آليات مختلفة:

هل تطلق قمة "بو" مرحلة جديدة للحرب ضد "داعش" بالساحل؟

02 January 2020


اتجه تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى، الذي يقوده أبوالوليد الصحراوي، إلى توسيع نطاق نشاطه في مناطق مختلفة داخل دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة النيجر، على نحو بدا جلياً في الهجوم الإرهابي الأخير الذي استهدف مجموعة من الجنود النيجريين في 26 ديسمبر 2019، من خلال كمين نصبه لهم عناصر التنظيم في منطقة تيلابيري الواقعة في المثلث الحدودي بين كل من النيجر ومالي وبوركينافاسو، خلال انتقالهم لحماية بعثة تُحضِّر للانتخابات الرئاسية التي ستشهدها البلاد في ديسمبر 2020، مما أسفر عن مقتل 14 جندياً، منهم 7 من أفراد الحرس الوطني و7 من قوات الدرك، بشكل يطرح تساؤلات عديدة حول أهم الدلالات التي يطرحها هذا الهجوم، لاسيما وأنه وقع في المنطقة نفسها التي سبق أن شهدت في أكتوبر 2017 مقتل ثلاثة جنود من القوات الخاصة الأمريكية في كمين نصبه لهم التنظيم أيضاً.

تطورات مترابطة:

وقع الهجوم الأخير بعد نحو أسبوعين من مقتل 71 جندياً نيجرياً في عملية أعلن "داعش" مسئوليته عنها، وهى أكبر خسارة في الأرواح يتعرض لها جيش النيجر منذ استقلال البلاد قبل 59 عاماً، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة بهدف تحجيم نشاط التنظيمات الإرهابية من قبل القوات المحلية والفرنسية، التي أعلن المتحدث باسمها العقيد فريدريك باربري أن المروحيات الفرنسية تمكنت، خلال هجوم نفذته في منطقة ميناكا (شرق مالي) في 14 و15 ديسمبر الفائت، من استهداف 10 عناصر من تنظيم "داعش"، في إطار الضربات الاستباقية التي توجهها تلك القوات لقواعد وكوادر التنظيم من أجل تقليص قدرته على تنفيذ مزيد من العمليات وتهديد المصالح الإقليمية والفرنسية.

من هنا، يبدو أن التنظيم يسعى عبر الهجوم الجديد إلى تأكيد قدرته على مواصلة نشاطه رغم تلك الضربات الاستباقية، لاسيما أن هذا الهجوم تم تنفيذه قبل أقل من ثلاثة أسابيع فقط من القمة التي تستعد مدينة بو في جنوب غربى فرنسا لاستضافتها، في 13 يناير 2020، لمناقشة مستقبل الوجود العسكري الفرنسي، والمسارات المحتملة للحرب على الإرهاب في منطقة الساحل. وسوف يشارك في تلك القمة إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رؤساء مالي إبراهيم بوبكر كيتا وبوركينافاسو روك مارك كريستيان كابوريه والنيجر محمدو إيسوفو وتشاد إدريس ديبي إتنو وموريتانيا محمد ولد شيخ الغزواني. كما دعت باريس كلاً من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال ونائب رئيس المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للشئون الخارجية يوسيب بوريل.

والجدير بالذكر في هذا السياق، أن هذه القمة كان من المزمع عقدها في ديسمبر الفائت، إلا أنه تم تأجيلها إلى 13 يناير الجاري بعد الهجوم الإرهابي الذي أدى إلى مقتل 71 جندياً نيجرياً.

دلالات عديدة:

يطرح الهجوم الإرهابي الأخير الذي نفذه "داعش" دلالات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1-الاستناد إلى تكتيك الكمائن: تعتمد معظم الهجمات الإرهابية التي تستهدف قوات الشرطة والجيش في دول منطقة الساحل والصحراء بشكل عام وفى النيجر بشكل خاص، على نصب الكمائن، سواء من خلال زرع متفجرات أو عبر تنفيذ هجمات مباغتة على الطرق، مثل الهجوم الأخير، حيث ذكرت وزارة الداخلية النيجرية، في بيانها الرسمي حول الهجوم، أن "القافلة العسكرية والأمنية وقعت في كمين، وأن منفذي الهجوم كانوا مدججين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ودخلوا في مواجهات مباشرة مع عناصر الحرس والدرك الذين تم إرسالهم لحماية مجموعات تعمل مع الناخبين في مديرية (أبالا)، جنوب غربى النيجر"، وهو ما يشير الى وجود عمليات رصد مسبقة لتحركات عناصر الجيش والشرطة في تلك المناطق، بما يعني أن التنظيم لديه القدرة على الوصول إلى معلومات أمنية دقيقة في الفترة الحالية تمكنه من تخطيط وتنفيذ تلك النوعية من العمليات الإرهابية.

2- تراجع تأثير الإجراءات الأمنية: ألقت الهجمات الارهابية المتتالية، سواء التي نفذها "داعش" أو التي أعلنت بعض المجموعات "القاعدية" مسئوليتها عنها، الضوء على تراجع تأثير الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات للتعامل مع الأنماط الجديدة وغير التقليدية من العمليات الإرهابية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة مثل نقص التدريب ونوعية التسليح. وقد كان ذلك سبباً في دفع دول الساحل الخمس إلى تشكيل قوة عسكرية مشتركة قبل سنوات، لمواجهة خطر الإرهاب، ولكن هذه القوة ما تزال تعاني من مشكلات عديدة، وهو ما جعلها تعتمد بشكل أكبر على الوجود العسكري الفرنسي في تلك المنطقة.

3- بداية تبلور نسخ "داعشية" مستقلة: كان لافتاً أن الهجومين الكبيرين لتنظيم "داعش" داخل النيجر وقعا بعد قرابة شهرين من مقتل زعيم التنظيم السابق أبوبكر البغدادي، وعلى الرغم من عدم مبايعة أبو الوليد الصحراوي لزعيم التنظيم الجديد أبوإبراهيم الهاشمي القرشي، إلا أن تنظيمه يعد الفرع الوحيد الذي صعَّد من هجماته خلال تلك الفترة، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارين: أولهما، تعزيز النفوذ في منطقة الساحل الإفريقي. وثانيهما، محاولة تصدر خريطة التنظيمات "الداعشية"، في ظل وجود انقسامات بين التنظيم الرئيسي والفروع، على نحو يزيد من احتمالات اتجاه بعضها إلى الاستقلال عنه.

4- عدم وجود رؤية إقليمية للمواجهة: يشير استمرار العمليات الإرهابية في المنطقة إلى أن مستوى التنسيق الأمني بين دولها لا يتوافق مع المعطيات الجديدة التي تفرضها تلك العمليات، حيث لم تتمكن تلك الدول من الاتفاق على تبني رؤية إقليمية تجاه التعامل مع التنظيمات الإرهابية والآليات التي يمكن الاستناد إليها في تقليص قدرتها على توسيع نطاق عملياتها وتهديد جهودها لفرض حالة من الاستقرار الأمني في المنطقة.

ومن هنا، ربما تكتسب القمة التي ستعقد في فرنسا، في 13 يناير الجاري، أهمية وزخماَ خاصاً باعتبار أنها قد تمثل بداية لمرحلة جديدة سوف تسعى فيها الدول المعنية بالحرب ضد الإرهاب في تلك المنطقة إلى توسيع نطاق التفاهمات الأمنية التي تتوصل إليها، من أجل تعزيز قدرتها على احتواء نشاط تلك التنظيمات تمهيداً لإضعافها والقضاء عليها في النهاية.