التطرف الأسري:

اتجاهات دولية لمكافحة تجنيد الإرهاب للشباب والأطفال

22 May 2019


عرض: أحمد عبدالعليم - باحث دكتوراه في العلوم السياسية

يدفع تزايد توظيف أغلب التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم "داعش"، للشباب والأطفال، سواء في تنفيذ عملياتها، أو لتوفير الدعم اللوجستي لها؛ إلى ضرورة البحث عن الآليات التي تلجأ إليها تلك التنظيمات من أجل تجنيدهم، واستغلالهم، علاوةً على تعزيز البرامج الحكومية الداعية لمنع ومكافحة التطرف والإرهاب، خاصة في دول الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، تأتي أهمية دراسة "جيسيكا تريسكو" (زميل في معهد أمريكان إنتربرايز) المعنونة "التصدي لاستغلال الإرهابيين للشباب"، والتي أصدرها المعهد في مايو 2019. 

تحاول الدراسة إلقاء الضوء على تجنيد الأطفال والشباب من قِبل التنظيمات الإرهابية عبر توضيح الأدوات المستخدمة في ذلك، علاوة على تبيان الدوافع التي من الممكن أن تجعل الشباب هدفًا سهل المنال لتلك التنظيمات.

تجنيد الشباب والأطفال

تُشير الدراسة إلى أن الشباب يُمثّلون مصدرًا حيويًّا لدعم العديد من التنظيمات الإرهابية، حيث أوضحت أنه من بين 40 ألف عضو في تنظيم "داعش" في العراق وسوريا كان حوالي (12%) منهم من الأطفال الذين هم دون سن الثامنة عشرة. وقد بلغت أعدادهم ما لايقل عن (4640) من الأطفال القُصّر. بالإضافة إلى حوالي (730) طفلًا رضيعًا قد وُلدوا لمقاتلين إرهابيين أجانب في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم خلال الفترة من أبريل عام 2013 حتى يونيو عام 2018. في حين تُشير التقديرات الكُليّة لأعداد الأطفال المولودين في الأراضي التي كانت تُسيطر عليها "داعش" إلى حوالي خمسة آلاف طفل.

ويعكس هذا الرقم الكبير في أعداد الأطفال المولودين لآباء وأمهات منخرطين في تنظيمات إرهابية حجم المخاطر المستقبلية التي يمكن أن تنجم، خاصةً في ظل عدم وجود اهتمام دولي كافٍ بإدماج هؤلاء الأطفال، وإبعادهم عن البيئة المحفزة للتطرف العنيف. وهو ما يرتبط بما يُثار منذ انحسار تنظيم "داعش" وهزيمته حول مخاطر العائدين من التنظيم، سواء كانوا عائلات أو شبابًا أو شابات أو أطفالًا، حيث إن هؤلاء جميعًا يُشكلون قنابل موقوتة في المجتمعات التي يمكن أن يستقروا بها.

وفي هذا الإطار، تُشير الباحثة إلى أن التنظيمات الإرهابية تقوم باستغلال الشباب والأطفال بشكل كبير. وتضرب مثالًا على ذلك باستخدام جماعة "بوكو حرام" الأطفال في العمليات الإرهابية؛ لقدرتهم على التخفي من الأجهزة الأمنية بشكل أسهل من الأكبر سنًّا. ووفقًا لتقرير نشرة مركز مكافحة الإرهاب فإن واحدًا من كل عشرة من المقاتلين الشباب الذين انضموا إلى تنظيم "داعش" بين عامي 2013 و2014 شاركوا سابقًا في تنفيذ عمليات إرهابية.

ووفقًا للدراسة فإن هناك 58 جماعة مسلحة (فاعلين مسلحين من غير الدول) في نحو 15 دولة يتم فيها تجنيد واستخدام الأطفال، واستغلالهم على نطاق واسع، خاصة في تلك التي تتزايد فيها درجات التطرف العنيف. وهو ما يُعتبر جريمة حرب، حيث إن تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة، واستغلالهم في الأعمال المسلحة، أمر يعاقب عليه القانون الدولي.

آليات التجنيد

تُشير الباحثة إلى اختلاف طرق تجنيد الشباب والأطفال عبر السياقات المختلفة، حيث تتنوع بين أدوات تستخدم القوة كأن يتم خطف الشباب وخداعهم والاتجار بهم. وقد يكون التجنيد طواعية في ظل جاذبية الخطاب الإرهابي بالنسبة لبعض الشباب، وكذلك في ظل وجود إقصاء أو مظالم لهؤلاء الشباب في مجتمعاتهم.

وتُضيف "تريسكو" أن بعض التنظيمات الإرهابية تُسوّق نفسها لكثير من الشباب على كونها قادرة على الدفاع عنهم وعن أسرهم. وتذكر أن بعض تلك التنظيمات تلجأ إلى التجنيد القسري للأطفال عن طريق الخطف أو العنف المباشر، حيث قام "جيش الرب للمقاومة" في أوغندا باختطاف أكثر من 20 ألف طفل عام 1987. كما قامت جماعة "بوكو حرام" بعمليات خطف جماعي للأطفال بما في ذلك اختطاف 267 تلميذة في أبريل عام 2014، و110 فتيات في مارس 2018. وتُشير الباحثة إلى أن "حركة الشباب المجاهدين" الصومالية لجأت لاستخدام الاعتقال والعنف والترهيب لتجنيد ما يقرب من 1770 شابًّا في عام 2017.

مسارات الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية


وتذكر الدراسة أنه مع توسُّع تنظيم "داعش" في العراق قام أعضاؤه باختطاف الآلاف من الأطفال من دور الأيتام ومن المدارس وحتى من منازل أسرهم، وقد وصل عددهم إلى 6800 طفل تم خطفهم فقط خلال عام 2014. وبجانب استخدام القوة فإن هناك بعض الشباب الذين ينضمون للتنظيمات الإرهابية طواعية في إطار البحث عن هوية جماعية من أجل الهروب من الظلم أو الإقصاء الاجتماعي، أو من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية، علاوة على رغبة بعض الشباب في تحقيق الشهرة المزعومة. وقد تكون شبكات الأسرة والصداقة أحد الدوافع الرئيسية في ذلك. وتضيف "تريسكو" أن القرب الجغرافي من مناطق الصراع يُعتبر أحد دوافع انضمام الشباب إلى التنظيمات الإرهابية.

نقاط الضعف لتجنيد الإرهابيين


النساء المجاهدات

تبرز "تريسكو" دور المجندات الشابات في التنظيمات الإرهابية، حيث تعتبر أدوارهن لا تقل خطورة عن الرجال أو الشباب، خاصة وأنهن يقمن بأدوار هامة في تجنيد فتيات أخريات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على القيام بعمليات إرهابية. وتضيف أنه خلال الحرب الشيشانية الثانية في عام 2000 كان أكثر من ثلثي الإرهابيين في روسيا من النساء. ومؤخرًا فإن جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا تستخدم الفتيات اللائي لم يبلغن سن السابعة من العمر في أغلب عملياتها الإرهابية. 

وفيما يتعلق بتنظيم "داعش" فإن دور المرأة في البداية كان محصورًا في العمل المنزلي، لكن مع مرور الوقت قام التنظيم بتجنيد نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و25 عامًا في وحدة متخصصة بالكامل للإناث تعرف باسم "لواء الخنساء". 

وتفسر الباحثة أسباب انضمام الفتيات والشابات للتنظيمات الإرهابية لأسباب عدة، من بينها: التعرض للعنف الجنسي، أو العنف في المنزل، بما يجعلهن عرضة للتجنيد الإرهابي. علاوة على إمكانية وجود ضغوط أسرية، أو حتى من خلال الاقتناع بالخطاب الذي تردده التنظيمات الإرهابية. 

 اتجاهات المكافحة

تطرح "تريسكو" بعض الآليات التي يمكن من خلالها تحسين الجهود الدولية في إطار مواجهة ومكافحة تجنيد الأطفال والشباب في التنظيمات الإرهابية، وذلك على النحو التالي:

أولًا- وجود برامج حكومية أكثر فاعلية: حيث تطرح الباحثة بعض البرامج التي حاولت مكافحة التطرف العنيف ومواجهة انضمام الشباب للتنظيمات الإرهابية، مثل المبادرة التونسية الانتقالية التي حاولت استهداف الشباب المعرض لخطر التطرف، لكنها فشلت في تحقيق ذلك في ظل سفر عدد كبير من الشباب التونسيين وانضمامهم إلى تنظيم "داعش". ولذا من المهم أن تكون تلك البرامج أو المبادرات ضيقة النطاق قدر الإمكان عبر تحديد عوامل الخطر المحددة محليًّا، والتعامل معها للوصول إلى نتائج إيجابية.

ثانيًا- تعزيز مكافحة تجنيد الفتيات: تبرز "تريسكو" أن أغلب الجهود الحكومية والدولية تتجاهل مواجهة تطرف وتجنيد الشابات بشكل كبير، حيث إن البرامج التي تمولها الولايات المتحدة تتجاهل التهديد الحقيقي للغاية الذي تمثله الشابات. ومع ذلك فإن وزارة الخارجية الأمريكية قد اتخذت خطوة هامة في الاتجاه الصحيح مع استراتيجية عام 2019 لدعم النساء والفتيات المعرضات لخطر التطرف العنيف، حيث تقر تلك الاستراتيجية فاعلية الجهود المبذولة لمعالجة الآثار الضارة للتطرف العنيف والإرهاب عندما تقود النساء تلك الجهود.

ثالثًا- مكافحة التطرف داخل الأُسر: تشير الدراسة إلى أن 8% من المجندين في التنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية انضموا لتلك التنظيمات بسبب فرد من العائلة، وهو ما يوضح مركزية الدور الذي تقوم به العائلات، وهو ما يظهر بشكل جليّ في الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شملت عائلات بأكملها، مثلما حدث في إندونيسيا وسريلانكا. وكذلك فإن دراسة شملت (113) رجلًا و18 امرأة مرتبطين بتنظيمات إرهابية في المملكة المتحدة، قد تضمنت نتائجها كون (30%) منهم تربطهم علاقات عائلية بالتطرف العنيف.

ختامًا، تشير "تريسكو" إلى أن انخراط الشباب في النزاعات المسلحة وانضمامهم لتنظيمات إرهابية هو أمر ليس بجديد، ومع ذلك فإن برامج مكافحة التطرف العنيف لم تضع بعد ضعف الشباب أمام إغراءات تجنيد التنظيمات الإرهابية لهم في طليعة جهودها. وينطبق ذلك بشكل خاص على الفتيات والشابات اللائي تراجعت مشاركتهن في جهود مكافحة الإرهاب مقارنة بالرجال، كما يجب التعامل مع الدوافع التي تؤدي بالشباب إلى أن يكونوا جزءًا من التنظيمات الإرهابية بدلًا من أن يكونوا جزءًا يحقق منفعة في مجتمعاتهم، خاصة في ظل التهميش الاجتماعي والسياسي.

 المصدر:

Jessica Trisko Darden, “Tackling Terrorists Exploitation of Youth”, American Enterprise Institute, May 2019.