الإمارات نموذجاً:

كيف يرى الشباب العربي التطورات في المنطقة؟

14 May 2016


كشفت نتائج استطلاع رأي للشباب العربي أجرته مؤسسة "بن شوين بيرلاند" العالمية، ومقرها الولايات المتحدة، لصالح شركة "أصداء بيرسون- مارستيلر"، عن احتلال دولة الإمارات العربية المتحدة الصدارة لدى الشباب العربي كوجهة مُفضلة للعيش، فضلاً عن احتلالها المرتبة الأولى كنموذج يُحتذى للبلدان الآمنة اقتصادياً، والوجهة المفضلة لتأسيس الأعمال في العالم العربي.

وتكتسب دولة الإمارات شعبيتها الواسعة بين أوساط الشباب العربي من كونها بلداً ينعم بالأمان والاستقرار، ويوفر فرصاً اقتصادية واعدة.

وقد شمل هذا الاستطلاع 16 دولة عربية، هي: (الإمارات، والبحرين، والسعودية، وعمان، وقطر، والكويت، والأردن، والعراق، وفلسطين، ولبنان، واليمن، وتونس، والجزائر، وليبيا، ومصر، والمغرب). وشارك فيه 3500 شاب وشابة ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، وذلك خلال الفترة من 11 إلى 22 فبراير 2016.

وأيضاً، كشف الاستطلاع، الذي أُعلنت نتائجه في شهر أبريل 2016، عن عدة مؤشرات أخرى بشأن توجهات الشباب إزاء التحديات الأمنية التي تواجه الدول العربية، فضلاً عن تقييمهم للأوضاع الاقتصادية، وتطلعاتهم السياسية. وقد حملت هذه المؤشرات، في مجملها، دلالات عديدة بشأن قضايا الإقليم المحورية، ينبغي أخذها في الحسبان عند وضع الدول الاستراتيجيات وتنفيذ السياسات.

الموقف من "داعش"

أظهر الاستطلاع أن الشباب العربي يعتبرون تنظيم "داعش" أكبر تحدٍ تواجهه منطقة الشرق الأوسط، حيث جاء على رأس القائمة بنسبة 50%، مقارنةً بنسبة 37% في استطلاع العام الماضي، تليها "تهديدات الإرهاب" بنسبة 38%، وهو ما يُؤشر إلى تعاظم الشعور بمخاطر الإرهاب في المنطقة.

كما انخفضت نسبة من يقولون بإمكانية انضمامهم إلى "داعش" لو تخلى عن العنف المفرط من 19% في نسخة التقرير الماضية إلى 13% هذا العام، وأعرب ثلاثة من كل أربعة شباب عن قلقهم من تنامي ظاهرة "داعش"، وتوقع واحد من كل ستة شباب أن ينجح التنظيم في تأسيس دولة.

وتتسق هذه المخاوف مع استطلاعات سابقة استهدفت قياس معدلات تعاطف العرب مع "داعش"، والتي أظهرت محدودية تأييد التنظيم، مثل الاستطلاع الذي أجراه مركز بيو الأمريكي ونُشرت نتائجه في نوفمبر 2015 واشتمل على 11 دولة، منها ثلاث دول عربية هي لبنان والأردن وفلسطين، تراوحت نسب تأييد "داعش" فيها بين 3% و6% فقط. كما أظهر استطلاع للرأي تم إجراؤه في دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة السعودية في سبتمبر 2014 لصالح معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وشمل 1000 مفردة في كل دولة من الدول الثلاث، أن 5% فقط من المُستطلعة آراؤهم في السعودية عبَّروا عن وجهة نظر إيجابية أو إيجابية إلى حد ما إزاء "داعش"، مقابل 4% فقط في الكويت، و3% فقط في الإمارات. وعلى الصعيد نفسه، أجرى المركز العربي للأبحاث استطلاعاً في الفترة من 9 إلى 25 أكتوبر 2014، شمل خمسة آلاف مفردة في سبع دول عربية، أظهرت نتائجه أن 11% من المبحوثين أفادوا بأن لديهم نظرة إيجابية أو إيجابية جداً تجاه "داعش".

ولعل تلك المعارضة للتنظيم تخلق بيئة ملائمة لمحاربته، مع ملاحظة وجود نسبة من التعاطف حتى ولو محدودة، يتعين على الحكومات العربية أخذها في الاعتبار وتبني السياسات اللازمة لتوعية الشباب، ودحض الأفكار المتطرفة عن طريق آليات إعلامية وتربوية تقوم على دراسة مرتكزات خطاب التنظيمات الإرهابية، وصياغة خطاب مضاد قائم على مبادئ الإسلام الصحيحة.

مُدركات الحليف والعدو

للعام الخامس على التوالي، جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى ضمن قائمة الدول التي يراها الشباب العربي "حليفاً أكبر" لبلدانهم بنسبة 31%، كما حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على مكانة قوية في هذا الصدد، حيث جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 28%. ولعل ذلك الترتيب المتقدم يأتي انعكاساً لتحركات الدولتين خلال الفترة الماضية، والتي أتت داعمة للبلدان العربية وفي مقدمتها مصر، والتي أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، في سبتمبر 2015، أن السعودية هي أكثر دولة صديقة لمصر من وجهة نظر المصريين، تليها الإمارات.

أما بالنسبة لموقف الشباب العربي من الولايات المتحدة، فقد انعكست تباينات سياساتها في المنطقة على اضطراب توصيفاتها، حيث وصفها بالحليف 85% من المُستطلعة آراؤهم في دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك 66% في شمال أفريقيا، فيما تراجعت هذه النسبة إلى 33% فقط في دول شرق المتوسط واليمن؛ وهي المناطق التي تعاني اضطرابات تعد واشنطن طرفاً أساسياً فيها. كما وصفها "بالعدو" 93% في العراق، و82% في اليمن، و81% في فلسطين.

ومن ناحية أخرى، اعتبر أكثر من نصف الشباب العربي محل البحث في استطلاع هذا العام، إيران "عدواً"، وظل البرنامج النووي الإيراني في مقدمة "العقبات الكبرى" التي يرون أنها تعرقل استقرار المنطقة بنسبة 17%.

والحقيقة فإن توصيفات العدو والحليف بمنطقة مضطربة ومتعددة المصالح، يبدو أمراً صعباً خاصةً مع تباين أدوار القوى المختلفة وتشتت العوامل المؤثرة في هذا الصدد، ومنها الانتماء الطائفي. ففيما اعتبر 51% من العراقيين المُستطلعة آراؤهم إيران حليفاً رئيسياً لبلادهم (75% من العينة تم سحبها من البصرة وبغداد مقابل 25% من أربيل)، وصفها 52% من إجمالي العينة في كل الدول بـ"العدو"، ولعل ذلك يؤشر إلى تزايد تأثير نزعة الانتماء المذهبي في تقييم التحالفات، وهو ما أشارت إليه نتائج الاستطلاع أيضاً، حيث قال 52% إنهم يرون أن الدين يلعب دوراً أكبر مما ينبغي في المنطقة، ويرى 47% أن العلاقات بين السنة والشيعة تدهورت خلال السنوات الخمس الماضية.

أولويات اقتصادية

احتلت الموضوعات الاقتصادية مكانة بارزة في استطلاع آراء الشباب العربي، إذ جاءت البطالة في المرتبة الثالثة ضمن "العقبات الأكبر" التي تواجه منطقة الشرق الأوسط بنسبة 36%، بعد "داعش"، وتهديدات الإرهاب، ثم ارتفاع تكاليف المعيشة بنسبة 30%. كما اعتبر المبحوثون "ضعف الوظائف والفرص المتاحة للشباب" على رأس الأسباب التي تشجع الشباب على الانضمام لتنظيم "داعش"، وقال 37% إنه لا تتوافر فرص عمل جيدة في بلدانهم، وهي النسبة التي ترتفع إلى 82% في اليمن، و71% في ليبيا، و56% في تونس.

ويبدو أن تلك المخاوف الاقتصادية قد انعكست في تصويت الشباب لـ"الاستقرار" مقابل الديمقراطية، بما يتضمنه المصطلح من أبعاد اقتصادية أساسية، إذ تراجعت نسبة الموافقة على تحسن الأوضاع بعد أحداث الربيع العربي من 72% في نسخة التقرير لعام 2012، إلى 36% في نسخته عام 2016. كما ذكر 53% من المُستطلعة آراؤهم أن "تعزيز الاستقرار في المنطقة يستأثر بأهمية أكبر من تحقيق الديمقراطية"، وهو ما يبدو جلياً أنه نتاج للأوضاع الكارثية التي آلت إليها أحوال دول الربيع العربي، خاصةً سوريا واليمن وليبيا، والانهيارات الاقتصادية التي عانتها تلك الدول، وقد يعكس ميلاً إلى نموذج إصلاحي قوامه المطالبات غير الثورية.

حقوق المرأة

على الرغم من تراجع قضية حقوق المرأة على قائمة "العقبات الكبرى" أمام الدول العربية، حيث جاءت في ترتيب متأخر بنسبة 13%، فإن الاستطلاع حمل مؤشرات إيجابية في هذا الصدد، حيث تساوت تقريباً نسبة الرجال والنساء المطالبين ببذل جهود أكبر لتعزيز حقوق المرأة وحريتها الشخصية، بنسبة 66% و68% لكل من الطرفين، ما يعكس وعياً بحقوق المرأة وأهميتها.

ولعل ذلك يتناسب مع حالة الحراك في أوضاع المرأة العربية، إذ شهد عام 2015 مشاركة المرأة السعودية للمرة الأولى في الانتخابات البلدية والتي فازت بـ20 مقعداً فيها، كما فازت معالي الدكتورة أمل القبيسي برئاسة المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتصبح أول امرأة عربية تتولى رئاسة البرلمان، وفي قطر فازت امرأتان بعضوية المجلس البلدي، فيما حصلت المرأة المصرية على 87 مقعداً في مجلس النواب الحالي. وشهدت الجزائر إقرار قانون يغلظ العقوبة على العنف الجسدي والمعنوي ضد المرأة. وأقر البرلمان التونسي قانوناً جديداً يحظر كافة أشكال التمييز ضد المرأة فيما يخص مغادرة الأراضي التونسية مع الأبناء.

أولوية الإعلام المرئي والإلكتروني

على الرغم من حالة الزخم التي يشهدها الإعلام الإلكتروني وفي القلب منه شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الاستطلاع يظهر أن التلفزيون لايزال على رأس مصادر الأخبار للشباب العربي، حيث تزايدت نسبته من 60% إلى 63% بين نسختي التقرير عامي 2015 و2016، وأكد 29% من المبحوثين أنهم يشاهدون القنوات الإخبارية يومياً. وحلت المصادر الإخبارية الإلكترونية في المرتبة الثانية بارتفاع من 40 إلى 45%، وشبكات التواصل الاجتماعي من 25 إلى 32%، في الوقت الذي تراجعت فيه الصحف المطبوعة من 22% إلى 17%، والمجلات من 8 إلى 6%، في تأكيد على أهمية التلفزيون والتنامي المتصاعد للإعلام الرقمي.

وذكر 62% من الشباب أنهم يستخدمون تطبيق "واتس آب" يومياً، و55% يستخدمون فيسبوك، و33% يوتيوب و28% لكل من تويتر وإنستجرام. وأوضح 52% أنهم يستخدمون فيسبوك لنشر المقالات والأخبار المهمة في زيادة بنسبة 41% عن عام 2015. ولعل هذه الأرقام ليست بالغريبة مطلقاً وتنسجم مع الانتشار المتنامي لتلك الوسائل التقنية، إذ من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية إلى 226 مليون مستخدم بحلول عام 2018 وفق تقرير اقتصاد المعرفة العربي 2015 – 2016. كما بلغ عدد مستخدمي فيس بوك 81 مليون مستخدم، و6 ملايين مستخدم لتويتر، و8.5 مليون لموقع لينكد إن، وفقاً لإحصاءات تقرير الإعلام الاجتماعي العربي الصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية في عام 2014.

ختاماً، تحمل نتائج هذا الاستطلاع مؤشرات مهمة بشأن توجهات الشباب في المنطقة العربية، ينبغي أخذها بعين الاعتبار والتدبر. وبالتأكيد فإن تطورات الواقع العربي وتحدياته تستدعي إجراء مزيد من الاستطلاعات حول توجهات الشباب العربي، وذلك لاستكشاف مُدركات واتجاهات هذه الفئة العمرية، وبما يُؤسس لتواصل مستنير معها، ويعمل على ترشيد صناعة القرار.