الوسيط الفعّال:

14 شرطاً لنجاح المبعوث الأممي الرابع لدى اليمن

29 August 2021


عيّن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 6 أغسطس 2021، السويدي هانز جروندبرج مبعوثاً أممياً جديداً لدى اليمن، ليكون بذلك المبعوث الرابع منذ عام 2011 عقب كل من المغربي جمال بنعمر، والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، وصولاً إلى البريطاني مارتن غريفيث الذي انتهت مهمته في يونيو الماضي وتم تعيينه وكيلاً للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

ومن المقرر أن يتسلم جروندبرج مهام عمله رسمياً في 5 سبتمبر 2021، لكنه يواجه العديد من التحديات التي قد تحول دون نجاحه في مهمته الأساسية المتعلقة بالتوصل إلى حل سياسي بين طرفي الأزمة اليمنية، مكرراً بذلك تجربه أسلافه الثلاثة. 

تعقيدات متشابكة:

تتمثل أبرز التعقيدات والتحديات أمام المبعوث الأممي الجديد لدى اليمن، هانز جروندبرج، في الآتي:

1- تعقيدات داخلية: تتعلق بالتركيبة القبلية للنظام السياسي اليمني، وعدم تجاوز هذه التركيبة عبر العقود الستة الماضية منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 التي أطاحت بحكم الإمامة في البلاد، وحتى انقلاب ميليشيا الحوثيين على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014. ويُضاف إلى ذلك، الفكر العقائدي للحوثيين الذي ينطوي على إيمان مطلق بأحقيتهم في الحكم دون سواهم، على حد زعمهم، ناهيك عن تعنت هذه الميليشيا الانقلابية وعرقلتها لكل مبادرات الحل السياسي للأزمة اليمنية والتي طرحها المبعوثون الأمميون السابقون أو أطراف إقليمية ودولية. كما أن تشظي المكونات السياسية اليمنية وارتباط البعض منها بدول في المنطقة، على غرار التبعية الحوثية المطلقة لإيران، قد ساهم في عدم توحد هذه المكونات تحت سقف وطني موحد.

2- تعقيدات إقليمية: تتمثل هذه التعقيدات في دعم دول إقليمية لمكونات يمنية مع عداء لمكونات أخرى، وبالتالي أصبحت الحرب في اليمن تجري على أساس مصالح مرتبطة بالنفوذ الإقليمي لبعض الدول، مثل التدخل الإيراني وكذلك التركي أحياناً في مواجهة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.

3- تعقيدات دولية: هي ظاهرة للعيان في اليمن، ومنها عدم قدرة المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن بأعضائه الخمسة الدائمين، على إيجاد حل للأزمة اليمنية والضغط لفرضه في إطار قواعد الشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، خاصة القرار رقم 2216 لعام 2015 ومن أبرز بنوده سحب الحوثيين قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها ومنها صنعاء، والتخلي عن أسلحتهم، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية. ويُضاف إلى هذه التحديات، تضارب مصالح القوى الدولية إزاء الصراع اليمني، في إطار تنافسها بالشرق الأوسط. كما قد يكون لبعضها مصلحة في استمرار هذا الصراع؛ لكونها مستفيدة من ذلك مادياً وسياسياً.

خيارات النجاح:

من خلال ما تقدم، يُلاحظ أن المشهد اليمني يزداد تعقيداً مع مرور الوقت، ولفهم هذا المشهد فإنه على المبعوث الأممي الجديد أن يوظف كل إمكانياته لتلافي سلبيات وأخطاء من سبقوه، وفهم الواقع الداخلي ودراسة أطرافه وعلاقاته خارجياً وداخلياً، وتهيئة واقع دولي مساند لمهمته. ويمكن إيجاز بعض مقاربات النجاح المُقترحة للمبعوث الأممي الجديد لدى اليمن، فيما يلي:

1- فهم حقيقة دور المبعوث الأممي: ما أسهم في فشل المبعوثين الأمميين الثلاثة السابقين في اليمن، هو محاولة تحجيم دور المبعوث وصلاحياته. فسبق أن قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن المبعوث ليس مسؤولاً عن الحرب ولا عن السلام، ويقتصر دوره على أن يعرض على طرفي النزاع سُبلاً لوضع حد للحرب. وقد يتحفظ البعض على هذه التصريحات؛ لأن أهم أهداف الأمم المتحدة هو تحقيق الأمن والسلم الدوليين، فإذا لم يكن المبعوث مسؤولاً عن الحرب فهو معني بتحقيق السلام وفق مهمته. لذا على المبعوث الأممي الجديد، جروندبرج، أن يضع نُصب عينيه السعي لتحقيق السلام في اليمن وفرض الحل وفق قرارات الشرعية الدولية.

2- تنفيذ قرارات الأمم المتحدة: يخضع اليمن لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني استخدام القوة ضد من يخالف أو يتجاوز قرارات ومواثيق الأمم المتحدة. ومن ثم لا بد للمبعوث الأممي أن يستخدم هذه الصلاحية في مهامه إذا أراد تحقيق النجاح في مواجهة مراوغات الحوثيين، حيث إن ممارسة الضغوط والتهديد بفرض العقوبات قد تبدو الطريقة الأنجع في أوقات الحروب.

3- الالتزام بمرجعيات السلام المعتمدة دولياً: ثمة ثلاث مرجعيات تمثل ركائز الحل السياسي في اليمن، وهي المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية ذات الصلة، خاصة القرار رقم 2216. وأي تجاوز لهذه المرجعيات هو عبث يؤدي إلى زيادة تعقيد الأزمة الحالية واستمرارها، حيث إنه من أسباب فشل المبعوثين السابقين هو البحث في قضايا فرعية تحت مسميات مختلفة بعيداً عن جوهر المرجعيات الأساسية.

4- تهيئة وضع دولي مساند: يعمل المبعوث جروندبرج تحت سلطة الأمم المتحدة، وهي ليست فوق سلطة الدول، بل هي سلطة حاكمة بين الدول. ومن المعروف أن للدول الكبرى اليد الطولى في تنفيذ القرارات الدولية من عدمه، ومن الواضح أن هناك عدم حسم من هذه الدول مع الميليشيا الحوثية، ما يساعد الأخيرة في التمادي في الخيار العسكري، والتهرب من السلام. 

وبالتالي لن ينجح المبعوث الأممي الجديد إذا استمرت الحال كما هي عليه، والدليل على ذلك هو تعدد المبعوثين والنتيجة واحدة حتى الآن. فبالإضافة إلى المبعوث الخاص بالأمم المتحدة لدى اليمن، هناك مبعوثان آخران؛ أمريكي وأوروبي، وهو ما يشير إلى اختلاف وجهات النظر بين هؤلاء الثلاثة تجاه الأزمة اليمنية وعدم توحدهم على موقف واحد أو تراخيهم في التعامل مع خروقات وانتهاكات الحوثيين.

5- إعادة الشرعية اليمنية: تماهى المبعوثون الأمميون السابقون مع الميليشيا الحوثية إلى أبعد حد، واعتبروها هي والسلطة الشرعية في كفتي ميزان، وهذا ما فاقم الأزمة اليمنية. في حين أن أهداف السلام ومرجعياته واضحة في ضرورة إعادة الشرعية، فهي ذات سيادة، والهدف دحر الانقلاب وتسليم سلاح الدولة، وعلى المبعوث الجديد أن يضع ذلك في حسبانه لإنجاح مهمته.

6- الحيادية ومصداقية الموقف: على المبعوث الأممي لدى اليمن أن يكون صادقاً مع نفسه ومع مهمته، وأن يعمل بمهنية ويضع النقاط على الحروف من دون انحياز أو تهاون، وأن يعلن عن الطرف المعرقل للسلام. فما أفشل مهمة المبعوثين السابقين هو عدم وضوحهم وعدم إعلانهم عن الطرف (الحوثي) الذي تسبب في إفشال محادثات السلام. وكان سبب ذلك هو تجنب المواجهة مع هذا الطرف.

7- عدم ربط الأزمة اليمنية بملف إيران النووي: كثيراً ما تجعل الدول تدخلها في بعض الأزمات الخارجية مجرد أداة ضغط لتحقيق أهدافها الخاصة في ملفات أخرى. وينطبق ذلك على ارتباط القرار الحوثي بإيران وبمسار قضيتها النووية، وهو ما يزيد من معاناة اليمن ويُعقد أزمته. وفي هذا الإطار، قال المبعوث الأمريكي لدى اليمن، تيموثي ليندركينغ، في مايو الماضي، إن تقدم المباحثات بشأن الملف النووي الإيراني سيسهم في تقدم الحوار السعودي - الايراني ويفيد اليمن. لذلك يتعين على المبعوث الأممي التعاون مع الدول الكبرى لفصل مساري أزمتي اليمن والإيران، لإنجاح مهمته.

8- مراعاة حسابات دول الإقليم: تعد الأزمة اليمنية جزءاً من الصراع على النفوذ بين الدول الكبرى في المنطقة، وعلى المبعوث الأممي أن يتعامل مع ذلك بحكم الواقع، فلا حل في اليمن إلا بتوافق إقليمي بين الدول الرئيسية ذات النفوذ.

9- القدرة على الاختراق السياسي: سعى المبعوثون الأمميون السابقون في اليمن إلى تجزئة قضايا الصراع بين ما هو إنساني واقتصادي وسياسي وعسكري، ولم يتم البحث فيها كوحدة واحدة متكاملة الأضلاع، مما ساهم في تشظي الأزمة وفشلها على المستويين الإنساني أو الاقتصادي، وذلك في ظل عدم دعم حل سياسي واضح للأزمة اليمنية.

10- إدراك أن الحوثيين جماعة عقائدية: لا شك أن الصراعات العقائدية تعد من أشد الصراعات في العالم، وميليشيا الحوثيين عقيدتها مُعلنة وليست سرية، وهدفها السلطة الدينية والدنيوية، وهي لا تعتبر ذلك سراً. وبالتالي يجب أن يعي المبعوث الأممي أن عليه السعي لإثناء هذه الميليشيا عن هدفها في الانفراد بالسلطة وعدم تقبل الآخر.

11- فهم التناقضات الداخلية للمجتمع اليمني: لم يخض مبعوثو الأمم المتحدة السابقون في التعقيدات المتشابكة للمجتمع اليمني بين ما هو مذهبي ومناطقي وثقافي واجتماعي وسياسي، واكتفوا بالجلوس مع بعض القيادات السياسية وممثلي المجتمع المدني الذين ليسوا ممثلين عن "الطيف الواسع" من اليمنيين. كما أن المجتمع القبلي والـتأثيرات العشائرية وتأثير المال السياسي، كلها تلعب دوراً محورياً في تأجيج نار الأزمة، وعلى المبعوث الأممي أن يفهم هذا الواقع للبحث عن سُبل لاختراق جدار الأزمة.

12- تجنب "المرونة السلبية": تبنى المبعوثون السابقون سياسة التحفيز والمرونة الزائدة تجاه ميليشيا الحوثيين. وكانت نتائج هذا التوجه كارثية، وأدت إلى المزيد من التصعيد العسكري الحوثي خاصة في جبهة مأرب، فضلاً عن مواصلة استهداف المدنيين والأراضي السعودية. وفي هذا الصدد، ذكر وزير الخارجية اليمني السابق، عبد الملك المخلافي، أن ادعاء الحياد والمرونة الزائدة يصل في بعض الأحيان إلى "المرونة السلبية" التي تؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتفاقم المشكلات والتحديات بشكل أكثر تعقيداً.

13- عدم تجزئة الحلول على أساس مناطقي: تعد اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر 2018 سابقة خطيرة في عملية السلام باليمن؛ فهي شرّعت لتوقيف الحرب في مدينة الحديدة وتسليمها لإدارة الميليشيا الحوثية، وهي بذلك تُجزئ عملية السلام مناطقياً تحت مبرر إنساني، بينما هي في الحقيقة تسهم في إطالة أمد الحرب وعدم حسم عملية السلام. كما تم انتقاء تنفيذ بنود هذه الاتفاقية، حيث تم تنفيذ البعض منها المتعلقة بالحديدة، وتجاهل أخرى مثل فتح المعابر لمدينة تعز، وهذا ما يؤكد فشل الحلول المجزأة.

14- وقف الانتهاكات الحوثية: كثيراً ما كان المبعوثون السابقون يتهاونون في معاقبة الحوثيين المنتهكين لحقوق الإنسان، سواء في الميدان أو في قصف الأحياء السكنية أو في اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية أو تجنيد الأطفال أو زرع الألغام. ونتج عن ذلك فشل مهمة مبعوثي الأمم المتحدة؛ لأن التهاون والتغاضي عن تلك الانتهاكات زاد من حدتها.


الخلاصة، من الواضح أن شخصية المبعوث الأممي، وقدراته وإمكانياته التفاوضية، وخبراته في اختراق الخصوم، والبحث عن مكامن الخلل ونقاط الضعف ونقاط القوة عند كل طرف؛ تسهم بإيجابية في إيجاد الحلول ووضع منهجية علمية وتحديد آلية للمفاوضات حولها. كما أن البحث في استراتيجية أممية تقوم على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بتقديم مبادرات جريئة ومعززة بسلطة مجلس الأمن، هي من السُبل المطلوبة لفرض السلام وتحقيق الأمن في اليمن. وكل ذلك يتوقف على توافق دولي وإقليمي ونوايا حسنة من أطراف الصراع.