هجمات مضادة:

لماذا ينتقد فريق أحمدي نجاد حكومة روحاني؟

30 January 2018


مع تراجع حدة الاحتجاجات التي اندلعت في إيران بداية من 28 ديسمبر 2017، نسبيًا، بدأت الصراعات السياسية بين حكومة الرئيس روحاني والقوى المناوئة لها تتصاعد من جديد، في إطار التحركات الاستباقية التي تتبناها تلك القوى استعدادًا للتحولات المحتملة التي قد تشهدها التوازنات السياسية الداخلية في مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة التي فرضتها تلك الاحتجاجات.

وفي هذا السياق، كان لافتًا أن بعض أعضاء الفريق الرئاسي الذي قاده الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بدأ في تصعيد حدة انتقاداته لحكومة روحاني، في الفترة الماضية، بالتوازي مع حرص أحمدي نجاد على الظهور في بعض الفعاليات التي تحظى باهتمام إعلامي في إيران، مثل الاجتماع الأخير لمجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي أصدر المرشد علي خامنئي قرارًا بتعيينه عضوًا فيه، والذي عقد في 21 يناير 2018.

وقد قدمت هذه المجموعة طلبًا لوزارة الداخلية لتنظيم مظاهرات منددة بالسياسات التي تتبناها الحكومة، بالتوازي مع الحملة التي تقودها في بعض المدن والقرى البعيدة عن العاصمة طهران وتسعى من خلالها إلى إلقاء الضوء على المشكلات الاقتصادية التي تسببت فيها السياسات الحكومية.

أهداف عديدة:

تسعى تلك المجموعة إلى تحقيق أهداف عديدة من خلال التصعيد الحالي مع الحكومة، يتمثل أبرزها في:

1- مواجهة الضغوط: وذلك من خلال الرد على الحملة التي تروجها الحكومة وتحاول عبرها تحميل المسئولية عن المشكلات الاقتصادية الحالية على عاتق الحكومة السابقة برئاسة أحمدي نجاد، وذلك من أجل صرف الأنظار عن فشلها في تحقيق وعودها الخاصة برفع مستوى العوائد الاقتصادية والتكنولوجية التي يمكن أن تحصل عليها إيران من الاتفاق النووي.

فقد سبق أن وجه روحاني اتهامات لحكومة أحمدي نجاد، في مارس 2017، بأنها "أعادت إيران مائة عام إلى الوراء في العهد القاجاري"، بسبب السياسات الشعبوية التي اتبعتها، وأدت إلى ارتفاع مستويات التضخم والبطالة ووصول العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي إلى مرحلة غير مسبوقة، لا سيما عندما وصلت إلى مستوى تقييد صادرات النفط الإيرانية إلى المشترين الرئيسيين، وخاصة الاتحاد الأوروبي، بداية من يوليو 2012، وحتى يناير 2016 موعد رفع العقوبات الدولية بعد الوصول للصفقة النووية.

وكان روحاني قد أشار، بعد مرور مائة يوم على توليه فترته الرئاسية الأولى، إلى أن عوائد صادرات النفط خلال الأعوام الثمانية التي تولى فيها أحمدي نجاد رئاسة الجمهورية (2005-2013) وصلت إلى 600 مليار دولار، ومع ذلك ترك الأخير ديونًا تقدر بنحو 67 مليار دولار حسب تقديرات الرئيس الحالي.

كما انتقد روحاني عزوف الحكومة السابقة عن فتح ملفات الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والذي بدا جليًا في انهيار المساكن التي قامت حكومة أحمدي نجاد ببناءها في إطار "مشروع مهر" للإسكان الاجتماعي بفعل الزلزال الذي وقع في المدن الغربية الإيرانية في 12 نوفمبر 2017.

ومن هنا، اتجه فريق أحمدي نجاد إلى تبني سياسة تصعيدية في مواجهة اتهامات حكومة روحاني، بالتوازي مع سعيه إلى الكشف عن بعض حالات الفساد الكبرى التي وقعت في بعض المصارف الإيرانية وطالت مسئولين في الحكومة، بشكل فرض ضغوطًا قوية على الرئيس الحالي.

ولذا، فإن اتجاهات عديدة ترى أن هذا الفريق كان وراء الكشف عن ما يسمى بـ"أزمة المرتبات الفلكية" التي كانت تمنح لبعض المسئولين والموظفين الحكوميين، في منتصف عام 2016، والتي دفعت الحكومة إلى إصدار قرارات إقالة لعدد كبير منهم، بعد أن كشفت تقارير عديدة أن بعضهم كان يتقاضى نحو 17 ألف دولار شهريًا.

ووصلت حالات الفساد إلى حسين فريدون شقيق الرئيس روحاني ومستشاره، الذي اعتقلته السلطة القضائية في يوليو 2017، بتهمة ارتكاب جنح مالية واستغلال النفوذ في تعيين أحد المقربين منه على رأس مصرف "رفاه"، وإن كان ذلك لا ينفصل عن خلاف آخر نشب بين روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني الذي سبق أن وجه انتقادات لاذعة للرئيس بسبب الاتهامات التي وجهها الأخير لبعض الإجراءات التي يتخذها القضاء، لا سيما فيما يتعلق بإصدار قرارات اعتقال بحق بعض الناشطين السياسيين.

2- استعداد مسبق: يستعد فريق أحمدي نجاد مبكرًا للاستحقاقات السياسية القادمة، وعلى رأسها انتخابات مجلس الشورى التي سوف تجرى في عام 2020 وبعدها انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2021، حيث يسعى إلى احتواء الهزائم التي منى بها في الاستحقاقات السابقة، سواء بسبب عدم تحقيقه نتائج بارزة في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة التي أجريت على مرحلتين في فبراير وأبريل عام 2016، أو بسبب استبعاد بعض قياداته، وهم في الأساس الرئيس السابق أحمدي نجاد ومساعده حميد بقائي، من الترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهى الانتخابات التي سعى أحمدي نجاد إلى المنافسة فيها دون رغبة المرشد علي خامنئي الذي سبق أن نصحه بعدم الإقدام على تلك الخطوة.

وربما يشير ذلك إلى أن أحمدي نجاد يسعى إلى تعزيز نفوذه السياسي، بعد أن تعرض للتراجع خلال الأعوام الماضية، بسبب صراعاته مع أقطاب من تيار المحافظين الأصوليين والحرس الثوري، فضلاً عن الدائرة المقربة من المرشد علي خامنئي، التي أبدت تحفظات عديدة تجاه سياساته الداخلية والخارجية خلال فترة توليه رئاسة الجمهورية (2005-2013).

وبعبارة أخرى، فإن الرئيس السابق يحاول توسيع نطاق دوره داخل النظام ليتجاوز تعيينه عضوًا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يرى أن ثقله السياسي بات ضعيفًا، بسبب حرص النظام على تحييده خلال الفترة التي كان الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني يترأسه خلالها حتى وفاته في 8 يناير 2017.

3- استقطاب المؤيدين: تحاول المجموعة المقربة من أحمدي نجاد النأى بنفسها عن الاحتجاجات الأخيرة خشية التعرض لضغوط من جانب النظام، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى استثمارها من أجل استقطاب دعم الطبقة الدنيا لها، على غرار ما كان قائمًا خلال ولايتى الرئيس السابق، الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا بتلك المناطق وحظيت سياساته الشعبوية بتأييد واسع من جانبها.

ومن هنا يمكن تفسير أسباب عدم اندلاع احتجاجات اقتصادية كبيرة في عهد أحمدي نجاد مثل الاحتجاجات الأخيرة التي واجهها النظام، حيث اتسمت الأزمة السياسية التي نشبت في تلك الفترة بطابع سياسي وقادتها الطبقة الوسطي التي تقيم في العاصمة طهران ولم تتطرق بشكل كبير إلى المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الدولة، رغم العقوبات الدولية غير المسبوقة التي تعرضت لها الأخيرة، حيث تركزت مطالبها حول توسيع نطاق الحريات السياسية وإجراء مراجعة لنتائج الانتخابات الرئاسية التي شككت في نزاهتها.

وانطلاقًا من ذلك، حرص أحمدي نجاد على توجيه اتهامات بالفساد إلى عائلة لاريجاني، خاصة الشقيقين علي وصادق لاريجاني رئيسى مجلس الشورى والسلطة القضائية على التوالي، خاصة أن ملف الفساد بات يحظى باهتمام خاص على الساحة الداخلية الإيرانية، وهو ما دفع المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين محسنى اجئي إلى التشكيك في الصحة العقلية للرئيس السابق.

صراعات سياسة متعددة يبدو أنها سوف تتفاقم خلال المرحلة القادمة، على ضوء الضغوط التي تتعرض لها إيران سواء بسبب الاحتجاجات أو بسبب المسارات الغامضة للاتفاق النووي