عقبات متعددة:

هل يمكن تكرار تجربة "الباسيج" الإيراني في باكستان؟

16 November 2017


يبدو أن إيران تسعى إلى تكرار تجربتها في تأسيس ميليشيات موازية للجيش النظامي منذ الإطاحة بنظاه الشاه بهلوي في عام 1979 داخل بعض دول الجوار، على غرار باكستان، حيث دعا قائد الحرس الثوري الإيراني محمد على جعفري رئيس الأركان الباكستاني قمر جاويد باجوا خلال الزيارة التي قام بها الأخير إلى طهران في 7 نوفمبر الجاري، إلى إنشاء قوات رديفة للجيش الباكستاني على غرار قوات "الباسيج" الإيرانية، معربًا عن استعداد إيران للمساهمة في نقل تجربتها إلى جارتها باكستان، كما حرص جعفري على استعراض تلك التجربة في كل من العراق وسوريا، زاعمًا أنها نجحت في تحقيق أهدافها رغم أن ذلك لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تشير إلى أن تلك الميليشيات ساهمت في تفاقم الأزمات الإقليمية وعرقلة الجهود التي بذلت من أجل الوصول إلى تسويات لها.

ويقوم الحرس الثوري بالدور الأبرز في هذا السياق، حيث يتولى مسئولية تكوين وتدريب الميليشيات التي يتم تأسيسها في بعض دول المنطقة، في حين تتولى المؤسسية النظامية، ممثلة في وزارة الدفاع، المهام التقليدية على غرار رفع مستوى التنسيق العسكري مع المؤسسات العسكرية في بعض دول الجوار، وهو ما انعكس في اللقاءات الأخرى التي أجراها رئيس الأركان الباكستاني في طهران، حيث ارتكزت مباحثاته مع وزير الدفاع أمير حاتمي ورئيس الأركان محمد باقري على تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك فى إطار ضبط الحدود التي تشهد توترًا من آن لآخر بين الدولتين، بسبب العمليات التي تقوم بها بعض الجماعات الإيرانية المسلحة عبر الحدود وتستهدف من خلالها عناصر تابعة لحرس الحدود والحرس الثوري.

دلالتان رئيسيتان:

تطرح هذه المساعي الإيرانية دلالتين رئيسيتين: تتمثل الأولى، في مواصلة جهود تصدير "منتجات" الثورة الإيرانية، باعتبارها-حسب مزاعم طهران- نموذجًا قابلا للاحتذاء به، خاصة نموذج "الباسيج"، بما يساعد في الترويج لبناء ميليشيات موازية للجيوش التقليدية، يمكنها أن تمارس أدوارًا سياسية وعسكرية في الداخل والخارج. وقد استند جعفري في تبرير دعوته إلى طبيعة المهام التي يقوم بها "فيلق القدس" الذي يتولى مسئولية العمليات الخارجية داخل الحرس الثوري.

وتنصرف الثانية، إلى محاولة "مأسسة" التدخل الإيراني داخل عمق بعض دول الجوار، خاصة مع الوضع في الاعتبار أن إيران تدعم جماعات شيعية باكستانية، لا سيما في المناطق المتاخمة لحدودها في شمال غرب باكستان وإقليم البنجاب، وبعض عناصرها دعم جهودها في مواجهة حركة "طالبان" من قبل، في حين اتجه البعض الآخر إلى الانضمام للميليشيات التي قامت بتكوينها وتدريبها للانخراط في الصراع السوري، وفي مقدمتها ما يسمى بـ"لواء زينبيون".

توتر مستمر:   

كان لافتًا أن دعوة جعفري لم تلق صدى لدى قائد الأركان الباكستاني، حيث لم يصدر أى تعقيب أو رد فعل على تلك التصريحات. لكن ثمة مؤشرات عديدة يمكن أن تشكل تصورًا حول الموقف الباكستاني، ويتمثل أبرزها في رفض إسلام أباد للتدخل الإيراني في شئونها الداخلية، إضافة إلى الاتهامات المتكررة التي توجهها إيران إلى الأولى بدعم بعض الجماعات المسلحة الإيرانية والتي أدت إلى توتر العلاقات بين الطرفين على غرار ما حدث في مايو 2017، عندما استدعت وزارة الخارجية الباكستانية السفير الإيراني مهدي هنردوست احتجاجًا على التهديدات التي أطلقها رئيس الأركان محمد باقري بتوجيه ضربات عسكرية داخل باكستان ضد ما تعتبره إيران قواعد تابعة لجماعة "جيش العدل" التي تتهمها إيران بالمسئولية عن قتل 10 عناصر من قوة حرس الحدود.

محددات متناقضة:

رغم أن الجيش يمارس، تاريخيًا، دورًا بارزًا على الصعيد السياسي في باكستان، إلا أن هذا الدور لا يوازي الأدوار المناظرة التي تقوم بها المؤسسة العسكرية- بأفرعها المختلفة- في الحالة الإيرانية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة هى:

1- اختلاف طبيعة التكوين الهيكلي والعقائدي في الحالتين: فالجيش الباكستانى أقرب فى التكوين والعقيدة العسكرية إلى البنى التقليدية المعروفة للجيوش النظامية، وهى تركيبة لا تسمح بإنشاء كيانات موازية تتقاسم الصلاحيات والأدوار، خاصة إذا كانت ذات طابع طائفي على الرغم من وجود بعض الملامح الدينية للجيش في إسلام أباد.

2- مهام متباينة للقوات الرديفة: ففي الحالة الباكستانية، هناك قوات رديفة لكنها تأخذ الشكل النظامي وليس النمط الميليشياوي، وهى القوات شبه العسكرية التي يصل قوامها إلى نحو 304 ألف عنصر حسب بعض التقديرات، بما يعادل نصف قوام الجيش الذي يصل تعداده إلى 617 ألف عنصر تقريبًا، وهى أشبه بقوات عسكرية– شرطية أو قوات الانتشار السريع أو قوات النخبة، كالحرس الوطني أو قوات السواحل البحرية، وبعضها يتبع وزارة الداخلية ومنها وحدات الحدود والمغاوير، فيما يتسم بعضها الآخر بطابع خاص مثل الحرس الوطني النسائي، أو الفيلق الوطني للطلبة العسكريين.

وتشير طبيعة هذه المكونات إلى أنه تم تأسيسها لتحقيق أهداف خاصة باتجاهات التوازن بين المكونات الاجتماعية والتهديدات المزمنة التي صاحبت نشأة الدولة، فضلاً عن أن بعضها يعكس طبيعة الطبوغرافيا في عدد من المناطق على غرار القوات الخفيفة الشمالية، أو الطبيعة الساحلية أو الحدودية، إلا أنها لا تخرج في مجملها عن البنية التقليدية للجيوش النظامية.

3- أدوار تقليدية: إذ أن باكستان لم يكن لها تجارب تدخل خارجية على غرار إيران، حيث يقتصر التواجد الخارجي للجيش الباكستاني على مشاركات تقليدية فى إطار التدريبات المشتركة مع بعض الجيوش النظامية، أو المشاركة في قوات حفظ السلام.

4- معارضة التمدد الخارجي الإيراني: تعتبر باكستان أن التمدد الخارجي لإيران، خاصة في دول الأزمات، يمثل تهديدًا لدول الجوار وإخلالاً بالتوازنات الإقليمية القائمة، خاصة أن هذا التمدد توازى مع تصريحات عديدة أدلى بها مسئولون إيرانيون تكشف عن سعى طهران إلى دعم نفوذها الإقليمي عبر تأسيس علاقات قوية مع التنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في تلك الدول.

 وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن ثمة عقبات عديدة تخصم من قدرة إيران على الترويج لنموذج "الباسيج" في بعض دول المنطقة، على غرار باكستان، خاصة في ظل انخراطها في الصراعات الإقليمية المختلفة ودورها في تعزيز الفوضى وعدم الاستقرار ودعم التنظيمات الإرهابية المختلفة.