أزمة حرجة:

هل تنجح أنقرة في الموازنة بين صفقتى "إس 400" و"إف 35"؟

13 June 2019


تواجه العلاقات التركية– الأمريكية اختبارًا صعبًا في المرحلة الحالية. فبحلول أواخر يوليو 2019 ستنتهي المهلة التي منحتها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لأنقرة للتراجع عن صفقة "إس 400" الروسية مقابل المضى قدمًا في تنفيذ استحقاقات صفقة "إف 35" الأمريكية، وفق الرسالة التي وجهها وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة باتريك شاناهان إلى نظيره التركي خلوصى أكار، والتي تشير إلى احتمال اتجاه واشنطن نحو اتخاذ سلسلة إجراءات عقابية ضد أنقرة في الفترة القادمة. لكن على ما يبدو، فإن واشنطن لن تنتظر حلول نهاية الشهر المقبل للبدء في تلك الإجراءات، حيث اتخذت بالفعل خطوة استباقية أعلن عنها البنتاجون بتعليق تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلة "إف 35" في قاعدة "لوك" الأمريكية.

ومن دون شك، فإن القرار الذي سوف تتخذه أنقرة في النهاية سوف يؤثر بدوره على المسارات المحتملة للعلاقات الروسية– التركية، لا سيما أن تراجع تركيا عن الصفقة، وفق تقديرات أمريكية، يعني الابتعاد عن شبح الخصومة مع الولايات المتحدة الأمريكية لكنه يعني أيضًا بدء مرحلة جديدة سوف يكون فيها التوتر هو العنوان الأبرز للعلاقات مع روسيا التي تحولت إلى قوة توصلت معها أنقرة إلى تفاهمات سياسية وأمنية في الملف السوري تحديدًا.

وفى سياق هذه التطورات، فإن التقديرات المطروحة حتى الآن تشير إلى أن كافة الأطراف ذهبت إلى "نقطة اللاعودة"، وأن الأزمة في طريقها إلى مزيد من التعقيد، مع تضاؤل فرص التسوية بعد عام تقريبًا من فشل جهود عديدة في احتواء الأزمة. 

مواقف متباينة:

لم تحسم أنقرة موقفها بعد من هذه الأزمة، فباستثناء ما كشفت عنه صحيفة "ينى شفق" التركية من محاولة دبلوماسية قامت بها وزارة الخارجية التركية عبر وفد دبلوماسي سعى إلى الوصول لتفاهمات مع الكونجرس الأمريكي، ما زالت الحكومة مصرة على المضى قدمًا على مواصلة اتفاقياتها مع روسيا، حيث قال الرئيس رجب طيب أردوغان، في 4 يونيو الجاري، أن تراجع تركيا عن شراء المنظومة الصاروخية الروسية أمر غير وارد.

في حين تبدو روسيا حريصة على تقديم مزيد من الامتيازات التي يمكن أن تدفع تركيا إلى الإصرار على تنفيذ الصفقة، لا يبدو أنها سوف تتوقف عند حد الشراكة في تصنيع النسخة الأحدث من المنظومة  "إس 500"، وإنما ستمتد، في الغالب، إلى منح تسهيلات في السداد والإسراع في عملية تسليم المنظومة قبل موعدها بعام تقريبًا.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فتشير التطورات الجارية في الكونجرس إلى أن هناك اتجاهًا يتبنى الدعوة إلى تصعيد الضغوط ضد تركيا، لا سيما بعد أن وصل مسار التفاوض إلى طريق مسدود بين الجانبين، حيث لوح الكونجرس بمعاقبة تركيا وفقًا لقانون "مكافحة أعداء أمريكا". بل إن اتجاهات أمريكية بدأت تشير إلى أن تركيا في مرحلة الانتقال من كونها حليفًا لواشنطن إلى خصم بالنظر إلى العديد من السياسات التي اتبعتها، إلى جانب اتساع نطاق تعارض المصالح بينهما، على نحو اتضح في الملف السوري، حيث بدا أن ثمة خلافًا لا يمكن تسويته بسهولة بين الطرفين حول الدعم العسكري الأمريكي للميليشيات الكردية، خاصة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

تحديات عديدة: 

لا يبدو أنه سيكون بمقدر تركيا تنفيذ الاستراتيجية الرامية إلى تحقيق توازن بين صفقتى "إس 400" و"إف 35". فعلى الرغم من أن دولاً في حلف شمال الأطلنطي حصلت على منظومات "إس 300" دون التعرض لعقوبات، إلا أن تلك الدول، كما يشير بعض الخبراء، لم تطلب من واشنطن الحصول على "إف 35". 

وبالإضافة إلى الأبعاد الفنية التي تشير لها التقديرات العسكرية الأمريكية، فسيكون من الصعوبة بمكان حصول تركيا على المقاتلة في الوقت الذي يمكن أن تمتلك فيه أيضًا منظومة "إس 400"، حيث لا تستبعد اتجاهات أمريكية احتمال تسريب أسرار المقاتلة للجانب الروسي من خلال التعرف على بياناتها. 

تأثيران رئيسيان: 

قد يفرض تصاعد حدة الأزمة على هذا النحو تأثيرين رئيسيين يمكن تناولهما على النحو التالي:

1- فرض عقوبات أمريكية: أشار وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة باتريك شاناهان، في رسالته إلى نظيره التركي خلوصي أكار، إلى أن "هناك تصميمًا متوافقًا عليه من قبل الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونجرس على فرض عقوبات ضد تركيا بموجب قانون "مكافحة أعداء أمريكا"، في حال حصولها على صفقة "إس 400"، على نحو يوحي بأن هناك اتجاهًا لدى الإدارة الأمريكية، وأيضًا لدى الكونجرس، نحو فك الارتباط العسكري مع تركيا والبدء في اتخاذ إجراءات أكثر تصعيدًا. 

2- أزمة مضاعفة: على الرغم من أن حلف "الناتو" تعامل مع الأزمة بصيغة مختلفة من البداية، على نحو بدا جليًا في العروض التي قدمها لأنقرة من أجل التراجع عن إتمام الصفقة مع روسيا، ومنها تقديم بديل آخر لمنظومة "إس 400" بخلاف منظومة "باتريوت" الأمريكية، إلا أن تركيا رفضت ذلك، بشكل دفع أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ للإشارة إلى أن هناك "عواقب مثيرة للقلق" في حالة ما إذا استمرت أنقرة على موقفها. وفي هذا السياق أيضًا حرص وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة باتريك شاناهان على التلويح بأن استمرار الصفقة مع موسكو سوف يؤثر ليس فقط على العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنما أيضًا على التعاون مع حلف "الناتو" بشكل عام.

مسار صعب:

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن استمرار الأزمة على هذا النحو يضعف من احتمالات نجاح أية جهود قد تبذل للتهدئة في تحقيق نتائج تذكر. إذ سيكون من الصعوبة على تركيا التخلي عن تعاونها السياسي والأمني مع روسيا، فضلاً عن أن الأخيرة كانت حريصة على التماهي نسبيًا مع السياسات التي تتبناها أنقرة في بعض القضايا على غرار الموقف من الميليشيات الكردية في شمال سوريا، وذلك على عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تسبب موقفها من هذه القضية تحديدًا في نشوب خلافات مستمرة مع أنقرة، تتوازى مع تباينات أخرى يبدو أنه ستتصاعد حدتها في المرحلة القادمة، في حالة ما إذا واصلت واشنطن اتخاذ إجراءات عقابية ضد إيران.

ومن هنا، لا يبدو أن الوقت يعمل في صالح أنقرة، خاصة في ظل صعوبة الرهان على احتمالات إنقاذ الموقف وعودة الأطراف المعنية إلى الحوار من جديد لوقف حملات التصعيد المتبادلة.