توتر متصاعد:

لماذا تهدد تركيا بإعادة "الدواعش" إلى الدول الغربية؟

12 November 2019


تسعى تركيا إلى استغلال العناصر الأجنبية في تنظيم "داعش" لممارسة ضغوط على دولهم الأصلية، خاصة الدول الغربية التي اتسع نطاق خلافاتها مع أنقرة خلال المرحلة الأخيرة، سواء لاعتبارات خاصة بالسياسة التي تتبعها السلطات التركية في التعامل مع المعارضة في الداخل، أو فيما يرتبط بالعملية العسكرية التي شنتها أنقرة في شمال شرق سوريا لإقامة منطقة آمنة وإبعاد الميليشيا الكردية عن الحدود.

وقد أبدت الدول الأوروبية، على سبيل المثال، تخوفات عديدة إزاء عودة الإرهابيين "الدواعش" إليها ممن يحملون جنسياتها، خاصة أن انضمامهم للتنظيم وانخراطهم في العمليات الإرهابية التي قام بها والمواجهات العسكرية التي اندلعت مع القوى المناوئة له أكسبتهم خبرات عسكرية وتنظيمية وكرست توجهاتهم المتشددة، على نحو يمكن أن يفرض تهديدات جدية لأمن واستقرار تلك الدول، التي شهد بعضها عمليات إرهابية في الأعوام الماضية أعلن تنظيم "داعش" مسئوليته عنها بعد أن قامت خلايا نائمة تابعة له بتنفيذها.

وفي هذا السياق، أعلنت السلطات التركية، في 11 نوفمبر الجاري، عن ترحيل أمريكي إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاستعداد لإعادة 7 ألمان إلى برلين بعد يومين، إلى جانب 11 فرنسياً في وقت لاحق.

سياسة مستمرة:

لا تعبر هذه الإجراءات عن سياسة جديدة تتبناها تركيا في تفاعلاتها مع الدول الغربية التي تبدي اهتماماً ملحوظاً بمتابعة التطورات التي تشهدها الأزمات الإقليمية المختلفة، ومدى تأثيرها على أمنها ومصالحها. إذ كررت أنقرة خلال الأشهر الماضية تهديداتها للدول الأوروبية بإعادة مواطنيها من عناصر تنظيم "داعش" إليها، بالتوازي مع التلويح بإمكانية فتح الحدود أمام موجات جديدة من المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين للتوجه إليها، وهى القضية التي أثارت جدلاً قوياً داخل تلك الدول خلال الفترة الماضية.

لكن الجديد في الأمر يكمن في أن أنقرة بدأت في اتخاذ خطوات إجرائية لتفعيل تلك التهديدات، على نحو لا يمكن فصله عن الخلافات الحادة التي نشبت بين الطرفين خلال الفترة الماضية، ولاسيما بعد الانتقادات القوية التي وجهتها تلك الدول إلى العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، التي بدأت في 9 أكتوبر 2019، وتوقفت بمقتضى التفاهمات التي توصلت لها أنقرة مع كل من موسكو وواشنطن، دون أن ينفي ذلك أن الأولى تهدد في الوقت الحالي بإمكانية استئنافها مرة أخرى.

وقد أثارت هذه الانتقادات استياء أنقرة، على نحو انعكس في التصريحات التي أدلى بها الرئيس رجب طيب أردوغان، في 10 أكتوبر الفائت، وقال فيها: "أيها الاتحاد الأوروبي، تذكر: إذا حاولتم تقديم عمليتنا على أنها اجتياح، فسنفتح الأبواب ونرسل لكم 3,6 مليون مهاجر".

ولا ينفصل ذلك أيضاً، دون شك، عن الاتهامات التي توجهها أطراف عديدة لأنقرة بتأسيس علاقات مع التنظيم وتسهيل مرور عناصره إلى سوريا في الأعوام الماضية. وحسب تقارير عديدة، فإن أجهزة استخبارات غربية تبدي شكوكاً حول علاقة تركيا بالتنظيم، خاصة بعد مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي، على بعد كيلومترات من الحدود التركية وفي منطقة تخضع لنفوذ الميليشيات الموالية لها، حيث أثيرت تساؤلات عديدة حول مغزى وجود البغدادي في إدلب تحديداً، التي تحظى باهتمام خاص من جانب أنقرة التي حالت دون اجتياحها عسكرياً من قبل النظام السوري وحلفائه.

تحديات متعددة:

يمكن القول إن الدول الأوروبية سوف تواجه تحديات عديدة في حالة عودة "الدواعش" إليها، يتمثل أبرزها في:

1- أزمات داخلية: يصل عدد المعتقلين "الدواعش" في تركيا، حسب تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، إلى نحو 1200 "داعشي"، تشير التقديرات إلى أن من بينهم ما يقرب من 240 أوروبياً، وهو ما سوف يتسبب، في حالة إقدام أنقرة على تنفيذ تهديداتها خلال الفترة القادمة، في نشوب أزمة داخل العديد من الدول الأوروبية، التي سبق أن حاولت الاستناد إلى تبني آليات عديدة لمنع "الدواعش" من العودة إليها. وسوف تتعرض حكومات تلك الدول لانتقادات داخلية قوية بسبب عدم قدرتها على تبني سياسة فعالة في التعامل مع الإجراءات التي تتخذها دول عديدة بمنطقة الشرق الأوسط وتمس مصالحها بشكل مباشر، مثل تركيا وإيران. 

2- معضلة أطفال "داعش": لا تقتصر المشكلة التي تواجه تلك الدول على العناصر "الداعشية" فقط، وإنما تمتد أيضاً إلى الأطفال الذين ولدوا في المناطق التي سبق أن سيطر عليها التنظيم داخل كل من سوريا والعراق. إذ كان التنظيم حريصاً على ترسيخ توجهاته الفكرية المتطرفة في أذهانهم، على نحو سوف يتطلب جهوداً غير هينة من جانب تلك الدول التي بدأت في استقبال بعضهم، من أجل إعادة تأهيلهم من جديد وإدماجهم داخل مجتمعاتهم.

3- الرفض المجتمعي: كان تصاعد حدة العمليات الإرهابية في بعض تلك الدول، على غرار فرنسا وبلجيكا، سبباً في ظهور تيارات سياسية داخلية رافضة للسياسات التي اتبعتها الحكومات في التعامل مع موجات اللاجئين والمهاجرين القادمة من المنطقة، أو مع الملفات الإقليمية في المنطقة بشكل عام. وبالطبع، فإن ذلك يمتد أيضاً إلى موقف هذه التيارات من العائدين من "داعش"، حتى لو كانوا يحملون جنسيات تلك الدول، بشكل يضع مزيداً من العقبات أمام الجهود التي يمكن أن تبذل لإعادة إدماجهم داخل مجتمعاتهم من جديد. وهنا، فإن تلك الصعوبات يمكن أن تقلص من تأثير برامج التأهيل وقدرتها على استبعاد التوجهات المتطرفة التي سبق أن تمكن "داعش" من ترسيخها لدى عناصره وأطفالهم. 

4- تكريس العنف: إن ما يزيد من حدة تلك المشكلة يكمن في أن بعض الأطفال انخرطوا في عمليات إرهابية فعلاً وشاركوا في الانتهاكات التي كان التنظيم يرتكبها في التعامل مع السكان المحليين داخل المناطق التي كان يسيطر عليها، وهو ما يمكن أن يضع، وفقاً لاتجاهات عديدة، حدوداً لمدى إمكانية تغييرات قناعاتهم الفكرية مرة أخرى.

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن تصاعد حدة التوتر سوف يبقى عنواناً رئيسياً للعلاقات بين تركيا والدول الغربية بشكل عام، لاسيما الدول الأوروبية، في ظل الضغوط المستمرة التي تحاول الأولى ممارستها من أجل الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، حيث يبدو أن فتح الباب أمام عودة "الدواعش" إلى تلك الدول سوف يتحول إلى الآلية الرئيسية التي تحاول أنقرة الاستناد إليها في هذا السياق.