التفاهم المشترك:

آليات تعزيز العلاقات بين واشنطن والرياض

19 April 2016


إعداد: أحمد عبدالعليم

ترتبط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بعلاقات استراتيجية قد لا تخلو من خلافات في وجهات النظر من وقت إلى أخر، غير أنه في ظل التهديدات المعقدة التي تواجه الدولتين في منطقة الشرق الأوسط، أصبحتا مطالبتين بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما، من خلال التعاون الأمريكي - السعودي الوثيق في التعامل مع المخاطر القائمة في سوريا والعراق واليمن، وأيضاً مكافحة الإرهاب والتطرف، والتعامل مع إيران باعتبارها تشكل تهديداً أمنياً مباشراً لأمن الخليج، علاوة على التنسيق المشترك بشأن المسألة الكردية في المنطقة.
كانت هذه النقاط هي محور دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، تحت عنوان: "المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة: مصالح مشتركة ومصادر مستمرة للتوتر"، وأعدها "أنتوني كوردسمان"، وهو رئيس "كرسي أرليه بورك" Arleigh A. Burke في الشؤون الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
وتتطرق الدراسة إلى العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتوضح أوجه الخلافات بين البلدين خلال المرحلة الماضية، وصولاً إلى طرح عدد من المقترحات التي يمكن من خلالها تعزيز التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الدولتين.
العلاقات التاريخية بين واشنطن والرياض
يشير "كوردسمان" إلى أن العلاقات الأمريكية - السعودية هي استراتيجية بالأساس، حيث إن البلدين قد تعاونا بشكل وثيق منذ خمسينيات القرن الماضي من أجل تحقيق الأمن الخليجي والإقليمي، ومن ذلك التعاون الأمريكي- السعودي لمواجهة غزو صدام حسين لدولة الكويت في عام 1990.
كما تعتمد المملكة العربية السعودية على الولايات المتحدة في تسليحها وتدريب قواتها العسكرية، حيث يشكل التعان العسكري بين البلدين جزءاً رئيسياً من علاقاتهما الاستراتيجية. ويشير الكاتب إلى أن السعودية قامت خلال الفترة بين عامي 2007 و2014 بشراء أسلحة جديدة بقيمة بلغت حوالي (86) مليار دولار، منها 60 مليار دولار أسلحة من الولايات المتحدة وحدها.
أسباب الخلافات: متغيرات جديدة
يرى "كوردسمان" أن ثمة خلافات بين الولايات المتحدة والسعودية، معتبراً أنها ليست بجديدة، حيث إنها تمتد على مدار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، في ظل ارتباط الولايات المتحدة بحماية إسرائيل، وحرص السعودية على دعم القضية الفلسطينية.
كما أدت هجمات 11 سبتمبر في عام 2001 إلى توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن، قبل أن يصبح البلدان شركاء في مكافحة الإرهاب. كذلك، كانت الاختلافات في الدين والثقافة والنظم السياسية مصدراً مستمراً للتوتر وسوء الفهم بين الولايات المتحدة والسعودية.
وخلال السنوات الأخيرة، طرأت متغيرات جديدة مرتبطة بظهور تهديدات في منطقة الشرق الأوسط، مختلفة عما كانت عليه في الماضي، ومن هذه التهديدات: إيران، وتنظيم "داعش"، والحروب الأهلية والاضطرابات السياسية في بعض الدول خاصةً منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. وترى المملكة أن الولايات المتحدة قد فشلت في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا والعراق، وفي التعامل بشكل حاسم مع نظام بشار الأسد ووقف الحرب الأهلية السورية، بالإضافة إلى عدم وجود رد حاسم على الطموح النووي الإيراني.
كيفية تعزيز العلاقات المشتركة
تؤكد الدراسة على أن الشراكات والتحالفات بين أيّ دولتين لابد أن تكون مبنيَّة بالأساس على آليات واضحة تجعل العلاقات تتطور إلى خطوات أكثر نجاحاً، وهو ما ينطبق بالضرورة على العلاقات الأمريكية – السعودية، خاصةً في ظل وجود مرحلة من اختلاف الرؤى والتوجهات إزاء عدد من الملفات والقضايا في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، يتطرق الكاتب إلى عدة نقاط يمكن من خلالها تعزيز التعاون والتفاهم المشترك بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بشكل يخدم مصالح البلدين، وذلك على النحو التالي:
1- اتخاذ خطوات في سبيل جعل مستوى الشراكة والتفاهم الاستراتيجيين بين البلدين، واضحاً لدى الرأي العام والخبراء ووسائل الإعلام في واشنطن والرياض، وجعل التعاون الأمريكي - السعودي أكثر شفافية، من خلال إبراز جهود الدولتين في مكافحة الإرهاب، وتشجيع السلام والاستقرار في المنطقة، وتعاونهما في مجالات التعليم والتجارة وأمن الطاقة.. وغيرها.
وينطلق هذا المقترح من اعتقاد لدى "كوردسمان" بأن معظم الأمريكيين والسعوديين يرون أن ما يربط واشنطن والرياض هي المصالح المشتركة، وليس التفاهم المشترك. ويضيف الكاتب أن الأمريكيين الذين يعرفون المملكة يدركون مستوى التقدم الذي وصلت إليه، ولديهم أصدقاء سعوديين، ويجدون سهولة في العيش هناك، لكن معظم الأمريكيين لديهم فهم محدود للتاريخ والثقافة السعودية والتقدم الذي أحرزته. وفي المقابل، بالرغم من أن عدداً أكبر من السعوديين درس في الولايات المتحدة، بيد أن معظم السعوديين لديهم فهم محدود بالولايات المتحدة.
2- السعي نحو مزيد من التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية في التدريبات العسكرية المشتركة، علاوة على تطوير التعاون في مجالات الطاقة.
3- التعامل مع إيران باعتبارها تشكل تهديداً أمنياً مباشراً، سواء للأمن الإقليمي بشكل عام أو لأمن دول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة، وذلك في ظل سياسات النظام الإيراني الحالي والقائمة على دعم الفاعلين المسلحين من غير الدول، بالإضافة إلى الدور الإيراني في تأجيج الصراعات في سوريا والعراق واليمن، وهي السياسات التي تؤدي إلى تعزيز النزعة الطائفية والتوترات بين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط.
4- التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في التعامل مع التهديدات القائمة في سوريا والعراق، خاصةً في ظل وجود نزعة طائفية وتزايد مخاطر المتطرفين الإسلاميين. ويؤكد الكاتب على ضرورة أن تكون واشنطن والرياض مستعدين لكل الاحتمالات القائمة، سواء نجاح الجهود الرامية إلى وقف أعمال العنف والقتال في سوريا والعراق، أو فشل هذه الجهود واستمرار الحرب الأهلية مدفوعة بتدخل روسي ودعم إيراني للأنظمة الحليفة لها.
5- التعاون الأمريكي- السعودي المشترك ضد التهديدات الناجمة عن الصراع في اليمن، ويتعين على الولايات المتحدة أن تعي حقيقة أن اليمن يمثل مسألة حيوية للمملكة العربية السعودية وأمنها القومي، لذلك يجب على الإدارة الأمريكية تقديم المساعدة العسكرية للسعودية وشركائها في اليمن مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن ناحية أخرى، يدعو الكاتب الرياض إلى أن تكون أكثر مرونة في اختبار الخيار السياسي وعدم الاكتفاء فقط بالحل العسكري في اليمن، وحذر من أن استمرار الحرب هناك سيؤدي إلى تغذية العنف الديني وإعطاء فرصة لانتشار الجماعات المسلحة في اليمن، مثل تنظيمي "داعش" و"القاعدة في جزيرة العرب"، فضلاً عن زيادة معاناة سكان واحدة من أكثر البلدان فقراً في العالم.
6- زيادة التنسيق بين البلدين في مكافحة الإرهاب والتطرُّف، حيث إن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد السعودية وكذلك البلدان الإسلامية في مواجهة المخاطر المتزايدة للإرهاب، خاصةً في ظل استخدام الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة لشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في تجنيد المتطرفين. كما تحتاج واشنطن والرياض إلى التركيز على المسببات الدينية والفكرية للتطرف في المنطقة، وكذلك دراسة الأسباب الأخرى له مثل انتشار البطالة، وسوء توزيع الدخل.. وغيرها.
7- التنسيق بشأن المسألة الكردية في المنطقة، حيث أصبح الأكراد قوة عرقية رئيسية في المنطقة، وبالتالي تحتاج الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية للنظر في كيفية التعامل مع ارتفاع التوتر بين الأكراد وتركيا، ومع انتشار الكرد وزيادة قوتهم في سوريا والعراق، وذلك خشية حدوث صراع بين الأكراد والعرب. وأحد الخيارات التي تطرحها الدراسة، في هذا الصدد، هي دعم شكل من أشكال الفيدرالية التي تعطي حماية للسنة والشيعة، والعرب والأكراد.
8- التعاون في مواجهة عدم الاستقرار الذي تمخضّت عنه ثورات الربيع العربي في بعض دول المنطقة، حيث إن الولايات المتحدة والسعودية ملتزمتان بتنسيق الجهود بينهما من أجل مساعدة هذه الدول التي تعاني من حالة عدم استقرار، خاصةً في ظل بطء الاقتصاد العالمي، والضغط السكاني، والانخفاض الهائل في أسعار النفط وعائداته.
ختاماً، يشير "كوردسمان" إلى أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى تأسيس شراكات إقليمية ودولية أكثر فعًّالية، وتحاول أن تلعب دوراً قيادياً بارزاً، تجسد في الإعلان، في ديسمبر 2015، عن قيادة تحالف إسلامي عسكري لمكافحة الإرهاب. كذلك نظمت السعودية مناورات "رعد الشمال"، في فبراير 2016، بمشاركة قوات عسكرية من 20 دولة عربية وإسلامية، وهو ما يمكن أن تستغله الولايات المتحدة بشكل كبير في دعم التعاون مع المملكة، وتعزيز الردع الإقليمي، وإنشاء تحالف قوي قادر على مواجهة الإرهاب والتصدي للفاعلين المسلحين من غير الدول في إقليم الشرق الأوسط.

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة: مصالح مشتركة، ومصادر مستمرة للتوتر"، والصادرة في فبراير 2016 عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).
المصدر:
Anthony H. Cordesman, Saudi Arabia and the United states: common interests and continuing sources of tension, (Washington, Center for Strategic and International studies,  February 2016).