تهديدات متزايدة:

لماذا يسعى "داعش" إلى استهداف طاجيكستان؟

29 May 2019


يبدو أن الضغوط المتصاعدة التي يتعرض لها تنظيم "داعش" خلال المرحلة الحالية دفعته إلى حث بعض المجموعات الخارجية الموالية له، والتي تتخذ، في الغالب، شكل الخلايا النائمة، على تصعيد هجماتها ومواصلة أنشطتها الإرهابية في عدد من الدول، وهو ما يشير إليه نشاط هذا النمط المجموعات في طاجيكستان، والذي بدا جليًا في التمرد الذي نظمه بعض العناصر التابعة له في سجن مدينة وحدات شرقى العاصمة دوشنبه، في 20 مايو 2019، وأسفر عن مقتل 32 شخصًا، من بينهم 29 سجينًا و3 حراس. 

واللافت في هذا السياق، هو أن بهروز غولمورود، وهو ابن قائد سابق للقوات الخاصة في وزارة الداخلية الطاجيكية والذي انضم أيضًا إلى "داعش" وقتل في سوريا، كان أحد منظمي هذا التمرد، على نحو يكشف مستوى النفوذ الذي تمكن التنظيم من تكريسه داخل طاجيكستان خلال المرحلة الماضية. ويبدو أن ذلك هو ما دفع بعض القوى، على غرار روسيا، إلى إبداء قدر أكبر من الاهتمام برفع مستوى التنسيق الأمني مع طاجيكستان، بهدف منع وصول ارتدادات الهزائم التي تعرض لها "داعش" في منطقة الشرق الأوسط إليها، على نحو قد يهدد أمن ومصالح روسيا نفسها.

وهنا، فإن اتجاهات عديدة بدأت في الإشارة إلى أن انتقال بعض العناصر الإرهابية من دولهم الأصلية إلى المناطق التي سيطر عليها "داعش" داخل كل من سوريا والعراق منذ منتصف عام 2014، فرض في النهاية عواقب خطيرة على أمن ومصالح تلك الدول، لا سيما بعد أن بدأ بعض هؤلاء الإرهابيين في العودة إلى دولهم الأصلية مرة أخرى عقب الهزائم التي منى بها التنظيم والتي أدت إلى خروجه من تلك المناطق، حيث باتوا يمتلكون قدرات عسكرية اكتسبوها من انخراطهم في العمليات الإرهابية التي قام التنظيم بتنفيذها في الدولتين خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.

نشاط ملحوظ:

كانت طاجيكستان إحدى دول آسيا الوسطى التي سعى تنظيم "داعش" إلى تعزيز نفوذه فيها واستقطاب عدد من مواطنيها للانضمام إليه والانخراط في العمليات الإرهابية التي ينفذها داخل كل من سوريا والعراق. وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن التنظيم تمكن من ضم ما يتراوح بين 1000 و1400 طاجيكي خلال المرحلة الماضية، وأن عدد الإرهابيين الطاجيك الذين قاموا بتنفيذ عمليات إرهابية بتعليمات من قادته كان كبيرًا مقارنة بالعناصر الأخرى التي تنتمي لجنسيات مختلفة.

ويبدو أن طاجيكستان سوف تواجه معضلة أمنية واجتماعية أخرى بسبب ظاهرة انضمام بعض مواطنيها إلى "داعش"، خاصة بعد أن قامت العراق، في بداية مايو 2019، بإعادة 84 طفلاً إليها، صدرت ضد أهاليهم أحكام بالسجن بسبب انضمامهم لـ"داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية.

وبالتوازي مع ذلك، سعى التنظيم عبر الخلايا التي قام بتكوينها داخل طاجيكستان إلى تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها، حيث وجه القضاء الطاجيكي، في بداية مايو 2016، اتهامًا لاثنين من عناصر التنظيم بمحاولة اغتيال الرئيس إمام علي رحمانوف، في عام 2015. كما أعلن التنظيم، في 30 يونيو 2018، مسئوليته عن العملية الإرهابية التي استهدفت سياحًا وأسفرت عن مقتل 4 وإصابة شخصين آخرين من جنسيات مختلفة.

اعتبارات مختلفة:

يمكن تفسير حرص "داعش" على تعزيز نفوذه داخل طاجيكستان في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- استهداف روسيا: تمثل روسيا إحدى القوى الدولية التي تحاول الخلايا التابعة لـ"داعش" استهداف مصالحها، خاصة في ظل الدور الذي تقوم به في سوريا، حيث رفعت مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري منذ سبتمبر 2015، على نحو ساهم بشكل كبير في تغيير توازنات القوى لصالح النظام السوري، فضلاً عن أنها مثلت ظهيرًا دوليًا حال دون صدور قرارات إدانة ضده من مجلس الأمن.

وقد أشارت تقارير روسية، في فبراير 2019، إلى أن ثمة مخاوف عديدة تنتاب موسكو من احتمالات عودة مقاتلي "داعش" إلى دولهم الأصلية في آسيا الوسطى من أجل توجيه ضربات ضد مصالحها، خاصة في طاجيكستان، حيث قال نائب وزير الشئون الداخلية الروسي ايجور زوبوف أن المقاتلين ينتقلون من العراق وسوريا إلى قاعدة انطلاق جديدة في منطقة بامير الشرقية القريبة من الحدود الطاجيكية-الأفغانية.

2- الاقتراب من أفغانستان: تمكن "داعش" من تأسيس خلايا عديدة تابعة له داخل أفغانستان، التي يسعى عبرها إلى مهاجمة مصالح بعض القوى الدولية والمحلية فضلاً عن استهداف التنظيمات الإرهابية المنافسة. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن التنظيم يحاول الاستعانة بخلاياه الموجودة في طاجيكستان في العمليات التي يقوم بتنفيذها داخل أفغانستان لدرجة أن عدد الطاجيك داخل ما يسمى بـ"ولاية خراسان" زاد بشكل ملحوظ في الفترة الماضية.

وعلى ضوء تصاعد حدة التهديدات الناجمة عن تزايد نفوذ التنظيمات الإرهابية في أفغانستان، بدأت طاجيكستان في اتخاذ خطوات عديدة لتعزيز قدرتها على منع تلك التنظيمات من التمدد داخلها عبر الحدود مع أفغانستان، حيث وقعت مع روسيا اتفاقًا، في يوليو 2017، لحماية حدودها مع أفغانستان، عبر استخدام آليات عديدة منها القاعدة العسكرية الروسية الموجودة على أراضيها. 

3- التجنيد عبر السجون: تشير عملية التمرد الأخيرة التي نظمها بعض عناصر "داعش" داخل سجن مدينة وحدات، والتي لم تكن الأولى من نوعها، إلى أن التنظيم يحاول استخدام السجون في تجنيد واستقطاب عناصر جديدة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى التحذير من المخاطر التي يفرضها الجمع بين عناصر "داعش" والسجناء في قضايا أخرى داخل السجون الطاجيكية.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن استهداف تنظيم "داعش" لطاجيكستان يأتي في إطار سعيه إلى التمدد في منطقة آسيا الوسطى، كونها تمثل أهمية كبيرة بالنسبة له خلال تلك المرحلة، حيث يرى أن هذا التمدد يمكن أن يساعده في احتواء تداعيات الانحسار والتراجع الذي يعانى منه في العراق وسوريا، وهو ما يشير إلى احتمال تصاعد هجمات التنظيم في تلك المنطقة خلال الفترة القادمة.