استقطاب سياسي:

أثر قانون الانتخابات النيابية الجديد على الوضع الداخلي اللبناني

28 June 2017


تشهد المرحلة المقبلة في لبنان مزيدًا من الاستقطاب والتجاذب السياسي بعد الموافقة على قانون الانتخابات النيابية الجديد، وهو ما ظهرت دلالاته في تباين ردود أفعال القوى السياسية الرئيسية، التي كشفت ضمنيًّا الاتجاه إلى مزيدٍ من تكريس نفوذ حزب الله، وتخوف "حركة أمل" والتيار الوطني الحر من تراجع حصتيهما من المقاعد النيابية، وسعي بعض القوى السياسية للبحث عن حلفاء في المعركة الانتخابية المقبلة خوفًا من التهميش، بينما أظهرت تراجعًا محتملاً في نفوذ "تيار المستقبل" الممثِّل للسنة في لبنان.

ويُلقي القانون الجديد بتبعاته على المشهد السياسي اللبناني، وذلك من خلال تغير شكل الخريطة السياسية، بدءًا من مرحلة التحضير للانتخابات حتى الانتهاء منها، متضمنًا تغير شكل التحالفات السياسية القائمة، في مقابل قيام تحالفات قائمة على البعد الطائفي والعرقي، خاصة مع احتمالية تزايد نفوذ المكون الشيعي في لبنان.

حبيث شهدت الفترة الماضية حراكًا سياسيًّا في لبنان لإقرار قانون انتخابات نيابية جديد قبل انتهاء دورة البرلمان الحالي في 20 يونيو الجاري، خوفًا من الدخول في فراغ مؤسساتي قد يطال مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية (الأمر الذي هدد به حزب الله سابقًا في حال عدم التوصل إلى قانون انتخابي جديد)، حيث توافقت القوى السياسية عبر ممثليها في مجلس الوزراء على مشروع قانون النائب "جورج عدوان" في 14 يونيو الجاري، تبعها إقرار المشروع في جلسة مجلس النواب بتاريخ 16 يونيو الجاري، مع التوافق على تمديد عمر البرلمان تقنيًّا لمدة 11 شهرًا حتى 20 مايو 2018، على أن تُجرى الانتخابات النيابية خلال الستين يومًا التي تسبق انتهاء ولايته.

وقد تمثلت أهم ردود الفعل على القانون الجديد في الداخل اللبناني، على النحو التالي:

1- قوى 8 مارس: 

- حزب الله: شدد نائب الأمين العام لحزب الله "نعيم قاسم" على أن الحزب منذ اليوم الأول تمسك بالقانون على أساس النسبية لأنه الأعدل، وستكون هناك تبدلات حقيقية في النتائج، حيث إن بعض الكتل ستخسر من 5 إلى 10 نواب، وبعض الكتل يمكن أن تزداد بمقدار نائبين أو 3 أو 5. فحزب الله وحركة أمل سيخسران فعليًّا بعض النواب بحكم قانون النسبية، وقد يحافظ على الوضع كما هو، ناقصًا واحدًا أو اثنين.

- حركة أمل: وصف زعيم الحركة "نبيه بري" قانون الانتخابات بأنه "أفضل الممكن، لأنه ينقل البلد إلى ما هو جديد، ويُعطي الأمل للبنانيين للتأسيس لبناء مرحلة جديدة، وأنه كان من الممكن أن يكون القانون أفضل، ولكن النتيجة جاءت بعد توافق الجميع على هذه الصيغة".

- التيار الوطني الحر: أكد رئيس الحزب "جبران باسيل" أنه تم إنجاز قانون انتخاب ميثاقيًّا، وسيكون للبنانيين قانون يصحح التمثيل، لكن ليس بالقدر الذي يريده التيار، حيث إن هذا القانون قائم على النسبية مع ضوابط، ولكنه رفع التمثيل لدى المسيحيين بدرجة كبيرة بنسبة تقريبية 60 أو 70%.

2- قوى 14 مارس:

-  تيار المستقبل: أكد زعيم التيار رئيس الحكومة "سعد الحريري" أن إنجاز قانون الانتخاب هو إنجاز ليس لحزب أو لطائفة، بل للبلد، خصوصًا أنّه كان آخرَ موضوع أساسي مختلف عليه في البلد، وبعد هذا الإنجاز، لم تعُد هناك مسائل صدام سياسي أساسية تعطّل البلد وتعرقِل مشروع النهوض الاقتصادي، وإيجاد فرَص عمل خصوصًا للشباب.

 - حزب القوات اللبنانية: اعتبر رئيس الحزب "سمير جعجع" أنه في ضوء القانون الجديد فإن صورة التحالفات غير واضحة حاليًّا ولم تُبت في شكل نهائي.

- حزب الكتائب اللبنانية: أكد رئيس الحزب "سامي الجميل" أن قانون الانتخاب الجديد شوه مفهوم النسبية، وأن حقوق المسيحيين باتت تُستخدم لتمرير مصلحة خاصة وحزبية، ومنطق الصفقات سيُواجَه خلال الانتخابات من قبل الشعب والرأي العام اللبناني.

3- قوى مستقلة:

- الحزب التقدمى الاشتراكي:  أكد رئيس الحزب "وليد جنبلاط" أنه نتيجة اختلال التوازن خرجت لبنان بقانون آية في الغموض، نهايتُه ستكون عاطلة مع تفسيرات متناقضة، وليس فيه إنجاز إلّا الاسم فقط، كما اعتبر وزير التربية "مروان حمادة" أن القانون معقد والأكثر طائفية، مشيرًا إلى أن الحزب -مع ذلك- مع التوافق الوطني ومع القانون الانتخابي.

تباينات سياسية:

يعكس تباين ردود أفعال القوى السياسية اللبنانية تجاه قانون الانتخابات الجديد ما يلي:

1- تكريس النفوذ: وهو ما اتضح في تعليق حزب الله على القانون الجديد، والذي أشار فيه ضمنيًّا إلى نجاح الحزب في فرض رؤيته بشأن إقرار قانون يقوم على النسبية الكاملة، والذي قوبل باعتراض من العديد من القوى السياسية، خاصة تيار المستقبل (في بداية طرح مشاريع القوانين)، والتيار الوطني الحر الذي أراد تطبيق القانون الأرثوذكسي لضمان زيادة عدد المقاعد المسيحية في البرلمان. وفي هذا السياق يستهدف الحزب زيادة نفوذه طبقًا للتقسيم الجديد للدوائر، خاصة بعد ضم دائرتي بيروت الثانية والثالثة، مع توقع الحصول على مقاعد زحلة والبقاع الغربي وغيرها.

2- التخوف من نتائج الانتخابات: بالنسبة لحركة أمل والتيار الوطني الحر، تعكس مواقفهما المترددة من القانون الجديد احتمالية عدم حصولهما على حصة وازنة من عدد المقاعد في المجلس المقبل، مع احتمالية تراجعها مقارنة بالمجلس الحالي. وفي هذا السياق ستستهدف تلك القوى تأمين أقصى مكاسب يمكن الحصول عليها عبر محاولة تعديل بعض بنود القانون، خاصة فيما يتعلق بمبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين داخل البرلمان، وهو ما أكد عليه "جبران باسيل": "لم ننجح في تحقيق نسبة معينة للمرشح في طائفته لكننا سنعود إليها، لا تزال معركة تحسين التمثيل مستمرة للوصول إلى السقف الذي نريده وهو 64 نائبًا" (أي نصف المقاعد في البرلمان)، وبالنسبة لحركة أمل فستسعى لتعزيز تحالفها مع حزب الله على أساس زيادة التمثيل الشيعي في البرلمان.

3- تنازلات غير محسوبة: من الواضح أن زعيم تيار المستقبل رئيس مجلس الوزراء "سعد الحريري" قد وافق على القانون الجديد في مقابل الحفاظ على منصبه الحالي، ناظرًا إلى رئاسة الحكومة على أنها الأهم، وهو الأمر الذي سيسفر عن ارتدادات تُسهم في تضاؤل نفوذ التيار في الحياة السياسية، وهو ما برز من خلال عدة صفقات، تمثلت في قبول "ميشال عون" رئيسًا للجمهورية، وتولي قوى 8 مارس أكثرية الحقائب الوزارية،  واستمرار سياسة الحريري بهذا النهج تعني مزيدًا من تآكل نفوذ المكون السني في لبنان، ولمواجهة هذا الأمر قد يلجأ الحريري للتحالف مع الرموز السنية في لبنان، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق "نجيب ميقاتي".

4- التحالف ضرورة لمنع التهميش: يتضح من مواقف حزبي الكتائب والقوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، أن الموافقة على القانون الجديد (عدا حزب الكتائب اللبنانية الذي لم يصوت للقانون في البرلمان)، كان الملاذ الأخير لعدم دخول لبنان في فراغ مؤسساتي، وبما يشير -في الوقت نفسه- إلى الضغوط التي تعرّض لها بعضهم من أجل إقرار القانون، إدراكًا منهم أن القانون الحالي سيعني مزيدًا من تهميش تلك القوى، وبالتالي يُرجح اتجاه تلك القوى لعقد تحالفات مع قوى أخرى (خاصة حزب القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر) لضمان الحصول على حصة أكبر من المقاعد في البرلمان، بينما سيسعى الحزب التقدمي للحفاظ على المقاعد الدرزية الموجودة في البرلمان الحالي من خلال التحالف مع منافسيه من الأحزاب الدرزية (تيار التوحيد، الحزب الديمقراطي اللبناني).

انعكاسات محتملة: 

هناك العديد من الآثار المحتملة التي سيخلفها القانون الجديد على المشهد السياسي في لبنان، وذلك على النحو التالي:

1- زيادة نفوذ حزب الله: إعادة تقسيم الدوائر لا يعني تراجع عدد المقاعد الشيعية كما يروج حزب الله، حيث سيسفر عن انتقال المقاعد التي سيفوز بها من دائرة إلى أخرى، وذلك على حساب القوى السياسية الأخرى خاصة تيار المستقبل، وبالتالي سيزداد النفوذ الشيعي على حساب المسلمين السنة في المشهد السياسي اللبناني.

2- تدشين تحالفات جديدة: من المرجح أن تتجه القوى السياسية الفترة المقبلة لتحديد حلفائها للحصول على أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان، خاصة مع المستقلين من جهة، وعقد صفقات لتوزيع المقاعد بين الأحزاب وبعضها بعضًا من جهة أخرى. وفي هذا الإطار قد تتراجع قوة التحالفات التقليدية، وعلى رأسها تراجع التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر على حساب تعزيز الأخير لتحالفه مع حزب القوات اللبنانية المسيحي، حيث سيتمسك "جبران باسيل" بشعار الطائفية لتحقيق هذا الغرض، وهو النهج الذي بدأ التركيز عليه مؤخرًا، حيث "إعلاء النبرة الطائفية في الشأن السياسي". 

3- تبلور خريطة سياسية جديدة: عكس ما سبقُ إعلاء النبرة الطائفية والمذهبية والعرقية على المصلحة السياسية، وهو الأمر الذي حاول القانون الجديد التملص منه دون جدوى، وسيسفر هذا الأمر عن تغير شكل الخريطة السياسية الحالية كنتيجة لتغير التحالفات القائمة، وهو ما يقود إلى مزيد من التجاذب في الداخل اللبناني، ودلالة ذلك ما أظهرته مواقف القوى السياسية تجاه قانون الانتخاب، والتي سيدعمها المشهد الإقليمي المرتبك الذي يستهدف استقطاب لبنان إلى سياسة المحاور الإقليمية.