ضغوط قوية:

كيف يتأثر قطاع الكهرباء بالأزمة الاقتصادية في لبنان؟

06 July 2020


تواجه لبنان ارتباكاً اقتصادياً ومالياً غير مسبوق في ضوء ضعف مصادر النقد الأجنبي وتراكم الديون الحكومية، وانعكس ذلك على مختلف الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك قطاع الكهرباء الذي يتعرض لمشكلات متراكمة منذ سنوات طويلة. وتعاني لبنان من فجوة كبيرة في إنتاج الكهرباء بسبب انخفاض الاستثمارات وضعف الكفاءة الفنية، وثبات التعريفات لفترة طويلة، ومما فاقم الأزمة في الفترة الأخيرة نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات مع ضعف السيولة من النقد الأجنبي في السوق، بجانب تزايد عمليات تهريب الوقود إلى دول الجوار مثل سوريا. ويحتاج علاج مشكلة قطاع الكهرباء إلى سلسلة من الإجراءات التشريعية والتنظيمية والتي يرتبط تطبيقها، على أية حال، بوجود خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي. 

مشكلات متراكمة: 

يعتبر نقص الكهرباء إحدى المشكلات المزمنة التي تعاني منها لبنان منذ فترة طويلة، وهناك فجوة كبيرة في إنتاج الكهرباء تتخطى 1200 ميجاوات، بما يُعرِّض السكان لانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي تدوم لعدة ساعات طوال اليوم سواء في العاصمة بيروت أو غيرها من المدن الأخرى. 

وفي عام 2018، بلغت الطاقة الإنتاجية للمحطات الحرارية والكهرومائية في البلاد نحو 2334 ميجاوات، بينما وصل الطلب الحقيقي إلى نحو 3562 ميجاوات، ويتزايد في فترات الحر الشديد في فصل الصيف. ويتم سد الفجوة الكبيرة في الإنتاج عن طريق الاعتماد على المولدات الكهربائية التي تديرها الشركات الخاصة وتتلقى رسوماً من العملاء نظير التيار الكهربائي الممدود إليهم.  

وبالأساس، يعاني قطاع الكهرباء في لبنان من مشكلات فنية ومالية هيكلية ممتدة منذ فترة طويلة، فالوقود الأساسي المستخدم في محطات الكهرباء هو الديزل وزيت الوقود، وهما ذات كفاءة منخفضة من الناحية المالية والبيئية، حيث يتسببا في ارتفاع كلفة الصيانة وتلويث الهواء. ووفق وزارة الطاقة اللبنانية، فإن شبكة الكهرباء تعاني من هدر فني في عمليتى النقل والتوزيع يصل إلى 16.5% من الإنتاج، بالإضافة إلى هدر آخر بنسبة تتخطى 21% بسبب التعديات على شبكة التوزيع. 

ومن ضمن المشكلات الأخرى التي يواجهها القطاع، ضعف تحصيل الفواتير، بجانب وجود فارق كبير بين تكلفة إنتاج وبيع الكهرباء، ففي حين أن التكلفة الفعلية لتوليد الكهرباء تتراوح بين 0.16-0.23 دولار لكل كيلووات في الساعة، فإن متوسط السعر الحالي عند مستوى 0.095 دولار لكل كيلووات في الساعة، على نحو يؤدي إلى حدوث عجز مالي لمؤسسة الكهرباء بقيمة تتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار سنوياً، تقوم الحكومة بسده من خلال إجراء تحويلات مالية سنوية إلى المؤسسة.  

فضلاً عن ذلك، لم تستطع الحكومة تطوير البنية التحتية للكهرباء منذ فترة طويلة، وأنشأت آخر محطة للكهرباء في عام 2012، ولعل ذلك يعود إلى ضعف التمويل، وعدم القدرة على جذب شركاء من الشركات الدولية بسبب الارتباك المالي وعدم الاستقرار السياسي. وقد أقرت وزارة الطاقة خطة عمل لمدة 5 سنوات لتطوير قطاع الكهرباء وإضافة 1450 ميجاوات من القدرة الكهربائية، غير أن تنفيذها توقف مع تصاعد الأزمة المالية في البلاد خلال الفترة الأخيرة.

أزمات جديدة:

تواجه لبنان تخبطاً مالياً واقتصادياً تزايدت حدته مع تصاعد أزمة كورونا، وهو ما يعود إلى نقص النقد الأجنبي، بجانب تراكم الديون الحكومية إلى مستوى يقارب 140% من الناتج المحلي الإجمالي، وبما دفع وكالات التصنيف الائتماني إلى خفض التصنيف الائتماني للبنان، وانعكس ذلك بدوره على مختلف الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك الكهرباء. 

وعلى نحو لافت، باتت الحكومة غير قادرة على استيراد السلع الأساسية، بما في ذلك واردات الديزل وزيت الوقود اللازمة لتشغيل المولدات الخاصة أو المحطات الكهربائية، وبما ينذر بتزايد انقطاع التيار الكهربائي لفترات أطول في كافة المدن. 

وإلى جانب ما سبق، لم تنجح لبنان في الوصول إلى إجماع وطني وسياسي حول خطة للإصلاح الاقتصادي للخروج من المأزق الاقتصادي الراهن، وقد تعثرت خطاها نحو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن هذ البرنامج، مما قد يعرقل الحصول على مساعدات مالية عاجلة للتعامل مع الاختلالات الهيكلية الحالية، ويوقف أيضاً أوجه الدعم من الدول وباقي مؤسسات التمويل الدولية الأخرى.  

كما يواجه قطاع الكهرباء ضغوطاً أخرى مع تصاعد تهريب الوقود إلى سوريا بسبب اختلاف الأسعار بين البلدين رغم إجراءات الحكومة اللبنانية لضبط الحدود البرية بين البلدين. وقد ظهرت مشكلة أخرى مع بداية تطبيق عقوبات اقتصادية واسعة على سوريا بموجب قانون "قيصر" الأمريكي، حيث قد تجد لبنان صعوبة في استيراد نحو 200 ميجاوات من الكهرباء من شبكة الكهرباء السورية ما لم تحصل على استثناء أمريكي بشأن ذلك

تجاوز المأزق:

لا ينفصل علاج المشكلات المتراكمة لقطاع الكهرباء في لبنان، بأى حال من الأحوال، عن تجاوز المأزق الراهن في البلاد، فالحكومة بحاجة ملحة إلى توافق سياسي سريع على برنامج للإصلاح الاقتصادي لكى تحظى بدعم مالي من المجتمع الدولي. ولكن على المدى القصير، تحتاج لبنان بشكل عاجل لتأمين شحنات الوقود اللازمة لتشغيل المحطات، وإن كان ذلك يتطلب توفير سيولة من النقد الأجنبي، وهو أمر ليس بيسير ولكن يمكنها الاعتماد على بعض حلفائها لتوريد احتياجاتها في أقرب وقت ممكن. 

وعلى المدى الطويل، يتطلب علاج مشكلات قطاع الكهرباء سلسلة من الإجراءات: يتمثل أولها، في التحول نحو استخدام مصادر وقود أكثر كفاءة مثل الغاز الطبيعي بدلاً من الديزل وزيت الوقود، على نحو سيخلق وفورات مالية للحكومة، بجانب أنه أقل تلويثاً للبيئة. وينصرف ثانيها، إلى تحرير تعريفات الكهرباء تدريجياً لكى تتمكن مؤسسة الكهرباء من تغطية تكاليفها، وبالتالي تقليل عجزها المالي وخفض الديون الحكومية. 

فيما يتعلق ثالثها، بتيسير بيئة الاستثمار من أجل جذب الشركاء الأجانب للمشاركة في بناء وتشغيل محطات الكهرباء، وهو ما يتطلب بدوره تنفيذ إصلاحات تنظيمية أخرى مثل ضرورة وجود سلطة أو هيئة مستقلة لتنظيم عمليات ترخيص منشآت الكهرباء، بجانب تحديد التعريفات وكافة الأمور التنظيمية والتشغيلية الأخرى. 

ختاماً، يمكن القول إن قطاع الكهرباء اللبناني يواجه ضغوطاً لا تبدو هينة في ضوء المتغيرات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وهى ضغوط قد تتفاقم مالم تنجح الحكومة في الاتفاق على خطة عاجلة للإصلاح الاقتصادي قريباً.