تبعات "كورونا":

كيف يؤثر الفيروس على قطاع الطاقة في الشرق الأوسط؟

07 April 2020


يتعرض قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط لمخاطر طارئة على ضوء تقلبات أسواق الطاقة في الفترة الأخيرة، وعدم اليقين الاقتصادي بسبب تفشي فيروس "كورونا" في أنحاء مختلفة من العالم، والذي سيؤثر بدوره على حيوية القطاع، حيث سيفرض تداعيات سلبية على سلاسل توريد صناعة الطاقة في المنطقة بما في ذلك عمليات الإنتاج، وصادرات المنطقة من النفط والغاز الطبيعي، بجانب تكرير وتوزيع الوقود وغيرها. وتتمثل أبرز المؤشرات الدالة على ذلك فيما يلي:

1- تباطؤ الطلب على النفط والغاز: تواصل أغلب دول العالم اتخاذ إجراءات احترازية مثل تقييد السفر وانتقال الأفراد، وتعليق الطيران الدولي، في محاولة للحد من انتشار فيروس "كورونا"، ويتزامن مع ذلك إغلاق كثير من الشركات وحداتها الإنتاجية، وهو ما سوف يؤدي بالتأكيد لانخفاض الاستهلاك العالمي من الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي.   

وعلى هذا النحو، تذهب التوقعات إلى أن الطلب العالمي على النفط الخام سينخفض في عام 2020 بما لا يقل عن 3 مليون برميل يومياً، بل تشير سيناريوهات أخرى إلى أن الاستهلاك العالمي قد ينكمش بشكل حاد وبنسبة أكثر من 10%، أى بما يعادل 10 مليون برميل، وذلك حال استمرار حالات الطوارئ الصحية التي تفرضها كثير من دول العالم حتى نهاية العام الجاري. 

وبلا شك، فإن صادرات المنطقة من النفط ستتضرر بشدة في ظل التطورات الأخيرة، حيث من المتوقع تراجعها بشكل كبير خلال العام الجاري مع انخفاض طلب المستهلكين على الخام، وقد قام بالفعل بعضهم مؤخراً بإرجاء استلام أو إعادة جدولة شحنات نفط تم الاتفاق عليها في السابق. 

وفي السياق نفسه، من المتوقع أن تشهد صادرات المنطقة من الغاز المسال تباطؤاً ملموساً في 2020 مع الانكماش المتوقع للقطاع الصناعي وقطاع النقل العالميين. وفي أولى المؤشرات الأولية في هذا الصدد، أعلنت شركات طاقة هندية وصينية- دول منطقة الشرق الأوسط من أبرز مورديها- حالة القوة القاهرة في استيراد الغاز المسال أى بمعنى وجود ظروف قهرية تحول دون استيرادها الخام. 

2- تراجع عائدات الصادرات: تعرضت أسعار النفط لصدمة مزدوجة في الفترة الماضية تأثراً بتدهور الطلب العالمي على الخام مع تفشي فيروس "كورونا"، فضلاً عن تعثر تحالف "أوبك+" في التوصل لاتفاق لخفض الإنتاج. وسوف يفرض استمرار تدهور أسعار النفط ضغوطاً قوية على عائدات الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب معهد التمويل الدولي، فعند متوسط سعر لبرميل النفط بـ40 دولار، سوف يفقد مصدروا النفط بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عائدات تقدر بقيمة 192 مليار دولار، أى بنسبة 11% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سيكون له بطبيعة الحال تداعيات وخيمة على اقتصادات المنطقة. 

3- تعليق جزئي للإنتاج: إلى الآن، لازال إنتاج النفط والغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط مستقراً، إلى حد بعيد، برغم أزمة تفشي فيروس "كورونا"، غير أنه من اللافت أن بعض حكومات المنطقة اضطرت لخفض الطاقة الإنتاجية لبعض حقول النفط والغاز مع تراجع الاستهلاك المحلي للغاز والمشتقات النفطية في قطاع النقل والصناعة، الأمر الذي قد يتسع نطاقه مع تواصل الأزمة.

ومثالاً على ذلك، خفّضت وزارة الطاقة التونسية إنتاج حقل نوارة للغاز إلى 800 ألف متر مكعب من الغاز يومياً، وهو أدنى بكثير من طاقة المشروع الإنتاجية البالغة نحو 2.7 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، وذلك نظراً لانخفاض الاستهلاك المحلي للغاز مع تقييد الأنشطة الاقتصادية والتجارية في البلاد. 

 كما تشير التقديرات إلى أن إيران خفّضت إنتاجها من النفط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بسبب تفشي فيروس "كورونا"، جنباً إلى جنب مع العقوبات، بقرابة 83 ألف برميل يومياً، حيث وصل إلى قرابة 1.9 مليون برميل يومياً، ويتزامن ذلك مع انخفاض استهلاك البنزين بأكثر من الثُلث منذ تفشي الفيروس. 

4- تأجيل مشاريع الطاقة: دفعت تقلبات سوق الطاقة العالمية وعدم اليقين الاقتصادي بسبب "كورونا" الحكومات وشركات الطاقة إلى تأجيل خططها لتطوير إنتاج النفط والغاز الطبيعي لحين انتهاء الأزمة. وبدورها، قررت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية تأجيل الموعد النهائي لتقديم طلبات دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية بالبحر المتوسط إلى يونيو المقبل بدلاً من  إبريل الجاري. 

كما اضطرت كثير من شركات الطاقة الحكومية في المنطقة، في ضوء الظروف الراهنة، لتقليص نفقاتها وتأجيل العديد من مشاريعها الاستثمارية في عام 2020، على غرار شركة "سوناطراك" الجزائرية التي قررت تخفيض النفقات الاستثمارية في العام الجاري بنحو النصف إلى 7 مليار دولار من 14 مليار دولار في السابق. 

كما يلاحظ أيضاً تأثر أعمال شركات الطاقة الأجنبية في المنطقة في ظل التطورات الأخيرة، ويتضح ذلك جلياً في مؤشرات عديدة مثل قيام شركة "ساوند إنيرجي" البريطانية، صاحبة ترخيص حقل غاز تندرارة بشرق المغرب، بتأجيل توقيع العقود النهائية للتنقيب والإنتاج مع الحكومة المغربية حتى نهاية يونيو، أما شركة "إيني" الإيطالية فإنها بصدد مراجعة مشروعاتها للطاقة في المنطقة كما أعلنت في الأيام الماضية. 

وفيما يتعلق بالطاقة المتجددة، فمن المحتمل كذلك أن تتأثر بعض مشاريع الطاقة المتجددة المخطط تنفيذها بالمنطقة في ضوء الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، حيث تسبب فيروس "كورونا" في غلق عدد من مصانع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح الرئيسية في العالم ولاسيما في إسبانيا وإيطاليا. 

5- تأثر سلاسل التوريد: سوف تؤثر الظروف الراهنة، دون شك، على سلاسل توريد صناعة النفط في المنطقة بما في ذلك مصافي التكرير ومحطات توزيع الوقود. فمن المرجح أن تتأقلم مصافي النفط مع انخفاض استهلاك الوقود بالسوق المحلية من خلال خفض طاقتها الإنتاجية، وبدورها قد تضطر كثير من محطات توزيع الوقود لتقليص عملياتها أيضاً.

وكمثال على ذلك، فقد توقف عمليات بيع المشتقات النفطية في إيران بشكل واضح في ظل تفشي فيروس "كورونا" وقيود الانتقال، وهو ما سيدفع نحو إغلاق 70% من المحطات المنتشرة فيها بحسب تصريح سابق لرئيس مجلس إدارة جمعية تجار المنتجات البترولية الإيرانية أسد الله قلي زاده. 

6- تقييد العمالة الأجنبية: تواجه العمالة الأجنبية في قطاع الطاقة بالشرق الأوسط مأزقاً في ظل تفشي فيروس "كورونا"، حيث بادرت العديد من الحكومات بتقييد عمل الأجانب بالمنشآت النفطية مثل الجزائر التي اتخذت مؤخراً إجراءات بتقييد عمل الأجانب في حقول النفط والغاز الطبيعي، فيما قامت بعض الشركات الأجنبية بإجلاء موظفيها من المنطقة، على غرار شركة "بتروناس" الماليزية التي سحبت موظفيها من حقل "الغراف" النفطي بالعراق. ومن شأن القيود المفروضة على العمالة الأجنبية أن تؤثر على العمليات التشغيلية لصناعة النفط والغاز خاصة في الدول شديدة الاعتماد على العمالة الفنية أو الخبراء الأجانب بهما.

وختاماً، يمكن القول إن قطاع الطاقة بالشرق الأوسط مُعرَّض لمخاطر واسعة بسبب تفشي "كورونا"، وسيتوقف تجاوزها على مدى سرعة احتواء الفيروس والحد من انتشاره، جنباً إلى جنب مع الجهود الدولية والإقليمية الرامية لدعم استقرار أسواق الطاقة والنفط خصوصاً.