سياقات مُحفِّزة:

لماذا تصاعد الإتجار بالأطفال في المنطقة العربية؟

27 June 2019


تزايد الإتجار بالأطفال في بعض الدول العربية بدرجات متفاوتة خلال السنوات القليلة الماضية، بعد اختطافهم من الأماكن العامة التي يتواجدون بها، سواء كانت المناطق السكنية أو المنشآت التعليمية أو المراكز التجارية أو الأسواق الشعبية أو المستشفيات والأبنية الصحية أو الحدائق العامة، على نحو يعد خرقًا صارخًا لحقوق الأطفال المتعارف عليها دوليًا، وهو ما يمكن تفسيره استنادًا لاعتبارات تتعلق باستمرار الصراعات المسلحة العربية، ودعم بقاء الميلشيات المسلحة في مناطق سيطرتها الميدانية، وضغط الجيوش النظامية على الأهالي لمنع حيادهم في المواجهات العسكرية، وتشكل الشبكات الإجرامية الخطرة، وتمويل عمليات إرهاب الجماعات المسلحة.

نماذج دالة:

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد إحصاءات رسمية لغالبية الدول العربية بشأن واقع جرائم الخطف أو الإتجار بالأطفال، والفئات العمرية الأكثر عرضة للاختطاف، والأوضاع الاقتصادية وطبيعة العلاقات الاجتماعية للأسر التي يتم اختطاف أبنائها، والمناطق الجغرافية التي يزداد حدوث تلك الحالات فيها (أكثر المحافظات التي يتم فيها الإبلاغ عن حالات الاختطاف) وغيرها من قواعد البيانات اللازمة في هذا الإطار.

ولعل المؤشرات "الأولية" التي تعكس تزايد الإتجار بالأطفال ما تذكره وسائل الإعلام المختلفة والمنشورات التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي في دول عربية عديدة وتتعلق بوجود عصابات لخطف الأطفال في بعض المناطق والأرياف، وسرقة الأطفال حديثي الولادة من المستشفيات، وانتشار صور لأطفال مفقودين ملصقة على أعمدة الإنارة والحواجز الأسمنتية في الشوارع، وازدياد نمط الأطفال بالتبني وتنقلهم عبر الحدود "الرخوة". 

وعلى صعيد سياسات المواجهة، أطلق وزير الداخلية العراقي السابق قاسم الأعرجي، في 8 أكتوبر 2018، حملة أمنية باسم "جعفر الدوري"، في إشارة إلى الطفل الذي خطف في حى القاهرة ببغداد، حيث هدفت الحملة إلى ملاحقة كل جرائم الخطف والقتل في بغداد وعموم المحافظات، بعد أن انتشرت في العاصمة وعدد من المحافظات ظاهرة تبدو غريبة على المجتمع العراقي وهى خطف الأطفال والاعتداء عليهم جسديًا. 

إن هناك حزمة من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، على المستويين الداخلي والخارجي، تفسر تصاعد الإتجار بالأطفال في المنطقة العربية، خلال السنوات القليلة الماضية، يمكن تناولها على النحو التالي: 

طاحونة العنف:

1- استمرار الصراعات المسلحة العربية: يشير اتجاه رئيسي في الأدبيات إلى أن التبني غير الشرعي أو الإتجار بالأطفال يتزايد في حالات الصراعات الداخلية أو الحروب الأهلية، سواء التي لازالت تدور أو توقفت بالفعل. وقد برز ذلك جليًا في لبنان التي شهدت حربًا على مدى عقد ونصف (1975-1990) ولازالت نتائجها قائمة حتى الآن، على نحو ما أكدته زينة علوشة مديرة جمعية "بدائل" اللبنانية، في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" في 24 يونيو 2019، والتي تعمل على هذه القضية في السنوات الأخيرة.

فقد كانت سوريا المعبر الرئيسي لتبني الأطفال اللبنانيين على مدى سنوات، ثم صارت القضية عكسية بعد الحرب السورية، حيث أصبح الأطفال السوريون عرضة للتبني غير الشرعي عبر عمليات إتجار تجري في لبنان. ووفقًا لما تشير إليه جمعية "بدائل"، فإن المواطنين الذين يتبنون أطفالاً لبنانيين يتوزعون بين دول غربية مثل فرنسا وهولندا والدنمارك والولايات المتحدة وكندا وقبرص، ودول عربية مثل تونس واليمن والجزائر والعراق والأراضي الفلسطينية وغيرها.

وقود المعارك:

2- دعم بقاء الميلشيات المسلحة في مناطق سيطرتها الميدانية: وهو ما ينطبق حرفيًا على ممارسات ميلشيا الحوثيين في اليمن، حيث تشير بعض التقارير الصادرة عن المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر، إلى شبكات إجرامية تديرها الميلشيا للإتجار بالبشر في صنعاء والحديدة. ولعل ذلك يفسر تصاعد الاحتجاجات النسائية في 9 مارس 2019 بعد تزايد حالات اختطاف الفتيات والأطفال. 

فقد أصبحت حوادث خطف الأطفال مألوفة في مناطق سيطرة الميلشيا، التي تتبنى سياسة التجنيد الإجباري، كمحاولة لتعويض العناصر التي تخسرها يوميًا على جبهات القتال المختلفة. بل قد يكون الدافع من جرائم خطف الأطفال هو إجبار آبائهم على المشاركة في الحرب إلى جانب الميلشيا، وهو ما برز جليًا في محافظات عمران والحجة والمحويت.

ضريبة "الحياد":

3- ضغط الجيوش النظامية على الأهالي لمنع حيادهم في المعارك الميدانية: على نحو ما تعكسه مطالبة الجيش النظامي السوري أهالي محافظة السويداء جنوب سوريا، بدفع أبنائهم للخدمة في قواته، لا سيما بعد اختطاف تنظيم "داعش" عددًا من نساء وأطفال المحافظة في يوليو 2018، حيث تشير بعض التحليلات إلى أن النظام السوري سعى إلى استغلال عملية الاختطاف للضغط على محافظة السويداء التي حاولت أن تبقى على الحياد في الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من ثماني سنوات.

عصابات منظمة:

4- تشكل الشبكات الإجرامية الخطرة: والتي تشبه "المافيا" المنظمة العابرة للحدود، إذ تضم هذه الشبكات محامين وأطباء وموظفي دور رعاية اجتماعية، وترتكب جرائم ممنهجة، وقد يكون بعض أفرادها "مستجدون" محليون (عصابات غير محترفة)، لا سيما أنهم يعتبرون أن الأجهزة الأمنية تركز على مواجهة الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، مما يفتح الباب أمام أفراد لا ينتمون لتشكيلات إجرامية وغير مسجلين خطر وليس لهم سوابق للانضمام إليها. 

ووفقًا لذلك، يتحول الأطفال إلى "سلعة" يتم الإتجار بها سواء للتسول القسري أو الاستغلال الجنسي أو تجارة الأعضاء (سواء بالقتل العمد أو من خلال إجراء عمليات جراحية لنزع بعض أعضائهم). وقد يكون الغرض، في بعض الأحيان، هو طلب الفدية، فقد ترتكب جرائم اختطاف الأطفال بهدف مساومة أهل المخطوف على إطلاق سراحه مقابل مبلغ مالي يتم دفعه للخاطفين، وهو ما تشير إليه العديد من الوقائع في حالات عربية مختلفة، إذ يعتبرون أن خطف الطفل "غنيمة" ستجلب لهم أموالاً، حيث يكون أهل الطفل المخطوف على استعداد لتقديم مبلغ مالي ضخم لإنقاذه.

تغذية الإرهاب:

5- تمويل عمليات إرهاب الجماعات المسلحة: وهو ما ينطبق على الحالة العراقية، إذ أن ظاهرة خطف الأطفال كانت واحدة من حلقات الإرهاب في عامى 2016 و2017، حيث سعت جماعات مسلحة، لا سيما في بعض المناطق المضطربة مثل ديالي والموصل والبصرة وأطراف بغداد، إلى تمويل عملياتها عن طريق اختطاف الأطفال. ويأتي أحد محاور تدفق التمويل لهذه الجماعات عن طريق ما يطلق عليه في الأدبيات "اقتصاديات الفدية". 

خلاصة القول، إن جرائم خطف الأطفال تشهد تناميًا مستمرًا، إذ يتم رصد حالات في مناطق مختلفة داخل هذه الدولة العربية أو تلك، مع الأخذ في الاعتبار غياب الإحصاءات الرسمية التي تعبر عن مؤشرات الصعود والهبوط، على نحو لا يجعلها "ظاهرة" مثلما يروج لها البعض بل قد تكون، في بعض الأحيان، أقرب إلى "الشائعات". وفي هذا السياق، أكد الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام الأردنية، في 31 مارس 2019، على أنه "لا صحة لما يتم تداوله من شائعات حول حالات خطف أطفال بقصد الإتجار بالأعضاء أو لأى سبب آخر"، مطمئنًا المواطنين بأنه لم يتم التعامل مع قضايا من هذا القبيل في المملكة.

وأضاف: "إن البعض قام بنشر معلومات وصور ومقاطع فيديو ورسائل نصية لحالات وقعت خارج الأردن، مظهرًا بأنها وقعت داخل المملكة وأنها توثق حالات خطف للأطفال داخل المملكة وللأسف انساق الكثيرون وراء إعادة نشرها اعتقادًا منهم بأنهم يساهمون بالتوعية بينما خلق ذلك هلعًا وخوفًا في نفوس الأهالي"، مؤكدًا على أن "نشر مثل هذه المغالطات يؤدي إلى خلق رأى عام، وأن ما يرد إلى جميع الوحدات الشرطية عن تغيب أى طفل يتم التعامل معه بكل جدية لحين العثور عليه، وأن جميع الحالات التي يتم التعامل معها عن تغيب الأطفال عن منازل ذويهم تؤكد أن حالات التغيب هذه تكون بسبب مشاكل داخل الأسرة".

سياسات متكاملة:

   إن مواجهة جرائم الخطف والإتجار بالأطفال في المنطقة العربية تتطلب سياسات متوازية ورؤية شاملة تتضمن محاور عديدة منها تغليظ عقوبة جريمة الخطف، وتشكيل المجالس النيابية أو البرلمانية خلية متابعة للأزمة حيث قد يكون الدافع من ارتكابها هو "الانتقام من الوالدين" أو "الاغتصاب" على نحو يختلف عن بقية المحددات السابق ذكرها، فضلاً عن إشراك بعض مؤسسات المجتمع المدني ومراكز البحوث الوطنية ومنظمة "اليونيسيف" في إجراء المزيد من الدراسات الميدانية من التخصصات المختلفة للحد منها، لا سيما على صعيد توعية الآباء والأبناء، بقدر الإمكان، من الوقوع في دائرة الاختطاف التي تسبق دائرة الإتجار.