صعوبات كبيرة:

أى مسار ينتظر الاقتصاد التونسي في ظل "كورونا"؟

19 October 2020


يواجه الاقتصاد التونسي في الوقت الراهن صعوبات كبيرة، يعود جزء منها إلى الظروف والتداعيات السلبية الناتجة عن جائحة فيروس "كورونا"، التي جلبت ضغوطاً اقتصادية واسعة على العالم أجمع، لما نتج عنها من وقف وإغلاق عام للعديد من الأنشطة الاقتصادية، وعلى رأسها قطاع السياحة، الذي يمثل المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة للاقتصاد التونسي بدوره. ورغم ذلك، فإن الشق الأهم من الأزمة والصعوبات التي يعيشها الاقتصاد يعود إلى أسباب داخلية وسابقة لأزمة "كورونا"، ولاسيما منذ بداية ظروف عدم الاستقرار السياسي الذي تعرضت له البلاد على مدار السنوات الماضية.

مؤشرات سلبية:

تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد التونسي بمعدل يقدر بنحو 7% في عام 2020، كأحد أعلى معدلات الانكماش المتوقعة على المستوى الدولي في العام الذي شهد ذروة الجائحة، لاسيما أن تقديرات الصندوق ترجح أن يبلغ معدل انكماش الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري نحو 4.4%، وأن اقتصادات الدول المتقدمة ستنكمش بمعدل 5.8% في المتوسط، في حين أن متوسط معدل انكماش الاقتصادات الصاعدة، التي تنتمي إليها تونس، يرجح أن يصل إلى نحو 3.3%. 

ورغم أنه من المتوقع أن يعود الاقتصاد إلى النمو الإيجابي بمعدل 4% في عام 2021، لكن انكماشه خلال العام الجاري بذلك المعدل المرتفع ينطوي على دلائل سلبية كثيرة ترتبط بهشاشة الوضع الكلي به. كما أن احتمال عودة الاقتصاد إلى النمو الإيجابي بحد ذاته يظل مرتهناً بانتهاء أزمة "كورونا"، وهو أمر لا يمكن الجزم بحدوثه في الأجل المنظور، بما في ذلك عام 2021، ولاسيما إذا استمرت الإصابات الجديدة بالفيروس حول العالم في الارتفاع كما حدث خلال الفترة الأخيرة، حيث أن الارتفاعات الأخيرة دفعت بعض الدول إلى فرض الإغلاق العام أو الجزئي مرة أخرى.

وفي ظل هذه الظروف غير المواتية، تتوقع الحكومة تسجيل عجز في موازنتها بنسبة 14% للعام المالي 2020، مقارنة بعجز يبلغ نحو 3% كان متوقعاً للموازنة ذاتها قبل اندلاع أزمة "كورونا" في بداية العام. وترد الحكومة هذه الزيادة الكبيرة إلى تداعيات الجائحة. وبينما تسعى إلى تخفيض عجز الموازنة إلى نحو 7.3% في العام المالي المقبل (2021)، حسب تقديرات مشروع الموازنة العامة الجديدة، الذي أحالته إلى البرلمان للمناقشة والمصادقة عليه مؤخراً، يظل إدراك هذا الهدف مرهوناً بانتهاء أزمة "كورونا".

ويُقدَّر حجم الموازنة التونسية للعام المالي الجديد (2021) بنحو 52.6 مليار دينار، وبما يناهز نحو 19 مليار دولار، بزيادة تبلغ نحو 11.3% عن موازنة العام المالي 2020، التي بلغت قيمتها 47.23 مليار دينار، أو ما يناهز نحو 17 مليار دولار. لكن الزيادة المستهدفة في الموازنة تعتمد على قدرة الاقتصاد على تأمين المزيد من مصادر الدخل، وهو أمر بعيد المنال، في ظل تجدد الانتشار الواسع لفيروس "كورونا" حول العالم، ما يدفع باستمرار انخفاض الإيرادات العامة لجميع الدول، ولاسيما التي تعتمد على القطاعات المُدِرَّة للإيرادات من الخارج، كتونس التي تعتمد على قطاع السياحة، الذي يعد القطاع الأهم بالنسبة لاقتصادها، إذ أنه يسهم بنسبة تبلغ نحو 14.6% من ناتجها المحلي الإجمالي، وبنسبة تزيد عن 50% من إيراداتها من النقد الأجنبي سنوياً.

وبينما عانت تونس من انكماش اقتصادي في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة تبلغ 21.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فإن السبب الرئيسي وراء هذا الانكماش ارتبط بشكل جوهري بتراجع إيرادات قطاع السياحة، التي انكمشت بنسبة تزيد عن 38% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وقد أظهرت بيانات البنك المركزي تراجع دخل تونس من السياحة في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، إلى 1.028 مليار دينار (361.9 مليون دولار)، منخفضة من 1.63 مليار دينار (576.2 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من عام 2019. وقد صنّف صندوق النقد العربي تونس من بين أكثر الدول العربية تضرراً من تراجع إيرادات قطاع السياحة في ظل التداعيات الاقتصادية لأزمة "كورونا" في عام 2020.

معضلة سياسية:

في الوقت الذي تعاني تونس من ضعف وهشاشة اقتصادية في ظل أزمة "كورونا"، فإن أوضاعها السياسة المتوترة منذ فترة تقف حجر عثرة أمام عودة اقتصادها إلى الاستقرار، حتى في حال انتهاء أزمة "كورونا" قريباً. وتعيش تونس وطأة أزمة سياسية أربكت استقرار البلاد، نتيجة تجاذبات بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان في شق منها، وبين رئيس الدولة والأحزاب في شق آخر. وقد تسببت هذه التجاذبات في جعل عملية اتخاذ القرار الاقتصادي معقدة، وهو ما يصعب مهمة تحفيز الاقتصاد، وتعزيز قدرته على مواجهة أزمة "كورونا".

ونتيجة لهذا الوضع المعقد، يرى بعض الخبراء الاقتصاديين التونسيين أن الدولة تقف قريبة من حدود الإفلاس، لاسيما أن تلك التجاذبات تمثل عاملاً مُثبطاً للسياسات الاقتصادية، ناهيك عن كونها عاملاً معرقاً للتوصل إلى توافق بين أطراف السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد، الأمر الذي يؤجل إقرار تلك السياسات، ويترك الاقتصاد عرضة للمزيد من التأزم في مشكلاته. 

وتواجه الحكومة معضلة أخرى ناتجة عن ارتفاع حجم الدين العام، الذي يمثل نحو 85% من الناتج المحلي الإجمالي، بجانب اقتراب مواعيد سداد جزء كبير من تلك الديون. ووفق بعض التقديرات، فإن تونس مطالبة بسداد ديون خارجية بقيمة 7.5 مليار دينار (2.7 مليار دولار) خلال الربع الأخير من عام 2020 فقط. 

وقد تسببت تلك الظروف، من عدم الاستقرار السياسي، في تراجع عام في مؤشرات الاستثمار في تونس، نظراً لأنها فرضت حالة من الضبابية على آفاق الاقتصاد وفرص تعافيه من أوجه الضعف والهشاشة المالية. وبينما تراجع الاستثمار الأجنبي الوافد إلى تونس إلى نحو 845 مليون دولار في عام 2019، مقارنة بنحو 1.04 مليار دولار في عام 2018، بنسبة بلغت نحو 22.8%، فإنه من المرجح أن يتراجع بشكل أكثر عمقاً في عام 2020.

ويبدو من الصعب الخروج من الوضع الذي وصلت إليه المؤشرات الاقتصادية في تونس من دون تسوية الأوضاع المالية المتأزمة منذ سنوات، فضلاً عن إيجاد السبيل نحو إقرار سياسات تحفيزية قادرة على تمكين الاقتصاد من استيعاب الضغوط الناتجة عن أزمة "كورونا"، وجميع هذه الأمور لا يمكن إدراكها من دون الوصول لحالة من الاستقرار السياسي المُعزز للتعافي الاقتصادي، والضامن لاستدامته.