جدل متفاقم:

هل يتوافق الليبيون على الدستور قبل الانتخابات؟

16 March 2021


عقب أداء حكومة الوحدة الوطنية الليبية اليمين القانونية أمام مجلس النواب في 15 مارس 2021، وما يرتبط بذلك من تدشين المرحلة الانتقالية التي تنتهي في ديسمبر 2021 بعقد انتخابات عامة، فقد اقترنت تلك التطورات بتساؤل جوهري متعلق بالأساس الدستوري الذي سيتم عقد الانتخابات المقبلة على أساسه، خاصة وأن ليبيا دون دستور منذ نحو عقد كامل.

ولذا فقد طالب رئيس هيئة صياغة مشروع الدستور "الجيلاني أرحومة" في السابع من مارس الجاري بضرورة البت في الاستحقاق الدستوري، من أجل تمكين الشعب الليبي من الاستفتاء على مشروع الدستور المنجز من جانب الهيئة منذ منتصف عام 2017، وكذلك عقب التوافق بمدينة الغردقة المصرية في 19 يناير و21 فبراير الماضيين على إجراء الاستفتاء على الدستور قبل الانتخابات.

محاولات للتوافق:

تبلورت خلال الفترة الأخيرة جهود مختلفة من أجل التوافق على الوضع الدستوري خلال المرحلة المقبلة، وذلك على النحو التالي:

1- اتفاق على آلية جديدة لاعتماد القاعدة الدستورية: اتفقت اللجنة الدستورية في منتصف فبراير الماضي بمدينة الغردقة المصرية، على آلية جديدة لاعتماد القاعدة الدستورية التي ستُجرَى على أساسها الانتخابات العامة المقررة نهاية العام الجاري، وذكرت اللجنة -في بيان لها- اعتمادها نظام الدوائر الثلاث في تنفيذ عملية الاستفتاء على الدستور تتكون من الأقاليم التاريخية الثلاثة (طرابلس، وبرقة، وفزان)، على أن يحظى مشروع الدستور بثقة الشعب إذ تم التصويت بالأغلبية المطلقة بدلًا من النظام السابق الذي كان قائمًا على موافقة الثلثين بالإضافة إلى واحد.

على أن تكون المرحلة التالية بعد تجاوز العتبة المطلوبة شعبيًا لتمرير المشروع، أن تحال نتيجة الاستفتاء إلى الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور من أجل المصادقة عليه كدستور دائم للبلاد، وبعد ذلك يعتمدها مجلس النواب الليبي.

2- توضيح المسار المحتمل في حال رفض المشروع: وفق اللجنة الدستورية الليبية فإنه في حال رفض مشروع الدستور فإنه يتم إعادته مرة أخرى إلى الهيئة التأسيسية لصياغته وعرضه على الاستفتاء خلال ثلاثين يومًا، وهو ما قد يؤدي إلى إطالة أمد المرحلة الانتقالية، خاصةً في ظل ضيق الوقت المتبقي أمام السلطة التنفيذية الحالية من أجل تهيئة الظروف لانتخابات عامة في ديسمبر المقبل. ووفق مشروع الدستور، إذا تعذر إجراء الاستفتاء على الدستور، تُجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق القاعدة الدستورية الاحتياطية التي تم التوافق بشأنها من جانب مجلسي النواب والأعلى للدولة لإتمام المسار الانتخابي ثم استكمال الاستفتاء لاحقًا.

وبالتالي فإنه وفق المعطيات الحالية، من المتوقع أن يكون بنهاية العام قد تم الانتهاء من أحد الاستحقاقين؛ إما الاستفتاء على الدستور وتمريره، أو الاعتماد على القاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات العامة، وفي مرحلة لاحقة يتم الاستفتاء على الدستور.

3- تحصين السلطة المنتخبة لتفادي الطعون: وفق أحد أعضاء اللجنة الدستورية، فإن اللجنة قد اتفقت على تحصين المراكز القانونية الجديدة التي ستنتج عن الاستفتاء على مشروع الدستور، وذلك من خلال إيقاف النظر في الطعون، وهي خطوة تبدو مهمة خوفًا من أي تداعيات سلبية للطعن على السلطة التي ستنتخب نهاية العام الجاري، وما يرتبط بذلك من تفادي إدخال البلاد في موجة جديدة من حالة عدم الاستقرار السياسي.

4- أولوية الاستفتاء على الدستور: أكد ممثلو مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة وهيئة صياغة الدستور مرارًا وتكرارًا خلال الأسابيع الأخيرة، على أنه لا يمكن أن يتم تحديد موعد للانتخابات العامة وإجراؤها دون اعتماد الدستور، وذلك لتفادي الخروج من مرحلة انتقالية والدخول في مرحلة أخرى شبيهة. وفي هذا الإطار، فقد اقترح وفد الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في مطلع مارس الجاري على المبعوث الأممي الجديد "يان كوبيش" عقد الاستفتاء على مشروع الدستور في 24 ديسمبر المقبل (موعد الانتخابات العامة)، على أن يتم إجراء الانتخابات بعدها، وذلك من أجل قطع الطريق أمام أي ذرائع يتم الدفع بها لتجاوز الاستحقاق الدستوري، وفق تعبيرهم.

صعوبات متعددة:

يمكن القول إن التوجه نحو إقرار إطار دستوري قبيل الانتخابات العامة يواجَه ببعض التحديات، وذلك على النحو التالي: 

1- إجراءات مطوّلة للاستفتاء الشعبي على الدستور: من المفترض أن تتطلب عملية الاستفتاء على مشروع الدستور إجراءات متعددة قد تتطلب تجاوز الوقت المحدد سلفًا لإجراء الانتخابات العامة في ديسمبر المقبل، خاصة في حال تم رفض مشروع الدستور، وما يرتبط بذلك من تحديد موعد جديد وإجراءات جديدة، حتى إن الناطق باسم مجلس النواب الليبي "عبدالله بليحق" قد اعتبر أنه في حال التوافق على الاستفتاء أولًا فإن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ستحتاج نحو سبعة أشهر من أجل الاستعداد لهذا الاستفتاء.

2- الخلاف المتصاعد حول مسودة الدستور: لا يحظى مشروع الدستور الحالي المنجز بتوافق ليبي، وهو ما يتطلب نقاشًا مجتمعيًا أكبر من أجل تجاوز المواد الخلافية، خاصةً ما يتعلق بتحقيق العدالة المناطقية في توزيع السلطة والاكتفاء بمجلس تشريعي واحد أم الأخذ بنظام المجلسين، وغيرها من المواد التي تحتاج لنقاش أعمق؛ إذ تنتقد بعض الاتجاهات لا سيما من شرق ليبيا كون المسودة الحالية قد كتبت منذ عام 2012 عندما كانت هناك سيطرة لتيارات بعينها في المؤتمر الوطني تهدف لإخراج الدستور وفق المغالبة لا التوافق، ولذا فقد انتقد بعض نواب البرلمان الليبي في طبرق هذه المسودة، واعتبروا أنها "معيبة، ولا ترقى لطموحات الليبيين".

3- التشكيك في شرعية السلطة الجديدة: برغم المساعي القائمة لتحصين السلطة المنبثقة عن الانتخابات العامة في ديسمبر المقبل، فإنه في حال تعذر عقد الاستفتاء على الدستور، وتم إجراء الانتخابات في موعدها؛ فإنه سيجري عمل الاستفتاء في مرحلة لاحقة، أي بعد الانتخابات، وهو ما سيفتح الباب أمام تشكيك البعض في مدى شرعية السلطة الجديدة برغم تحصينها، وبما يمكن أن يفتح الباب أمام إعادة إنتاج مرحلة انتقالية جديدة حتى يتم التوافق على الدستور الدائم.

4- التعامل مع التحديات الأمنية القائمة: ترتبط عملية تفكيك المليشيات المسلحة وإخراج المرتزقة الأجانب بشكل وثيق بالسياق الليبي الحالي، سواء تم التوجه نحو الاستفتاء الشعبي على الدستور أولًا، أو الاعتماد على القاعدة الدستورية الاحتياطية وإجراء الانتخابات العامة أولًا، إذ إنه لا يمكن تنظيم أي من هذه الاستحقاقات بدون تهيئة البيئة الأمنية المناسبة، وهو أمر لن يتأتى في ظل انتشار المليشيات والمرتزقة في الغرب الليبي، خاصة وأن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبًا على المشاركة السياسية لليبيين بشكل كبير.

وتُعزز تلك السياقات من صعوبة المهمة الثقيلة المُلقاة على عاتق السلطة التنفيذية المنبثقة عن ملتقى حوار جنيف، خاصة وأن أمام تلك السلطة نحو تسعة أشهر فقط للتعامل مع كم هائل من التحديات، وهو ما يتطلب ضرورة تعزيز الضغوط الأممية وحتى الدولية من أجل عدم إطالة أمد المرحلة الانتقالية التي بدأت للتو.

وفي المجمل، قد يكون من الصعب أن يحظى مشروع الدستور على توافق خلال المرحلة المقبلة، نظرًا لضيق الوقت، ولذا قد يتم اللجوء للقاعدة الدستورية الاحتياطية عبر إجراء الانتخابات العامة، خاصة وأن الهدف الرئيسي في الوقت الحالي هو إنهاء المرحلة الانتقالية في نهاية العام الجاري، من أجل عدم استنساخ تجربة حكومة الوفاق من جديد عبر تجاوز الفترة الزمنية المقررة لها في السلطة، وهو ما يتفق مع الحاجة إلى نقاش مجتمعي واسع يراعي مخاوف وتطلعات المناطق الليبية الثلاث من أجل التوصل لدستور يعبر عن تطلعات كافة الليبيين.