آليات مختلفة:

كيف تواجه دول وسط وغرب إفريقيا نشاط تنظيم "داعش"؟

25 June 2019


يبدي تنظيم "داعش" اهتمامًا ملحوظًا بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الإفريقية، التي اعتبر أن المشكلات العديدة، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، التي تواجه بعض دولها، قد تساعده في تحقيق ذلك. وقد بدا أن التنظيم حاول اختبار تلك المقاربة في منطقة بحيرة تشاد، حيث عمل على تأسيس خلايا فرعية والتواصل مع تنظيمات إرهابية قائمة، وفي مقدمتها "بوكو حرام" أو ما يعرف بـ"ولاية غرب إفريقيا"، وهو ما دفع العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأمن والاستقرار في تلك المنطقة إلى اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لمنعه من تعزيز نشاطه، وتكرار ما حدث في العراق وسوريا قبل خمسة أعوام من الآن.

ومن هنا، يبدو أن العملية الأخيرة التي قامت بها قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات من دول غرب إفريقيا، التي تضم جنودًا من نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون، وتمكنت عبرها من قتل 42 من عناصر "داعش" في منطقة بحيرة تشاد، في 21 يونيو 2019، دشنت مرحلة جديدة من المواجهة التي تجري حاليًا ضد التنظيم في تلك المنطقة، لا سيما أن هذا العدد هو الأكبر منذ حوالي ستة أشهر.

نقطة انطلاق:

اعتبر قادة تنظيم "داعش" أن رفع مستوى نشاطه في منطقة بحيرة تشاد تحديدًا يمكن أن يحقق أهدافًا عديدة، يتمثل أبرزها في تعزيز قدرته على تأسيس خلايا أو فروع جديدة. ويبدو أن ذلك يحظى باهتمام خاص من جانب التنظيم، على نحو انعكس في ما كشف عنه التسجيل المصور لأبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، في 29 إبريل 2019، حيث كان حريصًا على الظهور وهو يتصفح ملفات ما يسمى بـ"الولايات الخارجية"، والتي ظهر فيها كل من  "ولاية غرب إفريقيا في مالي"، و"شرق إفريقيا في الصومال".

تحركات عديدة:

وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن هذه الخطوة التي أقدم عليها البغدادي أثارت مخاوف عديدة لدى دول تلك المنطقة، إلى جانب دول الجوار، لا سيما دول منطقة وسط إفريقيا، التي اعتبرت أن ذلك بمثابة إعلان لبداية مرحلة جديدة سوف يحاول خلالها التنظيم تصعيد عملياته الإرهابية. وقد بدأ التنظيم تلك المرحلة بالفعل عندما اتجه إلى تنفيذ بعض تلك العمليات ضد قوات الشرطة والجيش في عدد من تلك الدول.

ففي بداية إبريل 2019، أعلن التنظيم عن قتل وإصابة 69 من أفراد الجيش النيجيري وقوات إفريقية. كما تبنى، في 19 من الشهر نفسه، العملية الإرهابية التي وقعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي وضعها ضمن ما يسمى بـ"ولاية وسط إفريقيا"، وأسفرت عن مقتل جنديين ومدني.

وبالتوازي مع ذلك، قامت حركة "بوكو حرام" بقتل 11 شخصًا في الكاميرون، في اليوم نفسه. ونفذت الحركة، في 13 مايو الفائت، هجومًا على مدينة جوشي في شمال الكاميرون، حيث أحرقت كنيسة و60 منزلاً و11 متجرًا.

وعلى ضوء ذلك، بدأت تلك الدول في تبني سياسة جديدة للتعامل مع التهديدات التي يفرضها استمرار نشاط تنظيم "داعش" على أراضيها، يتمثل أبرز آلياتها في:

1- توسيع نطاق المواجهات مع بعض الميليشيات: والتي يحاول "داعش" فتح قنوات تواصل معها، خاصة المتمردين الذين يحاولون استغلال الهشاشة الحدودية مع بعض دول الجوار، من أجل تنفيذ عمليات تستهدف قوات الشرطة والجيش في هذه الدول. ومن هنا، كان لافتًا قيام تشاد، منذ منتصف عام 2018، بشن عمليات عسكرية ضد بعض المتمردين القادمين من ليبيا وعناصر من قبائل التبو التي تشكل غالبية في شمال البلاد.

2- رفع مستوى التنسيق مع دول الجوار: على غرار ما هو قائم بين الجيش التشادي والجيش الوطني الليبي، حيث أعلن الأول، في 9 فبراير 2019، عن أسر أكثر من 250 إرهابيًا منهم 4 قيادات، إثر دخول قافلة من المتمردين التشاديين قادمة من الأراضي الليبية، حيث تعرض المتمردون لقصف جوي من جانب الجيش الوطني الليبي في إطار العملية العسكرية التي بدأها في منتصف يناير 2019، لتطهير جنوب ليبيا من التنظيمات الإرهابية.

وقد كان لافتًا أن ثمة اهتمامًا خاصًا من جانب الجيش الوطني الليبي بإنهاء نشاط هذه التنظيمات في تلك المنطقة، خاصة أن هذا النشاط يفرض تهديدات مباشرة لأمن ليبيا ودول الجوار، وهو ما بدا جليًا في تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري، في 6 فبراير 2019، التي قال فيها أن "هناك مخططًا لإقامة دولة متطرفة في جنوب ليبيا ودول الجوار"، مشيرًا إلى أن إحدى الميليشيات التشادية المسلحة لها دور في هذا السياق، حيث قال أن "قائد المعارضة التشادية تيمان ارتيمي يقود العمليات العسكرية من قطر".

3- التعاون مع القوى الدولية: لا سيما فرنسا، التي تشارك قوات "برخان" التي شكلتها للمساهمة في عمليات مكافحة الإرهاب، في عمليات عسكرية مشتركة مع قوات من دول تلك المنطقة، على غرار العملية التي تم تنفيذها بمشاركة قوات فرنسية ومالية، في 15 يونيو الجاري، وأسفرت عن قتل 20 إرهابيًا، في شمال شرقى مالي.

4- دعم جهود تسوية الصراعات الداخلية: وذلك في الدول التي تعاني من تصاعد حدة عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة الصراعات الداخلية المسلحة، وفي مقدمتها مالي، حيث تبدي العديد من القوى والمنظمات الدولية اهتمامًا خاصًا بتعزيز الجهود المبذولة لتنفيذ اتفاق السلام في مالي، وهو ما انعكس في قيام بعثة مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بزيارة العاصمة المالية باماكو، في 20 يونيو الجاري، لدفع عملية التسوية، باعتبار أن ذلك يمثل أحد المداخل الأساسية التي يمكن من خلالها تعزيز قدرة تلك الدول على مكافحة التنظيمات الإرهابية.

ومع ذلك، لا يبدو أن مهمة تلك الأطراف سوف تكون سهلة، خاصة أن التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم "داعش"، تسعى إلى استغلال الأوضاع القائمة، سواء ما يتعلق بارتفاع مستويات الفقر أو استمرار النزاعات العرقية أو الهشاشة الحدودية، من أجل مواصلة عملياتها الإرهابية واستهداف مصالح القوى الإقليمية والدولية المعنية بتلك المنطقة.