تحدٍ كبير:

إلى أن يتجه مستقبل شركات الطيران العالمية؟

07 September 2020


فرضت أزمة كورونا تأثيرات سلبية واسعة على العديد من الأنشطة الاقتصادية سواءً على المستوى المحلي بالدول، أو على المستوى العالمي، لكن حجم وعمق هذا التأثير يختلف من قطاع إلى آخر، باختلاف درجة تأثر القطاع بالإجراءات الاحترازية، وعمليات الإغلاق التي اتخذتها الحكومات، من أجل محاصرة الفيروس، والتي تركزت خلال الأشهر من مارس وحتى يوليو الماضيين.

كما أنه خلال الفترة التالية، ومنذ أغسطس الماضي تحديداً، شهد الاقتصاد العالمي عودة تدريجية للأنشطة الاقتصادية، لكن ظلت هناك العديد من الأنشطة التي مازالت لم تتمكن من العودة سواءً بشكل كلي، أو حتى بشكل جزئي يساعدها على تغطية تكاليفها. ويعد قطاع الطيران أحد هذه القطاعات، التي مازالت تعاني توقفاً شبه كامل، ومازال أمامها الكثير من الوقت للعودة لمستويات نشاطها الطبيعي، الذي كانت عليه قبل الأزمة، وربما ستبقى بعض الآثار المستدامة للأزمة عليها، وخاصة في ظل التغيرات التي يمكن أن تطرأ على عادات السفر لدى البشر حول العالم.

مسار غامض:

هذا الأمر من شأنه أن يغير من هيكل قطاع الطيران العالمي، وأن يدفع بشركات طيران نحو الإفلاس والخروج من السوق. كما أنه قد يدفع الشركات الكبرى القادرة على الاستمرار إلى تقليص حجم أساطيلها، وتغيير خططها التوسعية المستقبلية. وفي هذا الإطار توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) أن تؤدي أزمة فيروس كورونا إلى خسائر قياسية لقطاع الطيران في عام 2020، وبما يقدر بنحو 84 مليار دولار.

 وقد وصف الاتحاد هذا العام بأنه "أسوأ عام في تاريخ الطيران". وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن التقديرات التي يشير إليها الاتحاد الدولي للطيران هي تقديرات أولية، وتعتمد كذلك على افتراض اتجاه القطاع نحو التعافي التدريجي، وأنه لن يتعرض لانتكاسة شديدة في الأداء خلال الفترة المقبلة.

لكن في الحقيقة، فإن هذه الافتراضات خاضعة للأخذ والرد، في ظل ما يشهده العالم الآن من تصاعد في وتيرة الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في العديد من البلدان، والذي دفع بعضها إلى العودة لتطبيق إجراءات إغلاق جديدة، وإعادة القيود التي كانت فرضتها على حركة السفر والطيران في بداية الأزمة. وبالتالي، فإن الفترة المقبلة قد تشهد تراجعاً جديداً في وتيرة عودة قطاع الطيران العالمي إلى سابق عهده، وتبقي على مستويات تشغيله عند الحدود الدنيا لفترات غير قصيرة في المستقبل.

ولذلك، فإن توقع أداء قطاع الطيران العالمي للعام المقبل، والعام الذي يليه، يظل عملية محفوفة بالكثير من المخاطر والصعوبات. وبرغم أن الاتحاد الدولي للطيران المدني يتوقع أن ترتفع حركة السفر الجوي بنسبة 55% في عام 2021، مقارنة بها في عام 2020، فإن ذلك المستوى من التشغيل قد يكون من الصعب التوصل إليه، كما أنه وبافتراض تحققه فإنه لن يكفي لاستعادة القطاع نشاطه بمستويات ما قبل الأزمة، بل إنه سيكون أقل بنسبة تقدر بنحو 29% عن مستواه في عام 2019.

وبشكل عام، وفي ظل المعطيات الراهنة، فإن إجمالي خسائر قطاع الطيران العالمي بسبب أزمة كورونا، سوءاً في عام 2020 أو في عام 2021، من المتوقع أن يصل إلى 100 مليار دولار على الأقل. ومن أجل تعويض هذه الخسائر، فقد عملت العديد من شركات الطيران العالمية على تخفيض أسعار خدماتها للجمهور، لكن من فعل ذلك هي الشركات الكبيرة، التي تمتلك هوامش كبيرة للحركة، ولديها قدرات مالية تساعدها على تحمل ضغوط الأزمة، بجانب اتخاذ إجراءات تعويضية، كتخفيض عدد الموظفين أو خفض الرواتب، وتخفيض أحجام أساطيل الطائرات، وإلغاء خطط التوسع، هذا بجانب تحفيض أسعار خدماتها. 

ضرورة التحرك:

ليست كل شركات الطيران قادرة على فعل ذلك، لاسيما الشركات الصغيرة ذات الانتشار العالمي المحدود، والتي ليس لديها الملاءة المالية الكبيرة والكافية للمناورة. وفي هذا السياق، فقد اضطرت شركات طيران بالفعل إلى إعلان الإفلاس بسبب ذلك، ومنها شركة فلاي بي البريطانية، وشركة يوروونجز، وفيرجن أستراليا، وشركة الطيران الوطنية في جنوب أفريقيا، وشركة أفيانكا في أمريكا الجنوبية، وغيرها. كما أن هناك العديد من الشركات تواجه المصير ذاته، وفي حال استمرت الأزمة، أو تفاقمت أكثر مما هي عليه الآن، فإن الوضع مرشح للمزيد من التأزم.

وقد طالبت 3 أكبر تحالفات شركات طيران عالمية، وهي وان وورلد، وسكاي تيم، وستار ألاينس، تمثل أكثر من 58 شركة طيران في العالم، الحكومات بتقييم جميع الوسائل الممكنة لمساعدة الصناعة، وهو ما حدا بالعديد من الحكومات إلى إقرار تقديم دعم لشركات الطيران لديها بأشكال مختلفة. وكمثال على ذلك، فقد قدمت الحكومة الفرنسية قرضاً بقيمة 7 مليار يورو لمنع خطر إفلاس شركة إير فرانس. كما أعلنت شركة طيران هونج كونج كاثاي باسيفيك عن خطة إنقاذ حكومية بقيمة 5 مليار دولار. وفي نفس السياق، سعت بعض شركات الطيران الكبيرة للحصول على قروض، أو زيادة الرساميل، أو طلب صفقات إنقاذ في الأسابيع الماضية، ومن بينها خطوط سنغافورة، والخطوط الكورية، والشركات الثلاث الأمريكية الكبرى، ولوفتهانزا.

ولذلك فإنه يمكن القول أن صناعة النقل الجوي العالمية تمر بمأزق كبير الآن. لكن المشكلة الأكبر هي أن هذا المأزق لن تقتصر آثاره على تلك الصناعة فقط، بل إنه سوف ينعكس على صناعات أخرى مصاحبة له أو معتمدة على شركات النقل الجوي مثل محطات تكرير وقود الطائرات والسياحة وأعمال المطارات والأمن والوظائف الإدارية. ولذلك فإن هناك حاجة ماسة لتجنب هذا الأمر من خلال إيجاد آليات مساعدة للقطاع على التعافي أو على الأقل المحافظة على الاستقرار في الأداء، بما يجنب الاقتصاد العالمي المزيد من الصعاب هنا وهناك.

ويمكن القول إن هناك ضرورة وحاجة ملحة لقيام الحكومات بدعم شركات الطيران، وبرغم أن هناك الكثير من الانتقادات التي توجه لذلك النوع من الدعم، باعتباره "يشوه السوق"، وفق ما يراه المنتقدون، لكن بعد أن أصبحت شركات الطيران في حاجة ماسة للدعم والتدخل من أجل تجنيب القطاع بالكامل خطر الانهيار، ومن ثم تفاقم تبعات ذلك على باقي القطاعات الاقتصادية، فإنه يمكن اتباع آلية الدعم ضمن إطار عالمي، وتحرك منسق ومتزامن، بما يقلص سلبيات التدخل الحكومي على اقتصاديات القطاع، ويساعد في الوقت ذاته على تمكين القطاع من الاستمرار في أداء دوره المباشر، ومساعدة باقي القطاعات المرتبطة به على الاستمرار أيضاً.