تداعيات متباينة:

هل تسعى أنقرة إلى الاستحواذ على الأصول المالية للمعارضة

12 February 2019


تسعى الحكومة التركية إلى طرح مشروع قانون على البرلمان أعده حزب "العدالة والتنمية" لنقل حصة حزب "الشعب الجمهوري" في "إيش بنك" İş Bankası (بنك العمل) إلى وزارة المالية والخزانة، في خطوة تربطها اتجاهات عديدة بمحاولات الرئيس رجب طيب أردوغان تكريس السلطة الاقتصادية والسياسية للحكومة، وتحجيم النفوذ المالي لأحزاب وقوى المعارضة، إلى جانب إتاحة مزيد من القنوات المالية السهلة لتوفير الائتمان لصالح تمويل المشروعات الحكومية، وبما يخدم التوجهات الاقتصادية الراهنة. لكن من المحتمل أن تؤدي الموافقة المحتملة للبرلمان على هذه الخطوة إلى تقويض ثقة المستثمرين في النظام المصرفي والاقتصاد في نهاية المطاف.

خطوة متوقعة:

على مدار الأشهر الماضية، دعم الرئيس أردوغان بقوة عملية استحواذ وزارة المالية والخزانة على حصة حزب "الشعب الجمهوري" المعارض في "إيش بنك"، أكبر بنوك تركيا بقيمة أصول تتجاوز 280 مليار دولار، والبالغة 28.09%، وهى موروثة له بموجب وصية مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية و"الحزب الجمهوري"، في حين تتوزع الحصص الباقية لصالح صندوق التقاعد الخاص بالبنك بنسبة 31.79%، وأسهم للتداول الحر بواقع 40.12%.

وقد دعا أردوغان، في 5 فبراير الجاري، البرلمان إلى التصويت على مشروع القانون، وسبق أن أبدى، في سبتمبر 2018، قلقه من سيطرة الحزب على حصة كبيرة في البنك، والتي يترتب عليها تمثيله بـ4 مقاعد من أصل 11 في مجلس إدارته.

ويأتي ذلك على الرغم من أن حزب "الشعب الجمهوري" لا يحصل على أية أرباح من حصته، والتي تؤول إلى المجلس الأعلى للثقافة واللغة والتاريخ. وفي مقابل ذلك، اعتبرت إدارة البنك أن أية محاولات لتأميم المصرف أو جزء منه ستكون بمثابة "جريمة مالية"، فيما هدد الحزب بالتصعيد ووضع إمكانية اللجوء لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية كأحد الخيارات المحتملة في حال أقرت المحكمة الدستورية القانون.

اعتبارات مختلفة:

يمكن تفسير تمسك أردوغان بالاستحواذ على حصة الحزب في البنك في ضوء اعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في سعيه إلى فرض سيطرته على النظام المالي والمصرفي ككل وذلك في سياق توجهه نحو تعزيز سلطاته السياسية والاقتصادية في البلاد.

وفي إطار تحول البلاد إلى تطبيق النظام الرئاسي، بدأ الرئيس التركي في اتخاذ خطوات إجرائية لتحقيق هذا الهدف، من خلال تشكيل لجنة الاستقرار المالي والتنمية في يناير الماضي برئاسته، وبما يمنحه الحق في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة في حالة حدوث تطورات تهدد النظام المالي. وجاء هذا القانون على خلفية ادعاء أردوغان بأن الاقتصاد تعرض لهجمات اقتصادية من أطراف مختلفة منذ أغسطس الماضي تسببت في تدهور قيمة العملة بأكثر من ربع قيمتها.

وينصرف ثانيها، إلى تحجيم النفوذ الاقتصادي لأحزاب وقوى المعارضة على غرار ما مارسه أردوغان ضد جماعة فتح الله كولن في الفترة الماضية، والتي اتهمها بتدبير محاولة الانقلاب التي وقعت في منتصف عام 2016، وهو ما تبعه قيام السلطات بمصادرة أصول مملوكة للجماعة بلغت 1142 شركة حتى يونيو 2018 بقيمة 11 مليار دولار، كان من بينها بنك "آسيا" الذي يجرى اتخاذ الإجراءات لتصفيته حاليًا.

فيما يتعلق ثالثها، بدعم صندوق الثروة السيادي الذي أسسته الحكومة في عام 2016 وتسعى لتطوير وزيادة قيمة الأصول الاستراتيجية التابعة له، وذلك من خلال نقل أصول بعض الشركات الحكومية إليه، ومن بينها شركة الخطوط الجوية وبعض البنوك الحكومية وشركات الاتصالات. 

وبناءً عليه، سوف يمثل نقل أسهم "إيش بنك" إليه من وزارة الخزانة إضافة جديدة لأصوله ودعمًا لقيمته المالية، ولا سيما أن البنك لديه حصص في نحو 23 شركة عاملة في قطاعات التمويل والزجاج والاتصالات وغيرها بالسوق التركية.

فضلاً عن ذلك، قد يمنح تمثيل الحكومة في مجلس إدارة البنك قوة أكبر في التأثير على قرار الأخير لإتاحة مزيد من الائتمان لصالح تمويل المشروعات الحكومية وبما يخدم التوجهات الاقتصادية الراهنة الداعمة لمشروعات البنية التحتية كبيرة الحجم المنفذة من قبل الحكومة، لا سيما أنه يعتبر أكثر البنوك استقرارًا بما لديه من أصول وسيولة كبيرة. 

مسارات متوازية:

ربما لن يجد أردوغان صعوبة كبيرة في تمرير مشروع القانون في البرلمان خلال الفترة المقبلة، حيث يمتلك حزب "العدالة والتنمية"  293 مقعدًا، إلى جانب مقاعد حزب "الحركة القومية"، الذي يؤيد مشروع القانون، والبالغة 50 مقعدًا، في حين أن مقاعد حزب "الشعب الجمهوري" لا تزيد عن 146 مقعدًا. 

إلا أن استحواذ وزارة المالية على أسهم الحزب يمكن أن تفرض تداعيات سلبية مباشرة، يأتي في مقدمتها تراجع أسهم البنك، في 5 فبراير الماضي، بنسبة 2.78% من قيمتها إلى 5.38 ليرة للسهم الواحد في مؤشر على قلق السوق المالية من تنفيذ هذه الخطوة.

كما أن تمثيل الحكومة في إدارة البنك قد يُعرِّض الأخيرة لمخاطر عديدة من بينها الانكشاف المالي على المشروعات الحكومية ذات الأعباء التمويلية كبيرة الحجم أو المشروعات التابعة للشركات القريبة من حزب "العدالة والتنمية"، وهو ما يأتي في الوقت الذي أدت فيه الإدارة الاقتصادية للبلاد إلى ارتفاع نسبة القروض المتعثرة للبنوك بقيمة بلغت 100 مليار دولار في عام 2018 بحسب وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، متأثرة بعوامل مثل الركود الاقتصادي واستمرار الزيادة في سعر صرف العملات الأجنبية.

فضلاً عن ذلك، فإن هذه الخطوة قد تزيد من تقويض ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد قبل الانتخابات البلدية المقرر إجراءها في نهاية مارس المقبل، والتي تدهورت بشدة في الأشهر الماضية جراء الضغوط المباشرة من قبل الرئيس على البنك المركزي لتعديل سياساته، على نحو قد يتسبب في أضرار أوسع للاقتصاد وتصاعد حدة الضغوط على قيمة العملة في الفترة المقبلة.