عقبات مختلفة:

تحديات عمل منظمة "أطباء بلا حدود" في بؤر الصراعات بالإقليم

19 January 2019


تواجه منظمة "أطباء بلا حدود" في بؤر الصراعات المسلحة في جنوب السودان وليبيا واليمن وسوريا والعراق، حزمة من التحديات التي تؤثر على أداء عملها، لمعالجة الحالات الطارئة أو الصعبة، سواء في مكاتبها الإقليمية أو نقاطها الطبية أو عياداتها المتنقلة، وهى التخوف من تهديدات الجماعات الإرهابية، وانتشار المخاطر غير المرئية مثل الألغام، ونقص الخدمات الأساسية، والتعرض للسطو المسلح، وتصاعد المواجهات بين الميلشيات المسلحة، وتنامي دور مافيا الهجرة غير النظامية، وتوتر العلاقات بين المنظمة والقوى الدولية، وتشويه سمعتها العالمية. 

فاعل طبي:

رغم أن "أطباء بلا حدود" تأسست كمنظمة دولية غير حكومية في العاصمة الفرنسية عام 1971 على يد مجموعة من الأطباء والصحفيين، لتقديم المساعدات الطبية إلى الأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والأوبئة المستدامة والمحرومين من الرعاية الصحية، بغض النظر عن العرق أو العقيدة أو التوجه السياسي، وتعمل في أكثر من 70 دولة في العالم، إلا أن أهميتها تصاعدت في دول الإقليم خلال السنوات الثماني الماضية بعد تحولات 2011. 

وقد انعكس ذلك في مؤشرات محددة تمثلت في ازدياد أعداد المهنيين الصحيين والمرشدين النفسيين والموظفين اللوجستيين والإداريين العاملين. وقد صارت المنظمة مفتوحة أمام كل المهن الأخرى التي تساهم في تحقيق أهدافها، على غرار مهندسي البناء وخبراء المياه. ويعالج أطباء المنظمة حالات من التهاب القصبات الهوائية والإسهال المائي الحاد والأمراض الجلدية والتهاب المسالك البولية، ورعاية النساء قبل وبعد الولادة، فضلاً عن التعامل مع الاضطرابات النفسية في بعض الأحيان، وإعادة تأهيل جرحى الحرب، وأنشطة التوعية الصحية في ظل انتشار مخلفات الحرب.

وتطلق "أطباء بلا حدود" عمليات البحث والإنقاذ في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتفتتح مراكز لضحايا العنف. وفي الوقت الذي تدعم المنظمة الحق في الحصول على المساعدة الإنسانية، وتطالب بالحرية المطلقة ومن دون عوائق في معرض أدائها لمهامها، إلا أن الممارسة العملية تكشف عن أنها تواجه مجموعة من التحديات أو المخاطر، من قبيل اختطاف بعض العاملين فيها، والسطو العنيف على ممتلكاتها، واستهداف مستشفيات مدعومة منها. وبوجه عام، تتمثل تلك التحديات في الآتي:

تهديدات الإرهاب:

1- التخوف من تهديدات الجماعات الإرهابية: سحبت المنظمة كوادرها من المشفى الوطني بمدينة الحسكة السورية، في 14 يناير 2019، دون الإشارة إلى سبب ذلك. لكن اللافت في هذا السياق، أنه تم اتخاذ هذا القرار بعد قيام تابعين لتنظيم "داعش" بكتابة عبارات على جدران المحلات التجارية في سوق بلدة "مركدة" بالريف الجنوبي للحسكة، تتوعد ميلشيا "قسد" الكردية (قوات سوريا الديمقراطية)، وهو ما تم بالفعل، على نحو أثار مخاوف العاملين في المنظمة بعد أن وصلت لهم تهديدات بالتصفية.

خطر الألغام:

2- انتشار المخاطر غير المرئية: تواصل الميلشيا الحوثية زراعة الألغام في مختلف المناطق التي مازالت تسيطر عليها، على نحو يساهم في سقوط قتلى وجرحى. وفي هذا الإطار، قالت المنظمة، في 13 يناير 2019، أن "فرق أطباء بلا حدود بدأت بتوفير المساعدات في مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز منذ أغسطس 2018، حيث تجري الطواقم عمليات جراحية طارئة على الجرحى المصابين بالألغام، وأن المصابين ثُلثهم أطفال". كما أنشأت نقاطًا طبية في عدة محافظات وقرى بسوريا مثل الرقة وعين عيسى بعد خروج "داعش"، لتقديم الخدمات الطبية للمصابين جراء الألغام.

ندرة الاحتياجات:

3- نقص الخدمات الأساسية: قال مدير عمليات المنظمة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بينوا دي غريز، في 18 يوليو 2018: "نتواجد في جنوب سوريا، وقمنا بالتواصل مع القوات السورية لضمان عمل مستشفياتنا وأطبائنا.. ففي جميع النزاعات نقوم أولاً ببناء الثقة، وثانيًا نوضح عملنا، ونشرح كيفية المساعدات التي يمكن أن نقدمها"، مضيفًا: "إن المشكلة الأكثر إلحاحًا في المنطقة هى تأمين المياه، وإن أطباء بلا حدود تركز على مهمة أساسية وهى توفير المياه للمحتاجين في المنطقة".

كما قالت المنظمة، في 11 يوليو 2018، أنه "بعد مرور عام على انتهاء المعارك رسميًا في الموصل بين تنظيم داعش والقوات العراقية، مازال نظام الرعاية الصحية متضررًا ويكافح لتلبية احتياجات آلاف العائدين إلى المدينة"، مشيرة إلى أنه "خلال الصراع في الموصل تضررت 9 مستشفيات من أصل 13، ما تسبب في خفض قدرة الرعاية الصحية وعدد أسرة المستشفيات بنسبة 70%"، وأضافت: "إن عملية إعادة إعمار المرافق الصحية كانت شديدة البطء، وهو ما يفرض تأثيرات مضاعفة على المنظمة التي تعيد بناء مستشفيات الموصل بعدما دمرها تنظيم داعش".

مشكلات أمنية:

4- التعرض لعمليات سطو عنيفة: وهو ما شهدته المنظمة في المناطق النائية المحيطة بمندري في جنوب السودان، في 24 إبريل 2018. فقد قامت مجموعة مكونة من عشرة رجال مسلحين مجهولي الهوية بإيقاف قافلتهم والاعتداء على أعضاء بالفريق وتهديدهم بالعنف. كما تم الاستيلاء على الممتلكات الشخصية والإمدادات الطبية. وقد أجبر هذا الهجوم المنظمة على وقف عياداتها المتنقلة في المنطقة إلى حين الحصول على ضمانات بإمكانية الوصول بسلام إلى التجمعات السكانية النائية التي تدعمها. 

تنافس مسلح:

5- تصاعد المواجهات بين الميلشيات: وهو ما ينطبق على الحالة الليبية، مثلاً، التي تتقاسم فيها الميليشيات المسلحة السيطرة على مناطق مختلفة، بشكل دعا المنظمة إلى إجلاء آلاف المهاجرين من ليبيا. فقد أشار إبراهيم يونس رئيس بعثتها في ليبيا، في 7 سبتمبر 2018، إلى أن "عددًا كبيرًا من مراكز الاحتجاز في طرابلس يقع على خطوط الجبهة"، مضيفًا: "تطالب أطباء بلا حدود بالإسراع في تنشيط آليات إعادة التموضع، المتوقفة منذ عدة أشهر، حتى يتم إجلاء هؤلاء الأشخاص من البلاد في أسرع وقت ممكن".

وأشار إلى أن "توزيع الماء والمواد الغذائية، الذي عادة ما كانت توفره منظمات دولية اضطرت إلى تعليق أنشطتها بسبب التردي الأمني، بات في خطر والمساعدة الطبية المتوافرة غير كافية"، مؤكدًا أن "أطباء بلا حدود لم تعد، منذ بداية المعارك بين الميلشيات المتنافسة في 26 أغسطس الماضي، قادرة على الوصول إلى أحد مراكز الاحتجاز الأكثر اكتظاظًا التي كانت فرقها تزورها بانتظام، ما يؤدي إلى حرمان 700 شخص هناك من العناية والمساعدة.. وفي الأيام التالية، شملت هذه القيود أربعة مراكز أخرى".

اقتصاديات الظل:

6- تنامي دور مافيا الهجرة غير النظامية: لم يقتصر اكتشاف شبكات التسفير على دول الإرسال (الدول العربية والإفريقية) بل امتد إلى دول الاستقبال وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، ولا يشترط انتماء المُهرِّب إلى الدولة نفسها التي يسعى بعض سكانها للهروب من أوضاعها الداخلية، فالعديد منهم يحملون جنسيات مختلفة، ويتواجدون عند نقاط العبور إلى الدول الأخرى، والحدود فيما بينها. وقد ازدادت أدوار هذه العصابات لأنها تدر أرباحًا مالية طائلة تتجاوز ما تحققه تجارة السلاح والمخدرات في بعض الأحيان. 

ومن الملاحظ عدم اقتصار شبكات تهريب البشر على الدول الشرق أوسطية، بل باتت تديرها مافيا دولية، على نحو يؤثر على دور المنظمة التي تحاول إنقاذ أرواح المهاجرين قبالة السواحل. 

وفي هذا السياق، أعلنت "أطباء بلا حدود"، في 11 سبتمبر 2018، نقلاً عن ناجين أن "أكثر من 100 مهاجر، بينهم ما لا يقل عن 20 طفلاً، لقوا حتفهم إثر غرق زورقين كانوا على متنهما قبالة سواحل ليبيا مطلع سبتمبر الماضي"، وأوضح البيان أن "الزورقين كانا يقلان مهاجرين سودانيين وليبيين ومصريين وجزائريين وماليين ونيجيريين وكاميرونيين وغانيين". 

كما قال فلوريان فيستفال، مدير المنظمة في ألمانيا، في 15 أغسطس 2018: "إن المهاجرين الذين أنقذتهم السفينة "أكواريس" (التي تديرها منظمة "إس أو إس ميدتيرينيان" الخيرية الفرنسية الألمانية وأطباء بلا حدود) في البحر المتوسط تحدثوا عما تعرضوا له في ليبيا من تجارة ورِق وتعذيب وعمل بالسُخرة وعنف جنسي، ويتكونون من جنسيات مختلفة، بينهم أكثر من 100 مواطن إريتري وصومالي"، مضيفًا: "إن من بين المهاجرين على متن السفينة 70 قاصرًا، وإن نحو 40% منهم دون سن الخامسة عشرة، وكثير منهم قصر دون رفقة".

مقاضاة دولية:

7- توتر العلاقات مع القوى الدولية: وجه قضاة إيطاليون، في نوفمبر 2018، اتهامات للمنظمة بإلقاء نفايات طبية– تبلغ 24 ألف كيلو جرام- بواسطة أفراد طاقمى السفينتين "أكواريوس" و"فوس برودنس" في عدة موانئ بجنوب إيطاليا (حوالي 11 ميناء)، ويحتمل أن تكون خطيرة وسط قمامة عادية بين يناير 2017 ومايو 2018، فضلاً عن التهرب من دفع تكاليف التخلص من النفايات وقدرها 460 ألف يورو، وهو ما وصفته المنظمة بأنه "محاولة لوقف جهود إنقاذ المهاجرين بطرق ملتوية"، ورد على انتقاداتها لمراكز احتجاز المهاجرين في بعض الدول مثل ليبيا.

اتهامات مستمرة: 

8- تشويه السمعة الدولية: انتقدت "أطباء بلا حدود" النظام السوري، في تقرير أصدرته في 23 مايو 2018، لعدم السماح لها بدخول المناطق الواقعة تحت سيطرته في دمشق وريفها، والتي يحتاج أهلها إلى رعاية طبية فورية، وهو ما يأتي في سياق الاتهامات المتبادلة بينها وبين النظام، الذي سبق أن اتهمها بأنها "صنيعة المخابرات الفرنسية"، حسب ما جاء في تصريحات بشار الجعفري المندوب السوري لدى الأمم المتحدة، في 17 فبراير 2016، والذي قال أيضًا، في 18 إبريل 2018، أن المنظمة دخلت إلى مدينة الرقة وعملت في مناطق سيطرة الجماعات المسلحة، وذلك بصورة غير شرعية، دون الحصول على موافقة من حكومته، في حين تبرر المنظمة دخولها المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، بتنامي الاحتياجات التي لم يستجب إليها في تلك المناطق.

خلاصة القول، إن منظمة "أطباء بلا حدود" تواجه تحديات غير مسبوقة، لا سيما في ظل ضعف البنى التحتية الصحية، وصعوبة إيصال المساعدات الطبية في الدول المنهارة لتعنت الحكومات أو بقاء خطر التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن تهديدات الميلشيات المسلحة باستهداف واختطاف كوادرها، وهو ما يؤثر على دورها البارز على الصعيد الدولي، والذي حصلت بمقتضاه على جائزة نوبل للسلام عام 1999.