استحقاقات مؤجلة:

لماذا تعارض روسيا الجهود الأمريكية لتمديد حظر الأسلحة على إيران؟

17 May 2020


ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تواصل مساعيها من أجل تمديد حظر الأسلحة الذي من المتوقع أن يرفع عن إيران في 18 أكتوبر القادم بمقتضى الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، حيث تسعى في الوقت الحالي إلى إقناع العديد من القوى الدولية بأهمية تمديد هذا الحظر، باعتبار أنه يساهم، وفقاً لرؤيتها، في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ويساعدها في التركيز على الشق الاقتصادي من الإجراءات العقابية التي تفرضها على إيران. إلا أن هذه الجهود يبدو أنها سوف تصطدم برفض روسي مباشر، لاعتبارات خاصة برؤية موسكو لتأثير ذلك على مستقبل الاتفاق النووي نفسه، فضلاً عن سعيها إلى تجنب خلط الأوراق في الصراع السوري، مع عدم استبعاد إبرام صفقات عسكرية نوعية مع إيران بعد هذا الموعد.

تدخل سريع:

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي إلى تشكيل تكتل دولي يمكنها من منع رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران وفقاً للاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، حيث أشار المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك، في مقال في صحيفة "وول ستريت جورنال" في 13 مايو الجاري، إلى أن "واشنطن أعدت مسودة مشروع قرار لمجلس الأمن وستمضى قدماً في الدبلوماسية وحشد الدعم"، مضيفاً أنه "إذا أحبط الفيتو الدبلوماسية الأمريكية، فإن الولايات المتحدة تحتفظ بالحق في تمديد حظر الأسلحة بوسائل أخرى"، في إشارة إلى خيار الإقدام على تفعيل آلية العودة الفورية "Snapback" لجميع العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل الوصول للاتفاق النووي.

وهنا سارعت روسيا إلى الانخراط في هذا الملف، حيث حرصت على توجيه رسائل عديدة مفادها أنها لن تتجاوب مع المساعي الأمريكية لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، في 14 مايو الجاري: "لا أرى سبباً لفرض حظر الأسلحة على إيران.. سينتهي (الحظر) في 18 أكتوبر. و(هذا القرار) كان مؤقتاً"، وأشار إلى الجهود الأمريكية في هذا الصدد بقوله: "من أجل إثارة السناب باك، يجب أن تكون مشاركاً في الاتفاق النووي.. والولايات المتحدة فاخرت في 8 مايو 2018 بانسحابها وأغلقت الباب خلفها".

اعتبارات عديدة:

وهنا، يمكن تفسير احتمال إقدام موسكو على عرقلة التحركات الأمريكية في هذا السياق في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- انسحاب إيران من الاتفاق النووي: كانت روسيا من أوائل القوى الدولية التي سعت إلى الوصول لصفقة تنهي أزمة الملف النووي الإيراني، إذ اعتبرت أن استمرار هذه الأزمة دون تسوية يمكن أن يفرض خيارات لا تتوافق مع مصالحها وأمنها القومي، وأهمها خياران: الأول، أن تندلع حرب جديدة في المنطقة بين إيران من جهة وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أو الأولى على الأقل، بكل ما يمكن أن ينتجه ذلك من تداعيات ترى موسكو أنها لا تمتلك ترف التعامل معها في المرحلة الحالية.

والثاني، أن تواصل إيران برنامجها النووي دون توقف، بشكل يمكن أن يساعدها في النهاية في الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، أو امتلاك القنبلة في حد ذاتها، وهو ما لن تسمح به روسيا، الجار الشمالي لإيران، باعتبار أن ذلك يعني حدوث خلل في توازنات القوى بالقرب من حدودها. وبمعنى آخر، فإن موسكو تريد أن تمتلك طهران برنامجاً نووياً وليس قنبلة نووية. ومن هنا، شاركت بقوة في الوصول للاتفاق النووي، الذي رأت أنه يحقق رؤيتها، على أساس أنه يساعد في الحفاظ على "سلمية هذا البرنامج" حتى لو كان بشكل مؤقت. 

لذا، فإن تمديد حظر الأسلحة كفيل، وفقاً لرؤية موسكو، بتغيير هذه المعطيات في مجملها، حيث أنه قد يدفع إيران بالفعل إلى خيار الانسحاب من الاتفاق، ومن ثم العودة مجدداً إلى "المربع الحرج" في الأزمة النووية، الذي تبدي موسكو تخوفات من مساراته المحتملة. وسبق أن أشارت إيران بالفعل إلى أن ردود فعلها إزاء تمديد الحظر قد تتجاوز مجمل الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها منذ عام تقريباً، فيما يتعلق برفع مستوى تخصيب اليورانيوم وزيادة كميته وتوسيع نطاق عمليات التخصيب.

2- عرقلة التعاون العسكري بين موسكو وطهران: رغم أن موسكو وجهت إشارات عديدة تفيد أنها ملتزمة بقرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بحدود التعاون العسكري الثنائي مع إيران، إلا أن ذلك لا ينفي أنها ربما كانت تستعد لرفع حظر الأسلحة من أجل إبرام صفقات عسكرية جديدة مع إيران. وقد كشفت تقارير عديدة، في فترات سابقة، عن أن مباحثات تجري بين الطرفين، بشأن صفقة تتيح لإيران شراء طائرات "سوخوى 30" ودبابات "تي 90". وربما يتم ذلك في إطار "مقايضة" بين الطرفين، في ظل الضغوط القوية التي تتعرض لها طهران وتمنعها من تسديد قيمة الصفقة نقداً، وهو ما لا يبدو أنه سوف يقف عائقاً، باعتبار أن روسيا قد ترى أن المكاسب الاستراتيجية التي يمكن أن تسفر عنها هذه الصفقة تتجاوز حدود "الدفع الفوري"، خاصة في ظل سعيها إلى توسيع نطاق تعاونها العسكري مع العديد من دول منطقة الشرق الأوسط.

3- خلط الأوراق في سوريا: لا يبدو أن موسكو تستبعد أن يكون للتصعيد الحالي بين طهران وواشنطن حول تمديد حظر الأسلحة ارتدادات مباشرة على التطورات الميدانية في سوريا. إذ ترى موسكو أنها الطرف الأساسي الذي يستطيع، بما لديه من خيارات، توجيه تلك التطورات بما يتوافق مع مصالحه، لاسيما في ظل حرصها على مواصلة التفاهمات الأمنية والسياسية مع كل القوى المعنية بالصراع السوري والمنخرطة فيه. 

وقد أشار بعض المسئولين الإيرانيين بالفعل إلى أن تداعيات أى تمديد محتمل لحظر الأسلحة سوف تمتد إلى منطقة الشرق الأوسط، بما يعني أنه لا يمكن استبعاد أن تقدم طهران على خيارات تصعيدية جديدة في المنطقة رداً على إمكانية نجاح واشنطن في تنفيذ مخططها، وهو ما ترى موسكو أنه قد يؤدي إلى خلط الأوراق مجدداً في سوريا ويؤثر سلبياً على إدارتها لعملية صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية التي يجري العمل عليها هناك، لاسيما في ظل استمرار الضربات العسكرية الإسرائيلية للمواقع الإيرانية داخل سوريا، والتي لا يبدو أنها بعيدة عن التفاهمات المتواصلة التي تجريها موسكو مع تل أبيب. 

4- تجنب الخيارات المحدودة: ترى روسيا أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحاول تقليص الخيارات المتاحة أمام القوى المعنية بالاتفاق النووي مع إيران، من أجل التجاوب مع مساعيها لمواصلة تطبيق حظر الأسلحة، عبر وضعها أمام خيارين رئيسيين: إما الموافقة على تمديد الحظر أو إعادة تطبيق العقوبات الدولية السابقة، وهى مقاربة تبدي موسكو تخوفات من أن يكون لها امتدادات في ملفات أخرى تحظى باهتمام خاص من جانب الطرفين، بما يعني أنها تسعى لعرقلة هذا التوجه من أجل تجنب تغيير قواعد التفاعل بين الطرفين حول تلك الملفات.

من هنا، لا يمكن استبعاد أن تشهد الساحة الدولية معركة دبلوماسية جديدة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية حول حظر الأسلحة المفروض على إيران، التي ربما تسعى لاستثمارها من أجل توسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها في المرحلة القادمة.