إجراءات ضرورية:

كيف مارست الطاقة دورًا أساسيًا في الاحتجاجات الأردنية؟

11 June 2018


أدى رفع أسعار الوقود في الأردن، بجانب عوامل أخرى، إلى اندلاع احتجاجات منذ بداية يونيو الجاري، تتوازى مع الأزمة التي تواجهها حاليًا ويتمثل أحد أسبابها في التكلفة المرتفعة لاستيراد النفط والغاز الطبيعي، بسبب زيادة أسعارهما عالميًا، لا سيما منذ منتصف عام 2017.

وبناءً عليه، اضطرت الحكومة إلى زيادة أسعار الوقود بالأسواق المحلية على مدار الأشهر الماضية، وكان آخرها في شهر يونيو الجاري، قبل أن تتراجع عن هذه القرارات بسبب الاحتجاجات. لكن ليس من المرجح أن تستوعب الموازنة العامة الزيادة الكبيرة المحتملة في أسعار الوقود، وهو ما قد يدفعها، في الأجل القصير، إلى إبرام صفقات تجارية وائتمانية للحصول على إمدادات الطاقة بأسعار معقولة. لكن في الأجل الطويل، يبنغي على الأردن مواصلة جهودها لتنويع مصادر الطاقة لديها من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي. 

طلب متزايد:

تواجه الأردن، منذ سنوات طويلة، تحديات جمة في مجال الطاقة. إذ أنها تملك موارد محدودة محلية من النفط والغاز، وبما لا يلبي أكثر من 5% من احتياجاتها السنوية، فيما تستورد النسبة الباقية من الخارج. وقد فاقم من هذه المشكلة الطلب المتزايد على الطاقة نتيجة النمو السكاني والاستهلاك الصناعي.

ووفقًا لبيانات وزارة الطاقة والثروة المعدنية، فقد زاد استهلاك الطاقة الأولية على مدار السنوات الخمس الماضية من 8205 ألف طن مكافئ نفط في عام 2012 إلى 9614 ألف طن مكافىء نفط في نهاية عام 2016، أى بنسبة نمو 3.4% سنويًا.

وعلى الأخص، زاد استهلاك الغاز الطبيعي حوالي خمس مرات من نحو 659 ألف طن مكافئ نفط في عام 2012 إلى 3389 ألف طن مكافئ نفط في عام 2016، وبات يمثل حصة كبيرة تصل إلى 35% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية. في مقابل ذلك، انخفض استهلاك النفط الخام ومشتقاته من 6992 ألف طن مكافئ نفط في عام 2012 إلى 5327 ألف طن مكافئ نفط في عام 2016 لتتراجع حصته إلى 55.4% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية مقابل نحو 85% في عام 2012.

وبالتوازي مع إحلال استخدام الغاز بكثافة في محطات الكهرباء بدلاً من النفط الخام ومشتقاته، انخفضت واردات الأردن من النفط الخام ومشتقاته لـ5705 ألف طن في عام 2016 مقارنة بـ7130 ألف طن في عام 2012، لكن في المقابل زادت واردات الغاز المسال لتصل إلى 4.1 مليار متر مكعب في عام 2016، ولتبلغ كلفة الواردات في العام نفسه نحو 2.6 مليار دولار (أى ما يوازي 13.5% من الواردات الكلية).

خيارات مختلفة:

وفي السنوات الماضية، تحركت الأردن لتلبية احتياجاتها المتزايدة من موارد الطاقة من خلال محورين هما: تنويع مصادر واردات النفط والغاز الطبيعي وتنويع مزيج الطاقة. وبالنسبة للمحور الأول، لجأت الأردن إلى إبرام صفقات تجارية مع بعض الشركاء لتأمين إمداداتها من الغاز بجانب النفط.

وفي هذا الصدد، تعاقدت شركة الكهرباء الوطنية، بداية من عام 2014، مع شركة شل العالمية لتزويدها بـ150 مليون قدم مكعب يوميًا ولمدة 5 سنوات، وبعد ذلك بعامين، وقعت الشركة الأردنية اتفاقًا مع إسرائيل مدته 15 عامًا لتوريد 1.6 تريليون قدم مكعب (أو نحو 45 مليار متر مكعب) من الغاز مقابل 10 مليار دولار من المحتمل أن تخلق وفورات في كلفة الاستيراد بمقدار 600 مليون دولار سنويًا.

وقبل الاتفاقية السابقة، وقعت الأردن مع العراق، في إبريل 2013، اتفاقية إطار لمد أنبوب بطول 1700 كيلو متر لنقل النفط العراقي الخام من البصرة إلى ميناء التصدير بالعقبة،  باستثمارات مقدرة بنحو 18 مليار دولار وسعة مليون برميل يوميًا سيكون متاحًا للأردن منها 150 ألف برميل للاستهلاك المحلي.

أما بالنسبة للمحور الثاني، فقد اتجهت الأردن نحو زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى مثل الطاقة النووية والطاقة المتجددة، وبناءً عليه أبرمت هيئة الطاقة الذرية مع شركة روس آتوم الروسية، في مارس عام 2015، اتفاقًا لإنشاء أول محطة نووية لتوليد حوالي 2000 ميجاوات من خلال مفاعلين نوويين بتكلفة 10 مليار دولار. كما اتجهت لتدشين عدة محطات للطاقة الشمسية من أبرزها مؤخرًا محطة لواء القويرة بمحافظة العقبة بقدرة 103 ميجاوات تستغل للاستخدامات المنزلية.

تحريك الأسعار:

لكن فيما يبدو، فإن المشاريع السابقة تواجه عقبات كبيرة في تنفيذها، ولا يعود ذلك فقط إلى  تكلفتها المرتفعة، وإنما للمعارضة الشعبية لبعضها أيضًا فضلاً عن أن دخولها حيز التنفيذ سوف يستغرق وقتًا طويلاً. وعلى سبيل المثال، يحتاج إنشاء المحطة النووية إلى استثمارات ضخمة بقيمة 10 مليار دولار، وهو ما دفع الشريك الروسي مؤخرًا للتخلي عن المشروع لصالح بناء مفاعلات نووية أصغر حجمًا. فيما قد يتأخر تنفيذ مشروعى خط أنابيب العراق وإسرائيل، نظرًا للصعوبات المالية

وعلى ضوء هذه الظروف، لم يكن هناك خيار أمام الأردن سوى استمرار استيرادها النفط والغاز من الأسواق الآنية العالمية لكنها ارتفعت بشكل كبير منذ منتصف عام 2017، مما زاد من تكلفة واردات الوقود. ولتجنب تحمل الأعباء المالية الإضافية لواردات الوقود، اضطرت الحكومة إلى زيادة أسعار البنزين والديزل وغيرها من المشتقات على مدار الأشهر الماضية كان آخرها في شهر يونيو  بنسبة تتراوح بين 3-5%.

وكانت هذه الخطوة، ضمن أسباب أخرى مثل اتجاه الحكومة لتعديل قانون الضريبة على الدخل وزيادة أسعار الخبز والخدمات العامة منذ بداية عام 2018، سببًا في إثارة احتجاجات منذ بداية يونيو الجاري وحتى الآن شملت العديد من المدن، على نحو دفع السلطات إلى إلغاء قرار رفع أسعار الوقود، وهو ما ترى اتجاهات عديدة أنه قد يكلف الموازنة العامة أعباءً جديدة بقيمة 16 مليون دينار (22.4 مليون دولار).

خطوات أساسية:

أدى قرار الأردن بإلغاء زيادة أسعار الوقود، بجانب تأجيل مشروع قانون تعديل ضريبة الدخل، إلى تصاعد المخاوف داخل الأوساط الاقتصادية من زيادة عجز الموازنة العامة ومن ثم الدين العام البالغ 95.5% في عام 2017 مقارنة بمعدل 70% في عام 2011. لكن رغم المخاطر المالية المترتبة على ذلك، ترى اتجاهات عديدة أنه كان قرارًا صائبًا، حيث أن مواصلة الإصلاحات المالية دون النظر للاحتجاجات قد يزيد من التوترات السياسية والأمنية والداخلية.

ولكبح زيادة الضغوط المالية في الفترة المقبلة، تحتاج الأردن، فيما يبدو، إلى التحرك خارجيًا والتواصل مع شركائها من منتجي النفط والغاز الطبيعي لإبرام صفقات تجارية لاستيراد النفط والغاز الطبيعي بتسهيلات ائتمانية واسعة، أو على أقل تقدير الحصول على إمدادات الطاقة بأسعار معقولة، وهو المسعى الذي أكده وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة بقوله أن الحكومة تتواصل مع الجانب العراقي من أجل منح الأردن كميات من النفط بأسعار تفضيلية تغطي احتياجاتها.

وفي الأجل الطويل، لن يكون هناك خيار آخر غير مواصلة جهود تنمية الموارد المحلية من النفط، وخاصة أن الأردن لديها احتياطيات تقدر بنحو 70 مليار طن من النفط الصخري. وبالفعل سمحت وزارة الطاقة، في مايو الماضي، لأربع شركات أجنبية بالمشاركة في مشاريع استكشاف النفط والغاز في 6 مواقع.

في الوقت نفسه، ينبغي على الأردن أن تتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة وخاصة أن لديها إمكانات هائلة لتوليد الطاقة الشمسية والرياح، وهو ما سوف يقلص، دون شك، من حدة اختناقات الطاقة لديها، لكن هذا سيتطلب منها تعزيز شراكاتها مع الشركات العالمية لتوفير التمويل اللازم لإنشاء المشروعات، على نحو سيفرض إجراء تعديلات تشريعية وتنظيمية عديدة لتحفيز الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة، من أجل تعزيز قدرة الحكومة على مواجهة التحديات الحالية.