آليات مختلفة:

هل يسعى تنظيم "ولاية خراسان" لتعزيز دوره بأفغانستان؟

19 March 2018


 بدأ تنظيم "داعش" في محاولة استقطاب عناصر إرهابية جديدة للانضمام إليه، حيث نشر التنظيم التابع له في أفغانستان، وهو تنظيم "ولاية خراسان"، الذي يعتبر، وفقًا لاتجاهات عديدة، أحد أبرز فروعه الخارجية، إصدارًا جديدًا، في 4 مارس الجاري، تضمن دعوة لتلك العناصر للانتقال إلى المناطق التي يسيطر عليها داخل أفغانستان، وهو ما يمثل اتجاهًا جديدًا لدى المجموعات الفرعية، حيث اقتصر مثل هذا النمط من الدعوات في الفترة الماضية على التنظيمات الرئيسية، بشكل يؤشر إلى حدوث تغيير سواء في توازنات القوى داخل التنظيم أو في الآليات التي يستخدمها للتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها في أكثر من منطقة، فضلاً عن التطورات الجديدة التي قد تشهدها أفغانستان، وفي مقدمتها إجراء مفاوضات محتملة بين الحكومة وحركة "طالبان" خلال المرحلة القادمة، في ظل اهتمام دولي داعم للجهود التي تبذل في هذا السياق.

نشاط ملحوظ:

يرتبط حرص تنظيم "ولاية خراسان" على إطلاق تلك الدعوة بتزايد تأثيره خلال الفترة الماضية، حيث حاول استيعاب الضربات القوية التي تعرض لها من جانب القوى المناوئة له داخل أفغانستان، وتحول إلى أحد أقوى التنظيمات الفرعية لـ"داعش"، لا سيما بعد تراجع دور بعض المجموعات التي برزت في الفترة الماضية.

وطبقًا لاتجاهات مختلفة، فإن ما يزيد من تأثير هذا الفرع هو سيطرته على بعض المناطق داخل أفغانستان، التي انتزع بعضها من حركة "طالبان"، بشكل دفع أحد قادته إلى ترجيح أن يكون ذلك بداية لمرحلة جديدة يتراجع فيها نفوذ الحركة لصالح التنظيم.

إلى جانب ذلك، فإن "ولاية خراسان" يمتلك قدرات بشرية وتسليحية وتنظيمية غير هينة قد تمكنه، في الفترة القادمة، من مواصلة شن هجمات غير تقليدية، على غرار الهجوم الذي نفذه على المستشفى العسكري في العاصمة كابول في 8 مارس 2017، وقبلها استهدافه للمحكمة العليا، في فبراير 2017، والسفارة العراقية في يوليو من العام نفسه.

 كما أبدى التنظيم اهتمامًا خاصًا بالإعلام، وهى السياسة نفسها التي تبناها "داعش" مع بداية سيطرته على بعض المناطق في شمال العراق في منتصف عام 2014، حيث سعى إلى تأسيس إذاعات محلية لتعزيز قدرته على نقل أفكاره وتجنيد مزيد من العناصر القريبة منها.

أهداف متعددة:

يسعى التنظيم عبر نشر الإصدار الجديد إلى تحقيق أهداف عديدة ترتبط بالمسارات المحتملة للصراع المتصاعد بينه وبين الأطراف الأخرى المناوئة له، ويتمثل أبرزها في:

1- توجيه رسائل مباشرة: يحرص التنظيم من خلال هذا الإصدار على استعراض قدراته، حيث كشف عبره عن إمكانياته التنظيمية والتسليحية وقدرته على السيطرة على مناطق كانت تخضع لنفوذ "طالبان" في مرحلة سابقة. ومن دون شك، فإن إلقاء الضوء على ذلك كان خطوة متعمدة من جانب التنظيم لتعزيز قدرته على ضم المزيد من الإرهابيين، مستندًا في هذا السياق إلى محاولاته استيعاب الضربات التي يتعرض لها، ولا سيما التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية ضده، على غرار ما حدث عندما قامت بإلقاء ما يسمى بـ"أم القنابل" على معاقله في إبريل 2017.

2- عرقلة الجهود السياسية: يبدو أن التنظيم يحاول وضع مزيد من العقبات التي يمكن أن تضعف من احتمالات إجراء جولة جديدة من المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، ومن ضمنها حركة "طالبان، على أساس أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى دعم الجهود التي تبذلها الحكومة لتركيز الحرب ضد الإرهاب على مواقعه.

واللافت هنا، هو أن قيادات داخل التنظيم باتت ترى أن تعرض حركة "طالبان" لهزيمة ساحقة ربما لا يكون في صالح التنظيم، رغم أن التنافس هو السمة الرئيسية للعلاقات فيما بينهما، باعتبار أن ذلك سوف يدفع الحركة إلى الاستجابة للضغوط المفروضة عليها من أجل المشاركة في تلك المفاوضات المحتملة بشكل قد يخصم من قدرة التنظيم على التمدد داخل مناطق جديدة.

3- دعم التنظيم الرئيسي: الذي يواجه ضغوطًا غير مسبوقة في كل من سوريا والعراق، نتيجة تراجع قدراته بشكل كبير وتعرضه لخسائر بشرية ومادية كبيرة، بعد الضربات العسكرية التي شنتها ضده بعض الدول والميليشيات المحلية. 

وبمعنى آخر، فإن أحد أهداف نشر هذا الإصدار يكمن في توجيه رسالة مفادها أن تراجع نفوذ التنظيم في سوريا والعراق لا يعني انتهاء دوره أو القضاء عليه، في ظل اتساع نطاق نفوذ التنظيمات الفرعية التابعة له، وفي مقدمتها تنظيم "ولاية خراسان".

4- تعزيز الدور: ربما تساهم الدعوة التي أطلقها تنظيم "ولاية خراسان" في تحول أفغانستان إلى بؤرة جاذبة للإرهابيين خلال المرحلة القادمة، خاصة أن هذه الآلية سبق أن استند إليها تنظيم "داعش" في بداية تأسيسه وتمكن عبرها من استقطاب عدد كبير من الإرهابيين الذين انضموا إليه في سوريا والعراق.

وطبقًا لرؤية اتجاهات عديدة، فإن أفغانستان تحظى باهتمام خاص من جانب التنظيمات الإرهابية، لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في هشاشة حدودها مع دول الجوار، بشكل يساعد تلك التنظيمات في توسيع نطاق تأثيرها، خاصة الحدود مع باكستان وإيران. وقد كشفت تقارير عديدة عن أن الأخيرة تغاضت عن انتقال عناصر كثيرة من تنظيم "داعش" إلى داخل أفغانستان خلال الفترة الماضية، على نحو دفع زعيم "الحزب الإسلامي" قلب الدين حكمتيار إلى توجيه انتقادات قوية لها، في 4 يناير 2018، متهمًا إياها بـ"محاولة تطبيق مؤامرة داعش التي نفذتها في العراق وسوريا داخل أفغانستان"، مشيرًا إلى أنها "تقوم بتوجيه تنظيم داعش إلى أفغانستان، حيث يعبر عناصر التنظيم إلى الأخيرة عبر أراضيها".

وقد حذرت تقارير أخرى من أن إرهابيين أجانب من جنسيات مختلفة انتقلوا بالفعل إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم داخل أفغانستان، حيث أقام لهم معسكرًا في جنوب غرب ولاية جوزجان، وهو ما يمكن أن يساعد في تغيير توازنات القوى داخل خريطة التنظيمات الفرعية الموالية لـ"داعش" لصالح "ولاية خراسان".

 هذه التطورات في مجملها تزيد من احتمال تصاعد ظاهرة انتقال الإرهابيين الأجانب إلى أفغانستان خلال المرحلة القادمة، للانضمام إلى تنظيم "ولاية خراسان"، بشكل سوف يفرض تحديات جديدة أمام الحكومة الأفغانية التي تسعى، بالتعاون مع القوى الدولية المعنية بالأزمة الأفغانية، إلى منع "داعش" من توسيع نطاق نشاطه داخل أراضيها.