أزمة متجددة :

معضلات عديدة في مواجهة الانتخابات العراقية

05 August 2020


تشير المبادرات الخاصة بإجراء انتخابات مبكرة في العراق إلى بداية مخاض سياسي يتماشى مع استحقاقات المرحلة الانتقالية الحالية. وفيما دعم رئيس الجمهورية برهم صالح الموعد الذي حدده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في يونيو من العام المقبل، اقترح رئيس البرلمان محمد الحلبوسي حل البرلمان وإجراء الانتخابات في موعد "أبكر" في غضون شهرين. وعلى التوازي، انطلق مارثون الاستقطاب السياسي بين الكتل النيابية التي انقسمت هى الأخرى على وقع الجدل الدائر بين الفريقين. 

وفي سياق موازٍ، شكلت ارتدادات هذا الجدل مخاضاً آخر يتعلق بالجوانب الإجرائية التي يتعين الانتهاء منها أولاً، يتصدرها إقرار قانون الانتخابات المعلق، والملفات الخاصة المرتبطة بمفوضية الانتخابات، على المستويين الهيكلى واللوجستي، وهى إحدى المعضلات الرئيسية لتفادي التشكيك في العملية الانتخابية، إضافة إلى حسم الجدل المثار حول قرار تعديل المحكمة الاتحادية. 

أبعاد الجدل: 

تتعدد أبعاد الجدل حول الانتخابات المقبلة في العراق، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تباين حول التوقيت: البداية جاءت من خلال اقتراح رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بإجراء تصويت على حل البرلمان، وهى الدعوة التي تلقفها الرئيس العراقي برهم صالح الذي أشار إلى أنه في حال التصويت على الحل ستكون هناك فرصة شهرين لإجراء الانتخابات، لكن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أعلن أن هناك حاجة لـ11 شهراً أخرى محدداً موعد 6 يونيو 2021 لإجراء الانتخابات بناءً على المشاورات مع مفوضية الانتخابات التي تحتاج، وفق مستشار رئيس الوزراء لشئون الانتخابات حسين الهنداوي، إلى 9 أشهر تقريباً لإنجاز تلك المهمة، وبالتالي أصبح هناك اتجاهان أحدهما مبكر، والآخر "أبكر".

وعلى ما يبدو، فإن الرئيس ألقى الكرة في ملعب رئيس الوزراء بالنظر للمعطيات الإجرائية المطلوبة، لكن ما سيحسم الموقف، حسب مراقبين، هو قرار البرلمان خلال الأيام المقبلة، وهذا القرار لن يكون فقط على التصويت الخاص بالحل وإنما أيضاً على إقرار قانون الانتخابات وإرساله لرئيس الجمهورية للتصديق عليه، وهو الإجراء الآخر الذي وعد رئيس البرلمان بإنجازه خلال الأيام القادمة، وبالتالي سيعلق الأمر في عهدة الكتل السياسية النيابية في كلا الإجرائين.

2- التشريعات المُعلَّقة: على الرغم من أنه تمت الموافقة البرلمانية على قانون الانتخابات في ديسمبر الماضي، إلا أنه لم يرفع لرئيس الجمهورية بدعوى الانتهاء من تحديد الدوائر الانتخابية وتسمياتها، وهو المتغير الرئيسي في القانون الجديد. 

لكن على ما يبدو، فإن تلك الخطوة بدأت تشهد تراجعات بدعوى أنها تمت تحت ضغوط الانتفاضة التي شهدها الشارع والتي أطاحت بالحكومة السابقة، كما أنها لم تحظ بتأييد كامل من الكتلة الكردية والقوى السنية في البرلمان. وفي هذا السياق، هناك اتجاه يشير إلى احتمال تقديم القوى السياسية المعارضة للكاظمي تنازلات لاسيما للأكراد لحل هذه الأزمة، وبالتالي يكتمل التوافق حول القانون ويرفع للتصديق. لكن هذه المحاولة ستصطدم في المقابل بموقف الكتل المؤيدة لرئيس الوزراء على الجانب الآخر، لاسيما تحالف "عراقيون" و"سائرون". 

3- إشكالية المفوضية: وهى معضلة أخرى تتعلق بالإطار الهيكلي الخاص بمكاتب المفوضية الإدارية التسعة التي يفترض تشكلها وفق القانون، وهى أيضاً محل جدل بين القوى السياسية، فالبعض منها يجادل بشأن آلية الاختيار لمن سيقومون على العملية، وهناك من يجادل بشأن طريقة الفرز والنتائج، وطرف ثالث يجادل بشأن التوقيت المطلوب للانتهاء من الاستعدادات والتي يعتبرها البعض محاولة لتسويف الاستحقاق، وهى المواقف التي رفضتها المفوضية، معتبرة أن هناك قواعد قانونية حاكمة لكافة الإجراءات يتم اتباعها بعيداً عن التسييس والمحاصصة، وقطعت الطريق على تلك الحجج بأحقية البرلمان في المسألة الخاصة بتعييناتها. 

4- الملفات اللوجستية: وتتعلق في جانب منها بالأطر الإجرائية، وفي جانب آخر بالأبعاد السياسية الخاصة بمواقف القوى السياسية من موعد الاستحقاق. فعلى سبيل المثال، فإن أحد أبرز تلك الملفات يتعلق بوضع المحكمة الاتحادية، وإنهاء الخلاف الدائر بينها وبين مجلس القضاء الأعلى حول نصاب الانعقاد والقرارات، ويقتضي حل هذا الخلاف تدخل برلماني لحسمه. وتهدد قوى سياسية عديدة بالطعن في شرعية الانتخابات في حال لم يتم حسم هذا الملف. 

كذلك ملف توفير الموازنة والتسهيلات المطلوبة لعمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والذي سيتوقف بدوره على مواقف القوى السياسية من المفوضية وفقاً لما سبق الإشارة إليه في معضلة المكاتب الإدارية.

كما أثارت بعض الكتل إشكالية أخرى، وإن كانت أقل جدلاً، وهى مشكلة "الإحصاء السكاني"، لكن مراقبين اعتبروا أن التحجج بإجراء إحصاء يهدف إلى عرقلة العملية الانتخابية بالأساس وسبق وتم التعامل معه من قبل بزيادة عدد مقاعد البرلمان. 

مسارات محتملة: 

تعكس حالة الانقسام في مواقف القوى السياسية صعوبة حسم الجدل الدائر لتحديد موعد الانتخابات بين رئيسى البرلمان والوزراء، ويرجح أن يكون أول تداعياتها ارتفاع حدة الاستقطاب السياسي، لاسيما وأن لكل طرف ما يسوقه لدعم موقفه. فرئيس الوزراء ينطلق من خلفية التركيز على الطابع المؤسسي في الانتخابات مقابل رئيس البرلمان الذي يبدي حرصه على تجاوز المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن بالنظر إلى الحاجة لوجود حكومة بصلاحيات كاملة للتعامل مع الأزمات التي تعاني منها العراق لاسيما الخدمية والاقتصادية.  

وفي هذا السياق، فإن ثمة مسارات ثلاثة محتملة في هذا السياق: يتمثل أولها، في اتجاه الرئاسات الثلاث إلى مراجعة مواقفها، بحيث يتم الاتفاق أولاً على حسم إشكال الموعد، وهو ما قد ينتج عنه الإعلان عن موعد جديد. 

ويتعلق ثانيها، بما ستسفر عنه موازين القوى والمشاورات النيابية، وهى إن كانت غير واضحة بالدرجة الكافية وفي أغلب التقديرات ستعكس درجة الانقسام البرلماني، فإنها قد ترجح نسبياً كفة رئيس البرلمان. وهذا المسار سيتضح مع الانتهاء من الملفات التشريعة والإجرائية العالقة. 

وينصرف ثالثها، إلى تصعيد الأزمة السياسية وعدم قدرة أى طرف على الحسم، وقد يستتبع ذلك حالة من عدم الاستقرار الأمني والفوضى، خاصة وأن تيار المعارضة لموقف رئيس الوزراء أصبح يستهدف بقاؤه شخصياً في موقعه إضافة إلى الحفاظ على مكتسباته السياسية ولا يرى في إطالة الوقت فرصة له. 

في المحصلة الأخيرة، يمكن القول إن ملف الانتخابات العراقية المبكرة أصبح يشكل أولوية المرحلة الحالية، بعد نحو شهرين من الاهتمام بالشأن الخارجي، والقضايا الأمنية. وعلى الرغم من أن هذا الاهتمام بالملف الانتخابي يعكس درجة من الاختزال للمشهد السياسي، إلا أنه في واقع الأمر سيشكل بوصلة المستقبل العراقي على المدى المتوسط، فتفاعلاته الحالية تمثل سباق قوى بين طرفين، أحدهما يسعى لتغيير قواعد اللعبة الحاكمة منذ سقوط النظام السابق، والآخر يحرص على إعادة إنتاج تلك المرحلة.