آفاق واعدة للتعاون الخليجي الروسي

17 October 2019


مع الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، خلال الأيام القليلة الماضية، تكون العلاقات بين روسيا وهذين البلدين على وجه الخصوص ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه العموم، قد اكتسبت مضامين جديدة ستجد لها سريعاً انعكاسات جد إيجابية على العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين الطرفين.

وإذا ما نظرنا إلى الإمكانات والقدرات المتوفرة لدى الجانبين، الخليجي والروسي، فإنه يمكن الاستنتاج، وبكل سهولة، بأن هناك آفاقا لا حدود لها لتنمية التعاون بينهما في كافة المجالات، مما سيعود بالفائدة على الطرفين، خصوصاً وأن تطورات إيجابية كبيرة شهدتها العلاقات الخليجية الروسية في سنوات العقد الجاري، كالتعاون في مجالات الطاقة والتجارة والسياحة والصناعات العسكرية والفضاء.. إلا أن هناك مجالات حيوية أخرى ما زالت بحاجة إلى دعم إضافي، مثل قطاعات البنوك والاستثمار والخدمات المالية والزراعة والتنقل.

لقد تضاعف التبادل التجاري بين السعودية وروسيا خمس مرات ونصف خلال السنوات العشر الماضية الأخيرة، لاسيما بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لروسيا العام الماضي، حيث قفز حجم التبادل بنسبة 72% ليبلغ 505 ملايين دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، فيما يتوقع أن يتجاوز ملياري دولار خلال هذا العام. هذا في حين ارتفع التبادل التجاري الروسي مع دولة الإمارات خلال العام الماضي بنسبة كبيرة أيضاً بلغت 36% ليصل إلى 3.4 مليار دولار.

إلا أنه رغم هذه الارتفاعات، فإن القدرات المتوفرة تتيح قفزات أخرى في حجم التبادلات التجارية، وذلك جانب من النتائج المتوقعة لزيارة الرئيس بوتين، إذ لا تأتي روسيا حتى الآن ضمن البلدان التي تحتل مراكز متقدمة ضمن التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والعالم الخارجي، لكنها مرشحة بقوة لأن تصبح ضمن قائمة تلك البلدان.

وبالتأكيد تتطلب عملية تنمية العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية جهوداً من قبل الطرفين، حيث أقدمت دول المجلس في الآونة الأخيرة على اتخاذ إجراءات في هذا السبيل، بما في ذلك تقديم تسهيلات كبيرة لرجال الأعمال والسياح من روسيا الاتحادية، وقدمت تسهيلات أخرى في مجال الخدمات المالية، مما أتاح للصندوق السيادي الروسي فتح أول فرع له خارج روسيا في السعودية، إذ يعد ذلك تطوراً ملفتاً يعكس أهمية هذه الخطوة، كما أن التنسيق السعودي الروسي في مجال النفط ضمن مجموعة «أوبك +» يعتبر حجز الزاوية في استقرار أسعار النفط والمحافظة على مصالح البلدان المنتجة.

وبالإضافة إلى الشراكات الاستراتيجية والاتفاقيات المهمة التي وقعت في كل من الإمارات والسعودية أثناء زيارة الرئيس بوتين، فإن ذلك يتيح للدول الخليجية تقديم المزيد من التسهيلات للمؤسسات المصرفية والمالية الروسية، والتي يمكن أن تلعب دوراً أساسياً في زيادة حجم التبادل التجاري وتنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة، كما يمكن تقديم تسهيلات أخرى لزيادة استيراد بعض المنتجات الزراعية الروسية، وبالأخص القمح والحبوب، والتي ما زالت وارداتها إلى الخليج متواضعة رغم أن روسيا تعدّ من أكبر منتجي ومصدري القمح في العالم.

ومن جانبها يمكن لروسيا تخفيف القيود على انتقال رجال الأعمال والمواطنين الخليجيين الذين قد يواجهون تعقيدات الانتقال، مثل الطلب الخاص بتلقي دعوة من روسيا كشرط للحصول على تأشيرة الزيارة، إذ يبدو ذلك الإجراء المعقد أحد مخلفات الفترة السوفييتية، علماً بأنه مقابل حصول الخليجيين على تأشيرة متعددة لمدة عشر سنوات من الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن الحد الأقصى للحصول على تأشيرة متعددة من روسيا هو سنة واحدة فقط، مما يعد عائقاً أمام عملية التنقل بين دول المجلس وروسيا الاتحادية، وهو بالتالي ما يعيق تنفيذ الكثير من الفرص الاستثمارية ويعرقل التبادل السياحي باعتباره أحد أهم القطاعات الاقتصادية في العصر الراهن.

لذلك، يُتوقع أن تساهم هذه الزيارات المهمة للغاية للرئيس فلاديمير بوتين في إذابة بعض العوائق التي تحد من تنمية العلاقات الروسية الخليجية، وأن تساهم في رفع مستواها، وبالأخص في شقها الاقتصادي، إلى مستوى العلاقات المماثلة لدول المجلس مع الصين والهند والولايات المتحدة وأوربا الغربية.. فروسيا بلد غني اقتصادياً وثقافياً وعلمياً، ودول مجلس التعاون الخليجي تملك برامج تنومية طموحة للغاية، مما يعني أن الطرفين يملكان كل الإمكانات والقدرات والثروات التي تتيح لهما الوصول إلى مستوى متقدم من العلاقات الثنائية، مما ينعكس إيجاباً على مستويات المعيشة لشعوب الطرفين وعلى دعم الاستقرار والأمن في منطقة الخليج العربي.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد