثل أحد المشروعات التي ستكون لها تداعيات إقليمية واسعة، والتي ستحقق للأطراف المعنية مكاسب متعددة، والتي يمكن توضيحها في التالي: 

1- احتواء واشنطن التغلغل الإيراني: يأتي مقترح السفيرة الأمريكية في 19 أغسطس الماضي بشأن دعم قطاع الطاقة الكهرباء اللبناني عبر سوريا، لقطع الطريق على إيران في زيادة حضورها في لبنان عبر توريد المحروقات، خاصة المازوت الذي سيستخدم في توليد الكهرباء من المحطات التي يملكها بعض الأشخاص خارج إطار الدولة. وتتحسب واشنطن من استغلال حزب الله توزيع تلك المحروقات وربطها بمصالح انتخابية مع قرب عقد الانتخابات النيابية في مايو 2022. 

ومن جهة أخرى، فإن هذا المشروع قد يمهد الطريق أمام محاولة إخراج سوريا من العقوبات الأمريكية، ويمثل خطوة إضافية على طريق اعتراف واشنطن بالحكومة السورية، وهو الأمر الذي يبشر في حال نجاحه بإضعاف النفوذ الاقتصادي الإيراني على سوريا، ويفتح الباب أمام الدول العربية لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دمشق.

وكانت أولى الخطوات غير المباشرة لواشنطن بالاعتراف بالحكومة السورية قد تمثلت في الاتفاق الذي أبرمته مع روسيا لتقديم المساعدات الإنسانية الدولية، والتي ساهمت في الموافقة على تقديم المساعدات عبر دمشق، فقد أكدت الخارجية الروسية في 30 أغسطس الماضي وصول المساعدات القادمة من مناطق سيطرة النظام إلى الشمال السوري، وهو الأمر الذي يكرس الاعتراف بالحكومة السورية.

2- استفادة سوريا من كسر العزلة: يأتي ترحيب دمشق بتوريد الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر أراضيها للبنان، للخروج من عزلتها عبر بوابة المشاريع الإقليمية، خاصة في مجال الطاقة التي تواجه فيه سوريا العديد من الأزمات. كما أن نجاح هذا المشروع سوف ستكون له ارتدادات إيجابية على محاولات إعادة دمج دمشق في النظام الإقليمي العربي.

3- مشاريع مصرية – أردنية للتكامل: يسعى البلدان لرفع وزيادة سعة خط الربط بينهما إلى 2000 ميجاوات بدلاً من 450 ميجاوات حالياً، بهدف الربط الكهربائي مع دول العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ودول الخليج العربي في مرحلة لاحقة، وهو ما ستستفيد منه كل الدول سابقة الذكر، بسبب اختلاف أوقات الذروة بينها، وكذا العمل على التكامل بين الدول المصدرة والمستوردة للطاقة، وهو ما يعزز من قطاع الطاقة في المنطقة العربية. 

ومن جهة أخرى، فإن مشروع التكامل الاقتصادي "المشرق الجديد"، الذي يتبناه رئيس الوزراء مصطفي الكاظمي، بالتعاون مع مصر والأردن، قد يمهد الطريق في مرحلة تالية لانضمام سوريا إليه، في حالة رفع العقوبات الأمريكية، وهي كلها مشاريع تساهم في تعزيز الدور العربي في سوريا. 

4- ترحيب روسي محتمل: يتوقع ترحيب موسكو بخطوة جعل سوريا منصة لدعم الطاقة الكهربائية في لبنان، وذلك للأسباب التالية:

‌أ- تراجع الحصار الدولي على دمشق: من المرجح أن يسهم المقترح الأمريكي لتوريد الغاز المصري لسوريا في فك الحصار عن ذلك القطاع، والذي يحتاج إلى قطع غيار ومستلزمات لتشغيل محطات توليد الكهرباء السورية، وبما يضمن استدامة توليد الطاقة الكهربائية حتى لا تؤثر على الإمدادات إلى لبنان.

‌ب- حل أزمة التمويل: أكد وزير الكهرباء السوري السابق، محمد زهير خربوطلي، في يونيو 2019، أن العقبة الرئيسية أمام التعاون السوري – الروسي في مجال الكهرباء هي مسألة التمويل، وذك أثناء حديثه عن إمكانية شراء الكهرباء من روسيا، وبالتالي قد توفر الجهات المانحة التمويل اللازم لدعم قطاع الكهرباء السوري تحت مظلة جهود الإعمار، أو دعم الوضع الإنساني في سوريا ولبنان.

‌ج- فرصة للشركات الروسية: لا يستبعد انخراط شركات روسية في عملية إعادة تأهيل البنية التحتية اللازمة، سواء المتعلقة بنقل الغاز أو الكهرباء، لضمان ربط الطاقة بين سوريا ولبنان، الأمر الذي يعظم من الحضور الروسي في المشرق العربي.

وفي الختام، يلاحظ أن الغطاء الأمريكي الممنوح للبنان لدعم قطاع طاقتها الكهربائية عبر سوريا، يفتح المجال لتعزيز العلاقات بين دول المشرق العربي من جهة، وبين تلك الدول والقوى الدولية المعنية، خاصة روسيا والولايات المتحدة، من جهة أخرى، وذلك في حالة النجاح في تجاوز مشاكل البنية التحتية للمشروع، كما أنه يفتح الباب أمام إعادة دمج دمشق في المشروعات الاقتصادية العربية، وهو ما يمثل خصماً من النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.